أصدر المنتدي الوطني للديمقراطية و الوحدة أحد أقطاب المعارضة الوطنية منذ أيام بيانا "حديد اللهجة" حول الحوار السياسي مساره و معوقاته و آفاقه متهما الموالاة بما سماه "عدم الجدية" و " السعي إلي تنظيم حوار جزئي مع بعض أطراف المعارضة" مما يحيل إلي الذهن تخوف المنتدي من إمكانية تنظيم النسخة الثانية من حوار الموالاة و المعاهدة من أجل التناوب الديمقراطي الذي التأمت نسخته الأولي أواخر سنة 2011.
و لم يصدر حتي الآن رد من أي من أطراف الموالاة علي مضامين و إيحاءات بيان المنتدي مما يفسر بأنه تهدئة تتبع تصعيدا، تهدئة ترفع من رصيد المولاة لدي الرأي العام باعتبارها حريصة علي تجنب كل الخرجات الإعلامية الهجومية أو الدفاعية التي قد تؤثر سلبا علي قليل ضمانات الثقة التي تم التحصل عليها حتي الآن بين الطرفين.
و يعتبر بيان المنتدي أول كبوة علنية للحوار يتعين علي كل الموريتانيين المؤمنين بأن الحوار-بلغة رمضان المبارك الذي نتهيأ لشد مئزر عشره الأواخر- جُنًة ( وقاية) من جميع مخاطر التجاذب و الاستقطاب غير الرشيد علي السلطة خصوصا في هذا الزمن العربي شديد ضبابية الحاضر و المستقبل، يتعين عليهم إذن أن يبذلوا كل الجهد و يقدموا كامل التضحية من أجل تصحيح الموقف و تنظيم حوار سياسي جامع محصور الموضوع موطإ الآليات يفضي إلي توافق وطني عاصم.
و إذا ما أردنا تفسير كبوة الحوار هذه فيمكن إرجاعها إلي الأسباب التالية:
1-الطول الممل و المحبط لفترة "التمهيد" و "التسخين": حيث مضت شهور مديدة علي دعوة رئيس الجمهورية إلي حوار سياسي جامع و استجابة المعارضة بجناحيها لتلك الدعوة و ما تلا ذلك من تبادل العديد من أوراق العمل و عقد الكثير من اللقاءات العلنية و السرية ،الرسمية و المجاملاتية ابتغاء الاتفاق علي شكل و مضمون "بطاقات دخول الحوار" أو ما سمي " ممهدات الحوار".
و خلال هذه الفترة الطويلة ظل موضوع الحوار يطفو تارة فيخطف المشهد السياسي و الإعلامي و ينعش طموحات الموريتانيين في التوافق وإبعاد الخوف من المجهول و يخبو تارات عديدة حتي يخيل إلي المراقب الشفيق المترقب أن الحوار فشل و مات وأصبح من الماضي.
و يعود الطول المخل لفترة التمهيد من جهة إلي صعوبة بناء الثقة بين الأطراف السياسية الوطنية المشبعة بتاريخ طويل و مرير من ثقافة "لي الأذرع" و " الطعن في الظهر" و "إرادة الظفر بكل شيئ أو لا شيئ" و تغييب ثقافة "التنازلات و التفاهمات السياسية".
كما يعود إلي تثاقل " البيروقراطية السياسية" التي تحكم النصوص المنظمة لسير و عمل المنتدي من جهة أخري بحيث يتطلب اتخاذ أبسط قرار بحضور اجتماع ما عقد عشرات اللقاءات الماراتونية التمهيدية و "المتنية" بين أذرع المنتدي الاخطبوطية السياسيية و النقابية و المدنية و المستقلة و غير المصنفة...
2-رئاسة المنتدي من خارج الأحزاب السياسية:يتداول علي نطاق واسع أن أطراف عديدة و نافذة من الموالاة و المنتدي معا غير راضية عن ترأس الأخير من طرف شخصية غير حزبية ذلك أن الحوار السياسي هو بالأساس شأن الأحزاب التي هي التعبير الجمعي المدني عن الإرادة السياسية.
3- تقاعس ا"لأحزاب الكبري" بالمنتدي عن ريادة ملف الحوار: يلاحظ المراقبون خلال ما فات من " المسار شبه الضائع" للحوار تقاعس الأحزاب الكبري بالمنتدي حسب معايير أقدمية التأسيس و حجم الموروث النضالي و ماضي التمثيل البرلماني و البلدي و مستوي الامتداد الجماهيري عن ريادة ملف الحوار
ويعتبر غياب الأحزاب الكبري بالمنتدي عن زمام الحوار أمرا غير مفهوم حتي الآن في الوقت الذي يجزم خبراء و محللون مُصدًقون أن لو كانت إدارة ملف الحوار بيد بعضهم لكانت فرص تقدم و نجاح الحوار أكثر و أوفر.
4- صخب و تشويش الجاهلين بالحوار: يرجع بعض المراقبين كبوة الحوار و تعثره إلي صخب و تشويش فئة قليلة العدد كثيرة الحركة جهورية الصوت من الموالاة و المعارضة تعادي الحوار و تضع العصي في دواليبه لأنها ببساطة تجهل فوائده و مضار غيابه و تغييبه و من جهل شيئا عاداه.
و من الغريب أن هذه الجماعة المعادية للحوار و لكل القيم الديمقراطية برزت و انتعش دورها و حضورها مع بداية المسلسل الديمقراطي فهي "عمل ديمقراطي غير صالح" وتستمد حضورها الإعلامي و السياسي و الإداري من حدية و استقطاب الحياة السياسية و لا تألو جهدا في استدامة توتير و تسخين المشهد السياسي و ما ذلك إلا لأنها في حال تطبيع المشهد السياسي ستكون أثرا بعد عين.
تلكم بعض الأسباب التي ربما يرجع إليها التعثر الحاصل في مسار الحوار و الذي أفتأ أكرر أنه علي جميع الموريتانيين الحادبين علي وطنهم أن لا يقبلوا بفشل الحوار السياسي و لا بتحييده عن حجمه و أهدافه تهويلا أو تهوينا تضخيما أو تبخيسا...مقدرين حجم و حساسية "اللحظة العربية و الإسلامية و الإقليمية".
و أخشي ما أخشاه أن يستغرق السياسيون موالاة و معارضة في معارك التجاذب و الاستقطاب و الحدية وشد الحبل السياسي و عدم الأخذ بالتدرج و الطموح المفرط في إرادة خلق جزيرة ديمقراطية بيضاء مثالية في بحر موجه متلاطم من التفجيرات و "العصبيات" و الإعدامات و "إعلان الطوارئ"...
حتي إذا طال أمد الحدية و التجاذب استنزف الجسم السياسي الوطني و ترهل ثم تسلل أعداء الديمقراطية من دعاة العنصرية و التطرف الديني و الشرائحية و المناطقية إلي منصة المشهد الوطني ساعتها سيذكر"غلاة الحوار" ما كنا و ما كان يمكن أن نكون فيه من نعم الديمقراطية و الأمن و التنمية و الاستقرار .