معضلة الرق وآثاره ومخلفاته / سيدي محمد بن سيد أعمر

اثنين, 05/07/2018 - 15:55

معضلة الرق وآثاره ومخلفاته هي في حد ذاتها اشكال مبير لا يخفي ما يطرحه من تساؤلات وما يثير من مخاف و مهاوي أصبحت طبولها تقرع كل حين. وأيا كان موقعنا من الموضوع فالكل مجمعون علي أن مظالم كبيرة لا يتأتي حصرها و حيفا شديدا و ظلما مرعبا قد حاقت بفئات من الشعب الموريتاني حقبا طويلة امتدت الي زمن قريب و يخشي أن بعض صيغه الفظيعة لا تزال قائمة الي اليوم. هذا و أيا كانت مشاربنا ومداركنا فالكل مجمعون أن هذه الظاهرة و ان تلاشت بمظاهرها الفجة قد أورثت واقعا قوامه الفقر المدقع والتخلف المهين و دونية في مقاييس المجتمع فلا يكاد فرد من هذه الفئة ، مهما حسنت أحواله ينفك من أن يتأثر بهذا الواقع أو بعض من أذاه. لا ينكر هذا الا ديماغوجي معاند. 

مرد ذالك تاريخيا الي سيادة اللا قانون و واقع اللا دولة لوقت طويل و شيء من فقه قليل يراد تنزله علي مغاير في الشكل و المضمون. كانت الدولة بعد أن كانت، بمرحلتيها الاستعمارية و الوطنية بالطبع منتبهة لمعضلة الرق و ما ينجر عنه فكانت في بعض الأحيان تتخذ تدابير و اجراءات وقتية لمعالجة الموضوع، ظلت في مجملها دون النجاعة المرتقبة. اذ لم تكن في حقيقة الأمر تأتي ضمن منظور استراتيجي بأبعاد ثقافية و اقتصادية و سياسية و اخلاقية ينبني علي احاطة بعلم الموضوع و تحمل لهم اجتثاثه و تطويق مخلفاته. آلت اذا تلك التدابير الي عبث يتداخل و ينسخ بعضه بعضا و ان كانت قد أثمرت في بعض المجالات. كون الاشكالية تحز في مفصل اثني و تفتح الباب علي مصراعيه لكيد و تربص خارجي معلوم الاسس و المقاصد لا ينفي حقيقة الامر و جسامة المعضلة و أحقية القضية.
كما أن اخفاق التدابير الحكومية خلال كل الحقب و ان شابه الرضوخ لميزان القوة الآني لا يمكن اعتباره اصطفافا سياسيا وعنصريا ممنهجا، بل هو اخفاق كغيره من حيث هو اخفاق و ان كانت ماهية متعلقه أشد الحاحا و تعقيدا و حساسية مما خلاها. ترتيبا علي ما تبين فليس يجدى في الامر انكار او اغفال أو التدابير القاصرة أو تمترس ضد الكيد الخارجي بله احتجاز الموضوع ضمن سياق فئوي ضيق و الاستقواء بجهات ومجاميع مشبوهة و الدعوة للصدام. فكلها مسارات فاشلة لا تزيد الأمر الا تفاقما. 
يبدو كذالك جليا أن هذا الواقع المأساوي الناجم عن الاسترقاق و مخلفاته قد طال و لا يزال يطال بعضنا و انه ان يطل أمد تجاهله لحائق بكلنا الامر الذي يحتم علي الجميع أن تنصب عنايتهم علي هذا الاشكال العصي. فنحن في المحصلة أمام خيارات ثلاثة : اما أن نصطدم فتذهب ريحنا و ذاك خيار عدمي لا يطمئن له عاقل، و اما أن ننفصم و تلك مندوحة يصعب حتي تخيلها فضلا عن تنزلها في الزمان و المكان والامكان، و اما أن نلتئم متحدين متكاتفين لتلافي واقعنا و اجتياز عثراته. و في هذا السياق يتعين أن نعترف بما كان و بما هو واقع من الاختلال و أن نعقد العزم علي الجد في معالجته وفقا للعدل، و بقوة ترتج منها المفاهيم السائدة و تتهاوي الأباطيل و يتعين علينا كمجتمع أن نفك القضية من أغلال الفئوية لتصبح منوطة بالكل كفرض عين لا يتأتي طرحه أو الخلاص منه. و يتعين علي الدولة من حيث هي ، الي حد ما، فاعل سرمدي باسم الكل و علي المؤسسات فاعل باسم الدولة أن تتكفل أسرع ما يكون بصياغة منظور شامل بتدابير مكتملة و أهداف واضحة تضمن النجاعة و الاستدامة. 
ولا يسع الكف عن هذا الموضوع قبل أن نشير لأمرين أولهما أني لست مرتبطا تنظيميا و لا مدافعا عن طرح النظام فأغلبه يرد قبل الاخذ بأقله. ثانيهما أني وجدت تقرير اهيومن رايتس ووتش فضلا عما احتوي من الحقائق مثيرا للاشمئزاز من حيث اجتراحه لعدم الروية و سرعة الحكومة مما يوحي بذالك النمط الكيدي الذي لم يعد يخفي علي أحد و الذي يستدعي أن نتيح لأنفسنا فرصة النظر في أمرنا قبل غيرنا. 
وذالك ما يدفعني لطرح الاشكال في سياق هادئ يتيح مساحة لتزاحم النظرات علي اختلافها و سأكون سعيدا لو أن هذه الخطرات كانت مؤذنة بتدافع فكري غير فج و لا بذيء حول الاشكال يستدعي مرحبا به اسهام الجميع.

 

و الله ولي التوفيق.