ولد بكار سنة 1818م وهو أصغر أبناء والده اسويد أحمد، ومنذ صغره بدا مختلفا قوي الببنية ضخما ممتلأ ذكيا مندفعا، وكما يقول " بيير آملهات - pierre amilhat" تحول الفتى إلى مركز للأحداث التي بدأ يوجهها بدماغ خلق للتحدي وعقل يقدح حكمة وبصيرة لقد حباه الله ذكاء منقطع النظير وعبقرية سياسية وقيمة عسكرية بالإضافة إلى قوة الشخصية وروح الزعامة، فظل قائدا بلا منازع إلى يوم وفاته".
وأظهر بكار منذ نعومة أظافره مواهب وقدرات قيادية فريدة نمت وتطورت في ظل نظام اجتماعي يحث الفرد على تمثل قيم البطولة والتضحية والإقدام والنخوة والشهامة ويخضع أبناؤه منذ الصغر لتربية قاسية لتعويدهم على حياة الغزو.
توفي أبوه اسويد أحمد وهو صبي وتولى الإمارة عمه سليمان ولد محمد ولد امحمد شين وطمح بكار للإمارة حين شب عن الطوق وتوفي سليمان وتولى بعده أخوه عبد الله فنازع بكار عمه عبد الله الإمارة ثم خلصت له إمارة أبكاك فتقلدها سنة 1836 ولبث فيها سبعين عاما أي حتى استشهاده سنة 1905، حاول توحيد فرعي إدوعيش وخاض حروبا ضد اشراتيت و اترارزة وآدرار. وكان لايشق له غبار في المعارك وكان شهما جوادا كريما.
يقول المؤرخ سيدي ولد الزين وهو معاصر له وأوصل إليه رسالة من كبلاني ذات سفارة يقول ولد الزين:
"ومن سيادته أنه إلى موته لم ينتفع بثلاثة أشياء لم ينتفع بآمكبل ولم ينتفع بمهر بنت له ولم ينتفع بالذكر من نسل خيله إنما يجعل الثلاثة للفقراء والمساكين."
وكان بكار كثير الصدقة كثير الأوقاف في سبيل الله كثير الإنفاق وقد كتبت مرة عن قصته مع مربية ابنته وستره لها عند انكشاف سرقتها لقلاة ثمينة "صرع حر " كان عندها، وكان الأمير بكار يعجبه قول الشاعر:
أخيار عرب آمساگ :: واخيار عرب احسي أحمد
واخيار مجموع آژناگ :: بكار ولد اسويد أحمد
بعد بسط القائد العسكري الفرنسي اگزاڤييه كوپولاني ، سيطرته علي منطقة الترارزة والبراكنة في الفترة ما بين 1898 و 1904، بدأت قبيلة إدوعيش وبتوجيه من الأمير بكار تعد العدة لمقارعة الاحتلال حيث تصدت مجموعة من أولاده نهاية العام 1904 في ميت ومال بولاية لبراكنه لفلول من المستعمر وكبدوه خسائر فادحة، وتكرر نفس السيناريو في فبراير 1905م حيث شنت قبيلة إدوعيش بقيادة أحمد محمود بن بكار هجوما على فرقة من القوات الفرنسية بقيادة الضابط REY في "جار" قرب موضع "درگل" فتم القضاء على جل هذه الوحدة وأصيب REY إصابة خطيرة.
ولما علم كوبولاني بمعركة "درگل" وبالخسائر التي تكبدتها قواته أمر في الحال بالهجوم على مقاتلي إدوعيش في معاقلهم بولاية تكانت ولعصابه. حيث جند لتلك العملية الاف الجنود الفرنسيين ومعههم بعض كوميات ومئات السنغاليين لتتوالي بعد ذلك مواجهات المستعمر مع شيخ المجاهدين في راس الفيل وفي ابريل 1905 معركة "بوگادوم" التي استشهد فيها الأمير المجاهد بكار.
