بدأت جريدة "الأمل الجديد اليومية" الموريتانية ابتداء من عددها الصادر اليوم الاثنين 17 أغسطس 2015 نشر كتاب "يوميات اغوانتانامو" وثيقة لا تصدق، قصة من الجحيم للسجين الموريتاني محمدو ولد صلاحي المعتقل بسجن غوانتانامو، في حلقات عبر صفحاتها كل يوم تتطالعكم بحلقة جديدة من كتاب يوميات غوانتانامو، وإسهاما من موقع الرأي المستنير في إطلاع قرائه على هذا الكتاب الشيق سنقوم بنشر الحلقات التي تنشرها الجريدة طيلة الأسبوع في حلقة واحدة يوم الخميس نقلا عن "يومية الأمل الجديد"، وقبل ذلك نعيد نشر ترجمة لمقال حول السجين ومذكراته نشرته صحيفة الجارديان البر يطانية وترجمه كريم المالكي وهو بعنوان:
"الارهاب باسم الحرية" ... يوميات سجين من جوانتانامو
اليوميات التي كتبها السجين محمدو ولد صلاحي، مدمّرة ومُثيرة للغضب وفيها الكثير من الكوميديا السوداء، تتحدث عن تجربة مروّعة لمعتقل عاش لويل في سجن جوانتانامو، لكنها مليئة بالدفء والمعلومة والنكتة الساخرة. كما أنها تحذير قاتم ضد انتهاكها سيادة القانون. يعدّ كتاب يوميات جوانتانامو أول عمل يتناول حياة سجين ما زال خلف القضبان في المعتقل الأشهر في العالم الذي يقع في قاعدة أمريكية بجزيرة في كوبا. وتقول ناشرة الكتاب الذي كتبه صلاحي بخط اليد: بمجرد نزول الكتاب إلى السوق وهاتفي لا يتوقف عن الرنين للسؤال عنه.
ومع ذلك يحيط الغموض بالكيفية التي أخرج بها كتاب يحتوي على هذه المذكرات القادمة من أعماق أبشع السجون لتتم طباعتها، وتصبح الشغل الشاغل لا سيما أن محامي المعتقل يرفض توضيح الإجراءات التي اتبعها والتي أعطته حق تحويل هذه اليوميات التي تحمل إدانات واضحة للسجانين. ويرتكز هذا الكتاب على يوميات وتفاصيل دوّنت بعناية محنة صلاحي، الذي خضع لبرنامج خاص بالتعذيب أقرّه وزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفيلد لسجناء جوانتانامو واعتمد وسائل مبتكرة، من بينها وضع السجين في زنزانة انفرادية بحيث لا يكلم أحدًا، وحرمانه من النوم، وتعرّضه للاعتداءات الجنسية، والتعذيب، وتهديده بالقتل.
في يوم 20 نوفمبر عام 2001، ألقى محمدو ولد صلاحي تحية الوداع على أمه واتجه طوعًا من منزله في نواكشوط في موريتانيا، إلى مركز الشرطة ليخضع للاستجواب. وفي غضون أيام حول إلى سجن في الأردن. وبعد سبعة أشهر من التحقيق، تمّ تجريد صلاحي، وتعصيب عينيه، وتقييده ونقله جوًا إلى قاعدة باغرام العسكرية الأمريكية في أفغانستان. وبعد أسبوعين، تمّ شحن صلاحي إلى المعتقل في خليج جوانتانامو.
يوميات مدمرة
هذا الكتاب الاستثنائي الذي تقدّم قائمة الكتب الأكثر مبيعًا في الولايات المتحدة هو تقريبًا قصة رائعة تضاهي أشهر القصص التي تناولت شخصيات عاشت تجارب مماثلة. لقد كتب صلاحي المخطوطة المكوّنة من 466 صفحة بخط اليد في زنزانته قبل نحو عقد من الزمن، بعد شهور من الإيذاء البدني والنفسي والجنسي. استغرق الأمر سنوات ليتمكن محاميه من الحصول على قرار رفع السرية عن تلك المذكرات. والنتيجة أننا أمام يوميات مدمّرة ومثيرة للألم ومستفزة، ومن المستغرب أنها في كثير من الأحيان ساخرة إلى حد الوجع.
ولد صلاحي في بلدة صغيرة بموريتانيا في عام 1970. وكان طالبًا مميزًا حصل على منحة لدراسة الهندسة في دويسبورغ في ألمانيا عام 1988. وسافر مرتين في وقت مبكر من التسعينيات إلى أفغانستان، حيث انضمّ للقتال مع تنظيم القاعدة ضد النظام المدعوم من قبل الاتحاد السوفيتي هناك، وهو السبب الذي كانت تدعمه أصلاً الولايات المتحدة. عاش وعمل في ألمانيا حتى عام 1999، وعندما انتقل إلى مونتريال، لفت انتباه السلطات إليه، بعد أن تمّ القبض على عضو من تنظيم القاعدة وبحوزته متفجرات كجزء من مؤامرة الألفية، وكان هذا الشخص فقط يحضر إلى مسجد صلاحي. وعاد صلاحي إلى موريتانيا في عام 2000. واعتقل هناك بناءً على طلب من السلطات الأمريكية، وتمّ التحقيق معه وأفرج عنه. وبعد الحادي عشر من سبتمبر، اعتقل صلاحي مرة أخرى بناءً على طلب من الولايات المتحدة، وبدأ جولته العالمية مع السجن، والتعذيب والإذلال.
