أكد رئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم بموريتانيا، سيدي محمد ولد محم، على أن موقف حزبه من الحوار ظل ثابتا، معتبرا أن المعارضة هي "العقبة في وجه تقدم الحوار" بين النظام وبين بقية الأطياف السياسية.
وقال ولد محم في حوار خاص مع "عربي21": "لقد دخلنا مع المعارضة خلال الأشهر الماضية في جولات جديدة، وكنا بالفعل جادين فيها؛ إلا أن تمثيل المعارضة فيها كان ضعيفا، وتعاطيهم مضطرب جدا".
وحول المطالبة بفتح حوار مع السجناء السلفيين؛ أوضح أن "الحوار مفتوح، وإن تجربة الحوار السابقة مع بعض السجناء أثمرت نتائج إيجابية".
وأضاف أن الدولة الموريتانية انتهجت مقاربة غير استئصالية، من خلال إعطاء فرصة للنقاش والحوار مع هؤلاء السجناء، مع مراعاة البعد الآخر الذي يأخذ بعين الاعتبار أن "هؤلاء حملوا السلاح ضد الجمهورية، وأسالوا دماء الموريتانيين"، بحسب قوله.
وتطرق الحوار إلى موقف الحزب الحاكم من الأوضاع الإقليمية، وأسباب تأجيل انتخابات مجلس الشيوخ، والموقف الموريتاني من النزاع في الصحراء الغربية، بالإضافة إلى عدد من الملفات المطروحة على الساحة الموريتانية.
وإلى نص الحوار..
* أين وصلت جهود إطلاق الحوار السياسي في البلاد؟ أم إن الطرق إلى الحوار باتت مسدودة؟
- الحوار بالنسبة لنا ليس موضوعا يتوقف، وسنظل نسعى لإقامة حوار بين كافة الموريتانيين بمختلف أطيافهم السياسية؛ من منطلق أننا أصلا نظام وليد الحوار، والمرجعية التي نعتمد عليها هي مرجعية اتفاق داكار، الذي تولدت عنه نتائج سياسية بين كافة الفرقاء الموريتانيين، أثمرت انتخابات بمقتضاها تتم إعادة البلد إلى الحياة الدستورية الطبيعية، واستمررنا بعد ذلك بالدفع نحو الحوار الدائم مع الطيف السياسي، لكن ظلت المشكلة دائما داخل المعارضة.
وموقفنا منذ العام 2009 وإلى الآن من قضايا الحوار ظل ثابتا، والمعارضة استجابت أولا قبل أن تحدث داخلها انقسامات بشأن الموقف من الحوار، فانضمت بعض الأحزاب إلى الحوار الذي دعي له حينها، وتلكأ البعض، ودخلنا مع الأحزاب المشاركة في حوار وطني؛ أعتقد أنه وصل إلى نتائج مهمة، وقد التزمنا بكل الالتزامات التي تعهدنا بها.
في المرحلة الثانية؛ دخلنا حوارا انقسمت فيه المعارضة أيضا من جديد، فبعضها رفض دخول الحوار أصلا، وبعضها دخل الحوار ولكنه لم يستمر فيه كثيرا، وقد جرت انتخابات بلدية وبرلمانية شاركت فيها بعض أحزاب المعارضة، وقاطعتها أخرى، وحاولنا فتح حوار ثالث قبيل الانتخابات الرئاسية، وكسابقيه؛ كانت المشكلة دائما داخل المعارضة، ولذلك تلاحظ أننا منذ 2009 ظلت دعوات رئيس الجمهورية للحوار متكررة، فتستجيب بعض أحزاب المعارضة، وترفض أحزاب أخرى.
* لكن يقال إن دعواتكم هذه مجرد دعوات شكلية غير جادة؟
- لو كانت شكلية؛ لما أثمرت كل هذا التوافق، ولما استجابت هذه الأحزاب عدة مرات لهذه الدعوات، فالاستجابة المتكررة لهذه الدعوات تؤكد أنها ليست شكلية نهائيا.
