الجيش الذي أتحدث عنه / باباه سيدي عبد الله

سبت, 10/17/2015 - 23:44
باباه سيدي عبد الله

لم أكن أريد الخوض مجددا فى هذا الموضوع لولا تدوينة لا يمكنني إهمالها لأكثر من سبب: فهي لأخٍ غالٍ ذى قُرْبــــَى فى التاريخ والجغرافيا البشرية والعلمية وسياسي داعم للرئيس عزيز، أي أن ما يكتبه ليس مجرد رأي شخصي بالضرورة، بل إنني كِدْتُ – لولا أنه مهر التدوينة باسمه وصورته- أعتقد أنها افتتاحية لوكالة الأنباء الرسمية.

أول ما لفت انتباهي فى النص ورود الجملة التالية: (( الجيش الموريتاني يشارك اليوم ، وليس أمس، فى مهام قتالية تسعى لحفظ السلام في بعض الدول الإفريقية)).

وللتوضيح، فإن هدف عمليات حفظ السلام هو دعم جهود الدول التي مزقتها النزاعات حتى تخلق ظروفا مناسبة للعودة إلى سلام دائم، أي أن عمليات السلام ليست قتالية فى جوهرها، ولها مبادئ أساسية حددتها الأمم المتحدة فى : موافقة أطراف النزاع، الحياد، عدم استخدام القوة إلا فى حالة الدفاع عن النفس أو التأكيد بنص صريح على التفويض باستخدام القوة بموجب انتداب من مجلس الأمن. (( وهنا لا وجه للمقارنة بين مشاركة جيشنا فى حفظ السلام ببعض الدول الإفريقية الخارجة من نزاعات وحروب، وبناءا على تفويض أممي، وبين خشيتنا من وجود بعض من قوات جيشنا فى الخطوط الأمامية للحرب فى اليمن)).

أما تحدثت عنه التدوينة من أن (( بعض دول الجوار أرسلت مفرزة من جيشها وطائراتها إلى ساحة الوغى ضمن دول التحالف العربي المشاركة في عاصفة الحزم ...؟؟؟؟؟))، فسأكتفي بمثاليْن أعتقد أن التدوينة قصدتْهما استحضارا أو تلميحا :

- المثال الأول : المملكة المغربية. لن أفصِّلَ المسوغات الإقتصادية للمشاركة المغربية المعلنة فى حرب اليمن، وإنما سأورود ثلاثة أسباب أخرى لهذه المشاركة، لم تُخْفِها الدبلوماسية المغربية عن شعبها. السبب الأول: التزامُ المغرب باتفاق تعاون عسكري مع دولة الإمارات العربية المتحدة منذ العام 2006 ينص على تبادل الدعم العسكري والأمني واللوجستي لمكافحة الإرهاب، ولاستتباب السلم والإستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي. والسبب الثاني: وجود المغرب والأردن فى وضعية متقدمة من الشراكة مع دول مجلس التعاون الخليجي لا يُستَبعَد أن تتحول قريبا إلى عضوية كاملة فى المجلس. والسبب الثالث: انسجام حرب اليمن- فى بعض أبعادها- مع تصدِّي المغرب للمد الشيعي الإيراني الذي دخلت الرباط فى مواجهة معه أدت إلى قطع علاقاتها مع طهران سنة 2009 . (( وهنا أيضا لا وجه للمقارنة مع موريتانيا التي سارعت - فى أول عهد الرئيس عزيز- إلى احتضان إيران ورفعت التمثيل الدبلومسي معها إلى مستوى السفراء، وأمَّنتْ لها حضورا مغاربيا بديلا عن الرباط)).

- المثال الثاني : جمهورية السنغال. لم يُخْفِ الرئيس السنغالي عن شعبه قرار مشاركة بلاده فى الحرب فى اليمن: فقد كلف وزير خارجيته بشرح دوافع ومزايا تلك المشاركة للرأي العام الوطني ممثلا فى نواب الجمعية الوطنية، وللرأي العام الدولي عبر منابر دبلوماسية وسياسية معروفة ( الأمم المتحدة، منظمة المؤتمر الإسلامي، صحيفتا Jeune Afrique و Le Monde مثالا لا حصرا. (( وهنا أيضا لا وجه للمقارنة مع ما جرى فى موريتانيا التي لم ينبس فيها مسؤول رسمي بكلمة حول الموضوع لا تأكيدا ولا نفيا، اللهم إلا إذا تنازل أخي وصديقي عن تدوينته للحزب الحاكم أو للوكالة الموريتانية للأنباء)).

بعد هذه التوضيحات، أؤكد أنه لا ينكر مكانة السعودية فى العالم الإسلامي إلا جاحد أو مكابر، ولا يرفض الدفاع عن حرمة الأراضي المقدسة إلا جبان من المخلَّفين من الأعراب، ولا يشكك فى بطولات ووطنية الجيش الموريتاني إلا أفاك أشٍرٌ ، ولا يسترخص دماء أبناء وطنه - عسكرييين ومدنيين- إلا خائن للأمانة أو غير مُلِمٍّ بدستور وقوانين بلده، ولا عذر لأحد بجهل القانون.

ولا زلتُ ألتمس للرئيس عزيز أحسن المَخارج فى هذه النازلة، كأن يحترم شعبه و يصارحه بالحقيقة،ويحفظ ماء وجهه بأخف الخسائر: ألم يعِدْ وزيرَ الخارجية الفرنسي /لوران فابيوس/ بإرسال جنود موريتانيين للمشاركة فى قوة حفظ السلام فى جمهورية مالي، ثم عاد ليقول لاحقا إن جنودنا سيبقوْن على الحدود الموريتانية- المالية لتأمينها؟

أعرف حدودنا التاريخية مع اليمن، لكنني لا أعرف البداية الجغرافية لتلك الحدود: هل هي من جهة "واد الناقة"؟ أم من ناحية " الشامي"؟ أم هي أقرب إلى "تكندْ"؟!!!

ختاما، أشد أزر أخي وصديقي فى رفضه لموقف الذين (( عودونا دائما على رؤية الشطر الفارغ من الكأس أوبعبارتنا المحلية "تعمار الزر الخالي...))، ففى هذه أتفق معه – وكم هي كثيرة نقاط اتفاقنا، لكنَّ أخشى ما أخشاه أن تنكسر الكأس فكسرها لا يُجْبَر، وعندها سوف يصبح (( الكل فى الزر الخالي)).