يقول الرائد افرير جاه في مذكراته:
"استدعاني الأمين العام "كبولاني" يوم 25 مارس 1905 داخل كوخ الحشيش والأخشاب الذي يتخذ منه مقرا نسميه نحن "مكتب" الأمين العام. قدم عرضا عن حقيقة الوضع: ف"إيدوعيش" لم يبتعدوا بالقدر الذي يشاع. قد شوهدوا بضواحي "كيفة" على سهل منبسط في قلب منطقة "اركيبه". وما زالوا يشكلون خطرا مع احتمال دخولهم تكانت عندما تتوغل بعثتنا نحو الشمال. وإن نجحوا فسوف يقوضون كل ما حققناه من انتصارات. يجب إذن إبعاد خطرهم بأقصى ما يكون بضربة قاضية، لقد حدد لي السيد "كبولاني" طريقا أسلكه للوصول إليهم، يجب علي أن استكشف مكان وجودهم بالضبط أثناء المسير نحوهم. وقد بلغني أنهم كانوا يوم 22 مارس عند موقع "بومحنه الدرحه" بين "اكوانيش" (أفله) و"لعصابه" على نحو خمسين كليو مترا من "كيفه" ومن المحتمل أن أصادفهم أثناء البحث أو أتلقى منهم هجوما مباغتا. وفي كلتا الحالتين لدي أمر بأن أبعدهم إلى الشرق دون المخاطرة بالفرقة الموجودة تحت إمرتي، والأمر في الواقع أبسط من هذا. فالمطلوب في الواقع هو أن أبحث عن "إيدوعيش" وأحقق أقصى ما يمكن من القضاء عليهم. لضمان العثور على "إيدوعيش" أمدني "كبولاني" بدليلين ماهرين مدفوعين بأحقاد شخصية ضد الأمير "بكار"، أحدهما محارب من أهل "سيد محمود" يدعى "محمد ولد أجاهي" والثاني زاوي من "مسومه" يدعى "البشير"، ويلزمني طيلة عمليات البحث أن استدرج كافة مجموعات البيظان القابلة للانفصال عن إدوعيش، والمتوجهة نحو "تكانت" من أجل تقديم التنازل وبالأخص أهل "سيد محمود"، و"تجكانت"، و"مسومه"، و"إدوعلي"، وعلي بصفة خاصة أن آخذ في الحسبان بعض رؤساء "البيظان" لأنهم كانوا قد أجبروا في السابق على الذهاب مع "إدوعيش"، ومن بين هؤلاء، "سيدي ولد الزين" الذي قدم معنا من "قصر البركة" والتزم بإيصال رسائل "كبولاني" إلى الأمير "بكار"، ومن ضمن هؤلاء أيضا "الحسين ولد بكار" نجل الأمير الذي جنح إلى السلم مع الفرنسيين وآخرون معه. فإذا مثل هؤلاء الرؤساء أمامي فلدي أمر بأن أقابلهم بالمعاملة الحسنة. وبالإضافة إلى جنودي من "البولار" الذين قد جربوا إطلاق النار في تنشيبه فقد أعطاني كبولاني مجموعة من المساعدين السودانيين، وقد فضل رئيسهم البقاء مستلقيا تحت الشمس، فتركته إذ لا أفضل أرغام الآخرين، لقد حيكت ضدي مؤامرة إذ قيل لـ"كبولاني" إن مجموعة "أولاد ابييري" متذمرة من قسوتي أثناء رحلة "تنشيبه"، ويشاع أنهم لن يقبلوا بالعمل تحت إمرتي، وأنا أعرف من أين جاءت هذه الدسائس: من ضابطين حاسدين من كوني أكلف دائما بالجولات الحربية، وعلى رأسهم "ببكر سيرَ"، و"الهريم"، ورؤساء "كنته"، استدعيت "محمد ولد أعمر" و"المختار ولد داداه"، اللذين أكدا لي إخلاص خمسة وعشرين من "أولاد بالسباع"، واثنين من "أولاد ابييري"، يمكن أن أعتمد على هؤلاء بثقة تامة كما أن "بوبلير" جاءني بعشرة آخرين من "البيظان" ما بين "أولاد أحمد" و"أولاد دمان"، و"تجكانت اترارزة"، وبهذه الطريقة لاحظت أن الذين تخلفوا كما كنت أنتظر، هم "ببكر سيرى"، و"ولد بركام"، ورؤساء "كنته" ورجال "الهريم" الستة. هذا ما نتج عن المؤامرة الرامية إلى حرماني من المجندين "البيظان"، وقد حصلت عليهم وحصد المدبرون الخيبة، وبالجملة كان لدي 169 بندقية ذات طلق سريع و ثلاثة ضباط صف والرقيب "مارين" من الأوربيين والرقيب "مجكان"، والرقيب الدركي "بلبشير الهواري" و120 مساعد من الزنوج الراجلين، و25 طلقة نارية للمدفع الرشاش. وصلتني قافلة من 11 ثور تحمل 