لقد دخلنا مع المعارضة خلال الأشهر الماضية في جولات جديدة، وكنا بالفعل جادين فيها، فبقدر ما كان تمثيل المعارضة فيها ضعيفا جدا، وبقدر ما كان تعاطيهم مضطرب جدا؛ كنا في الأغلبية جادين ومصرين على إطلاق حوار معهم، رغم البيانات التي صدرت على الفور من هذه الأحزاب تنتقد كل شيء، وأعلنت فيها هذه الأحزاب كل نقاط الحوار التي كان يفترض أن يكون بعضها سريا، ولا تناقش خارج قاعات الحوار، إلا أنها سربت كل شيء للصحفيين، حتى إن وفدهم اعتذر لنا عن ذلك، ومع ذلك تعاملنا معهم بكل مسؤولية وجدية.
ويجب التذكير بأننا قبلنا أغلب النقاط المقدمة من طرف المعارضة، وقد أحلنا نقطتين إلى اللجان الفنية، وطلبنا تأجيل نقطة واحدة؛ هي النقطة المتعلقة بالحكومة التوافقية، حتى تكون على جدول أعمال الحوار، لا أن تكون من ممهداته، لكننا فوجئنا بأمور شكلية قدمتها المعارضة تتعلق بالردود المكتوبة على الوثائق. ونحن نعتقد أن كتابة المراحل التمهيدية للحوار غير ملزمة، ولا أهمية لها، وطرحها بهذا الشكل يوضح عدم جدية المعارضة في الحوار، ويؤكد أيضا أنها العقبة في وجه تقدمه.
* هناك حديث عن توجه رئيس البلاد محمد ولد عبدالعزيز لتعديل الدستور، حتى يتسنى له الترشح لولاية ثالثة.. هل هذا صحيح؟
- لا صحة لذلك، وما هو إلا مجرد إشاعات.
* تتحدث بعض التقارير الصحفية عن توتر في العلاقات مع دول الجوار، وخصوصا المغرب والجزائر، وذلك عقب طرد الدبلوماسيين المتبادل بين موريتانيا والجزائر، والاستقبال الذي خص به الرئيس الموريتاني وفدا صحراويا، وقيل إنه أزعج المغرب.. ما صحة هذه المعلومات؟ وما موقفكم منها؟
- موريتانيا دولة ذات سيادة، وهي من تحدد من تستقبل أولا تستقبل، ولا أعتقد أن الإخوة في الجزائر أو المغرب يصدقون ما يتناوله الإعلام حول علاقاتنا معهم. وموقف الدولة الموريتانية من النزاع في الصحراء الغربية موقف متجذر، وأثبت حكمته ومصداقيته عبر سنوات النزاع الماضية، وعبر جولات المفاوضات التي جرت بين جميع الأطراف. وهذا النزاع بين إخوة أشقاء على حدودنا، نحن على مسافة واحدة منهم جميعا، ولسنا طرفا في هذا النزاع. نحن مع الحل ولن نقبل أن نكون جزءا من المشكلة، وندعو الأطراف كلها إلى التوجه للحل؛ لأن المنطقة بحاجة للسلام والاستقرار، ولديها الكثير من مشاكل التخلف وانعدام التنمية التي يفترض أن يتوجه لها الجميع.
إن موريتانيا في ظل حكم الرئيس الحالي محمد ولد عبدالعزيز؛ ترفض أن تخير بين الجزائر والمغرب، نحن نريد المغرب والجزائر معا، ولن نقبل أن نكون عنصرا مكملا لأحدهما على حساب الآخر، والاستقبال الذي جرى لوزير الخارجية الصحراوي؛ استقبال روتيني، وليست المرة الأولى التي تستقبل فيها موريتانيا مسؤولا صحراويا.
* لماذا تأجل تجديد مجلس الشيوخ لأكثر من سنة؟
تم تأجيل انتخابات تجديد الشيوخ استجابة لطلب من المعارضة؛ لأن المعارضة طلبت إشارة لحسن النوايا للمشاركة في الحوار، فقمنا بتأجيل انتخابات الشيوخ لإعطاء فرصة للحوار.