250 كلغ من الأرز ومئونة 15 يوم من أغذية الأوربيين. وكأغذية للموريتانيين لم يكن هذا يكفي لمدة طويلة، 5 أيام فقط تقريبا، ولكنهم يعولون على شطارتي، ومع ذلك كنت أشعر بخطر المجاعة، ولدي خططي وسنرى فيما بعد كيف تصرفت، وفي انتظار ذلك فعلى هذا المستوى ينتظرني الحساد المتربصون، عند الساعة الخامسة طلع القمر وعاد رجال "الشوف" مسرعين يلتقطون أنفاسهم بصعوبة وقالوا إن معظم "إدوعيش" يوجد غير بعيد منا وأن الأمير يوجد في المخيم، فقد قال أحد رجالي من "أولاد بالسباع" واسمه "أحمد يوره" إنه شرب معه الشاي قبل ساعة حين قدم نفسه بوصفه أحد الفقراء من الزوايا ثم اختفى والتحق برفاقه المختبئين غير بعيد ولاشك أن الأمير "بكار" بدأت تساوره الشكوك وأعطى إشارة الإنذار. يجب إذن أن نسرع، فصرخت "إلى الأسلحة" ثم أضفت "إدوعيش قادمون" فنسي الرجال التعب واحتسبوا أنهم تحت هجوم مباغت فانتصب كل واحد واقفا كأنما تلقى ضربة سوط، فلابد من استغلال هذه الوضعية. أمرت الرقيب "مارين" بتشكيل قوة احتياط من أربعين سينغاليا ومعهم الرشاشة، وكلفته بمتابعتي على بعد 500 مترا تقريبا... ثم وضعت في المقدمة رجالي من "التوكولير" والبيضان (المور)... وكلفت بعضهم بإمساك الجمال خلف خط الهجوم الذي كان يتكون من 130 بنقدية، وكلنا نتقدم بسرعة خلف الدليل "ولد الجابر"، وعندما وصلنا مسرعين ومقتربين بأقل من نصف كيلومتر من مرتفع صخري يخترقه في وسطه ممر صغير، رأيت كثيرا من الجمال وهي تتزاحم دائرة في كل اتجاه والناس يتدافعون في اضطراب، كان ضوء الشمس كاد يظهر، وكنت أرى إلى اليمين فرسانا يبتعدون مسرعين، إنهم بلا شك يريدون إنذار الأحياء المجاورة في تلك الوجهة، ومن الواضح أن المفاجأة لم تكن كاملة، حيث لم تكن طلقات رصاصنا هي التي توقظ العدو، لكن مهاجمة هؤلاء الناس المذعورين بعنف واندفاع سيكون له مفعول كبير.. أحطنا بالمرتفع وسيطرنا على الممر الضيق وقذفنا في نفس الوقت بخمس أو ست رشقات من الطلقات النارية التي انهمرت صببا على الخيام وإلى الأسفل منها من مسافة تقل عن 20 مترا.
اشتد التدافع بين الجمال التي سبق أن رأيناها والنساء الذين كانوا حولها، وأطناب الخيام التي كان الكل يرتطهم بها في شكل دوامة يختلط فيها الحابل بالنابل، وكان الكثير خمس أو ست دقائق من الفوضى، ومع تفوق موقعنا وأسلحتنا النارية.. أدى الهجوم العنيف الذي نفذه رجالي إلى طرد العدو من الغيضة.. كانت رمايتنا، في بداية الاشتباك من مسافة قريبة، ذات فعلية رهيبة"، وكان الأمير بكار ولد اسويد أحمد قد ترك في حكم الميت بين خيمتين وكانت اثنتان من بناته حيتين وفي متناولنا وكانت البنتان تخافان أن نقطع رأس أبيهما، وقد شكل سلوكنا بالنسبة لهما مفاجأة كبيرة، كان بكار قد خرج من خيمته محاولا الهرب عند وثبتنا الهجومية الأولى، وقد تجاوزناه دون أن نراه، وعندما كان أحد رجالنا وهو المدعو أعمر ولد بوبكر منشغلا بتجميع الخيل التي بقيت في الحي سليمة لاحظ عملاقا يبتعد منه متثاقلا كانت قامة بكار مترين وقد أصيب بجرح، فصاح أعمر ولد بوبكر: "يا هذا ألست بكار؟" فما كان جواب الشيخ بكار إلا أن قذفه بطلقة من مدفعه فرد أعمر بطلقة أردت الأمير صريعا، قبل أن يصوب أبيليد ،أحد الكوميات بندقيته نحو الأمير وأفرغها في كليتيه عن كثب، واستولي أعمر على مدفع الأمير الذي كان يتوسل راجيا أن يجهز عليه، دخل أعمر خيمة قريبة، حيث استولى على طابع الأمير، ثم وضع بساطا على جسد الشيخ الذي كان يتنفس بصعوبة هكذا وجدته".
استشهاد الامير بكار ولد اسويد احمد يرويها ابنه الأمير عبد الرحمن "الدان" و لد بكار:
"نزلنا موضع بوگادوم، وفيه أغار علينا النصارى بغتة دون أن نعلم بهم، والحال أن أكثر الناس لم يكن موجودا في الحلة التي كان فيها آنذاك القليل من الناس، فلما أغاروا على الحلة أصابوا الأمير بكار في فخذه خلال القصف العشوائي، ولما علمنا بالغارة وكنا خارج الحلة، انطلقت أنا وفارسان كانا معي واقتربنا من الحلة حيث التقينا ببعض النسوة، فقلن لنا: بكار توفي منذ وقت قصير ولا حاجة لكم بالقدوم على العدو والهدف عند النسوة وهو إرجاعنا عن المغيرين، عندئذ رأتنا القوات المهاجمة فشرعوا في إطلاق النار علينا فرجعنا، متحرفين عن القتال حتى دخلنا الغابة اتقاء للقصف الذي نواجهه، ثم بعد ذلك توجهنا إلى سفح الجبل، وانضم إلينا عدد من الفرسان من بينهم عثمان بن بكار، فلم ألبث أن رأيت فارسين يركضان نحو العدو ويطلقان الكثير من الرصاص، ثم يكران راجعين فتوجهت لالتحق بهما فما أن وصلتهما حتى بدأ العدو في الانسحاب بعد أن أخذوا الأمتعة والأثاث، فانطلقنا في أثرهم فمررت أثناء ذلك بالمخيم فإذا ببكار مضجع على جنبه وقد أصيب في فخذه، وبعد هنيهة جاءني فارسان هما بناهي بن محمد بن اعلي من أهل أسويد والآخر هو الذي بن سيدي الأمين من الشراتيت ونحن والشراتيت آنذاك متحدان وفي خندق واحد، ثم توافد علينا العديد من الفرسان". وأضاف عبد الرحمن: "وما إن جلست إلى جانب بكار حتى رأيت جملا فقمت أركض نحوه، فأخذته وأتيتهم به وجعلت عليه محملا، وعندما أردنا حمله ووضعه على المحمل قال لنا بكار – وهو يعاني من كسر في فخذه شدوا ساقي مع فخذي بوثاق، وأضجعوني على جنبي واجعلوا أحدا وراء ظهري يمسكني واتركوا الجمل يسير بين الذملان والوخد فذلك أرفق بجرحي ففعلنا له ما أراد ورافقه بعض الفرسان أما أنا فقد سرت مع طائفة في أثر العدو، فوجدناهم نزلوا نفس اليوم عند "تامورت" تسمى "بيبط في "الرقيبة" فراقبناهم عن بعد، وتسللت نحوهم لأقتل منهم أحدا، فصادفت قطيعا من البقر لأهل أعمر بن بكار كان من بين المواشي التي نهبوها، فاستوليت عليه، فلما رأوني سقت القطيع أطلقوا على النار فجعلت أعدو خلف القطيع حتى أوصلته لجماعتي وأخذنا منه ثورا فذبحناه، وأرجعنا البقية للمخيم، ثم تابعنا السير في طلبهم بعد أن انتصف الليل فوجدناهم صبيحة اليوم الثاني مروا ببئر "بوملانه" واستقوا منها ثم هدموها، وكنا ننوي أن نستقي من البئر فلما وجدناهم هدموها وقد أخذ العطش منا، قررنا الرجوع إلى المخيم، وبعد ثلاث ليل توفي بكار"، وذكر عبد الرحمن: "أن الفرنسيين، المهاجمين خلال تفتيشهم للمخيم وجدوا بكار بعد إصابته ولم يعرفوا أنه هو وسألوه قائلين من أنت؟ فقال لهم: لماذا تسألون، أنا مؤمن بالله، ومعاد لكم وكاره لكم فاقتلوني فقال لهم محمد بن اللب الدماني، وكان في الحملة مع افريرجان، هذا شريف مع أهل اسويد أحمد، ولا حاجة لكم بقتله، فتركوه وانسحبوا.
كامل الود .
نقلا عن صفحة الرائع / Sidimohamed Sidi Mohamed .