* يقال إن حرب النظام على الفساد مجرد شعار لا أكثر، ويستدل على ذلك بظهور طبقة من رجال الأعمال من دائرة الرئيس الضيقة.. ما تعليقكم؟
هذا الموضوع لا يرقى إلى مستوى أن يناقش، وعموما نحن لا يمكن أن نقول إن الفساد تم القضاء عليه نهائيا، رغم الجهود المبذولة لمكافحته.
أما في ما يتعلق بخلق رجال الأعمال؛ فالأنظمة لا تخلق رجال أعمال، وما تم تناوله إعلاميا مجرد استهداف لا يقوم على أدلة، وإذا ادعى البعض أنه تضرر من إثراء بهذا الشكل؛ فهناك آليات تحقيق، والمتضررون يمكن أن يرفعوا دعاوى قضائية.
وفي العموم؛ فإن نظام الرئيس محمد ولد عبدالعزيز مشهود له بمحاربة الفساد والمفسدين، والجميع يعرف أن داعمين للنظام دخلوا السجون لاتهامهم في ملفات فساد، ولا يمكن تجريم المواطن الموريتاني بالقرابة.
* هناك انتقادات حقوقية حول أوضاع السجون الموريتانية، حتى إن المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان تحدث عن "انتشار للمخدرات والانتهاكات الجنسية، تحت مرأى ومسمع من الجميع"، فما قولكم؟
هذه ليست خصوصية موريتانية، فكل السجون في العالم تحدث فيها مثل هذه الأشياء، والسجون دائما وكر لكل ذلك، ولا توجد سجون نظيفة حتى في الدول الأوروبية، ومع ذلك فإن وضع السجون الموريتانية تحسن كثيرا خلال السنوات الماضية، ونحن نحاول أن نحوّل السجون إلى مؤسسات إصلاح وتأهيل، بدل أن تكون مؤسسات عقابية.
* ما موقفكم من المطالبة بفتح حوار مع معتقلي السلفية وسجناء الرأي في موريتانيا؟
سبق أن تم فتح حوار مع تلك المجموعة، وأثمر نتائج جد إيجابية، ما جعل بعض الدول تعمل من أجل الاستفادة من التجربة الموريتانية في هذا المجال.
الدولة الموريتانية انتهجت مقاربة غير استئصالية، من خلال إعطاء فرصة للنقاش والحوار مع هؤلاء السجناء، لذلك أثمرت جهودنا، وكل المفرج عنهم بعد الحوار السابق لم تحدث بينهم سوى حالتي نكوص على الأكثر، والبقية اندمجت في الحياة العامة.
وعموما؛ فإن المقاربة المعتمدة هي مقاربة ذات بعدين، بعد يتعاطى إيجابيا مع وضعية هؤلاء السجناء، والبعد الآخر يأخذ بعين الاعتبار أن هؤلاء حملوا السلاح ضد الجمهورية، وأسالوا دماء الموريتانيين، وعندما يظهر أن أي عنصر مهم يمكن إعادة دمجه في الحياة العامة؛ فإن المقاربة المعتمدة تسعى لذلك.
* ما هو موقف حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم بموريتانيا؛ من الأحداث التي تمر بها المنطقة العربية (مصر، اليمن، سوريا، العراق)؟
وضعية العالم العربي كلها بحاجة إلى أن يعاد فيها النظر، ونحن مع عدم تفكيك هذه الدول، ومع الحفاظ على كيانها، وأعتقد أن حماية هذه الدول والحفاظ على كيانها؛ أولى من إحقاق العدل بين بعض أطرافها السياسية.. هناك فعلا مظالم، لكن أعتقد أن التجربة السورية أثبتت أن الحفاظ على كيان دولة قائمة هو الأولى.
في اليمن؛ موقفنا هو الموقف الرسمي، نحن نعتبر أن هناك حكومة شرعية في اليمن طلبت من الأشقاء التدخل لمساعدتها، ويجب أن تمنح الفرصة لتثبيت الشرعية في اليمن.
أما في مصر؛ فنحن مع الاستقرار والانفتاح في هذا البلد الشقيق، ونحن نعتقد أن الحوار بين الفرقاء في الوطن العربي هو الأهم، وهو المصير الحتمي لأي صراع سياسي، والجميع لا بد أن يعود لطاولة المفاوضات، فهذه قاعدة معروفة.