كاتب موهوب
يكتب صلاحي باللغة الإنجليزية، التي هي لغته الرابعة، التي تعلم الكثير منها من حرّاس معتقل جوانتانامو. وهو كاتب موهوب، ينضح بالدفء ولديه إحساس فكاهي تهكمي، حتى حينما يروي أحلك لحظاته السوداء. وينقل محرّر يوميات جوانتانامو لاري سيمنز، رسالة منه إلى محاميه يقول فيها: "أنت قد طلبت مني أن أكتب لك كل شيء قلته للمحققين. ولكن كيف يمكنني الكتابة عن استجواب كان متواصلاً طوال السنوات السبع الماضية؟ إنه أشبه بسؤال موجّه لزير نساء عن عدد النساء التي أقام معهن علاقات.
ويقدّم صلاحي عينًا متفحصة للشخصية وفهمًا مذهلاً للطبيعة البشرية. وقد كتب في وصف أحد الحراس: كان الرجل مرعوبًا تمامًا، أشبه بالغريق الذي يريد التشبث بأي قشة. وأعتقد أنني كنت القشة التي وقع عليها مصادفة بحيث تمسك بي بكل ما أوتي من قوة. وقال لي هذا الحارس ذات مرة: "أنا لا أفهم لماذا الناس يكرهوننا. نحن نساعد الجميع في العالم!" وأجبته وأنا لا أعرف أيضًا". كنت أعرف أنه من المستحيل تنويره حول الأسباب التاريخية والموضوعية التي قادتنا إلى ما نحن عليه، وهكذا اخترت تجاهل تعليقه. إلى جانب ذلك، لم يكن من السهل بالضبط تغيير رأي رجل بهذا العمر".
شهادات
وقالت محامية صلاحي، نانسي هولاندر، في مقابلة صحفية: "إن اتفاقية مكافحة التعذيب تفرض على الدول مقاضاة الأشخاص الذين يمارسون التعذيب. فلماذا لم تتم مقاضاة أحد؟". وأعتقد أنهم كانوا يستعملون أشخاصًا مثل صلاحي بهدف إجراء الاختبارات، ماذا يحصل عندما نفعل بهم مثل هذه الأشياء؟ هل ينجح هذا الأسلوب أم سيقاومه المعتقلون؟ وتضيف: إن الأسوأ في رأيي هو الرسالة المزوّرة التي أحضروها له، وأخبروه أنهم سيجلبون والدته إذا لم يخبرهم بما يريدون سماعه". كان ذلك الأسوأ بالنسبة إليه لأنه يخشى اعتقال والدته وتعرّضها للتعذيب، فبدأ يخبرهم بكل ما يريدون سماعه، وكان يختلق ذلك. ويشير جون لو كار إلى اليوميات ويصفها بأنها "رؤية للجحيم، تفوق كتابات جورج أورويل وفرانز كافكا".
ولا ننسى الممثل المسرحي والسينمائي والتلفزيوني البريطاني كولن فيرث، وكذلك الممثل والمخرج وكاتب السيناريو البريطاني ستيفن فراي، وقد بثا مقاطع من الكتاب بصوتهما على الإنترنت. ويقرأ فراي مقطعًا عن طريقة معاملة رجال أمن عرب لولد صلاحي خارج جوانتانامو بناءً على تعليمات من الأمريكيين "لقد ملأوا كل فراغ بين ثيابي من عنقي وحتى كاحلي بمكعبات الثلج، وكلما ذابت المكعبات كانوا يضعون غيرها. وبين الحين والآخر كان أحد الحراس يلكمني في وجهي". ويذكر أن مشاهير وفنانين وأدباء من بينهم الموسيقي بريان إينو والروائية التركية إليف شافاك، انضموا إلى حملة للإفراج عن المعتقل صلاحي.
تعذيب ورعب
كانت تفاصيل وصف التعذيب مروعة. لقد خضع صلاحي إلى "خطة الاستجواب الخاصة" التي اعتمدها وزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفيلد. كان يعيش في حالة رعب دائم، ويعاني الحرمان من النوم، والاعتداءات الجنسيّة والضرب والتهديدات الموجهة ضد حياته وحياة والدته. وكانت تُعصب عيناه ويأخذ على متن القارب لمدة ثلاث ساعات وذلك كجزء من عملية اختطاف وهمية، ويجبرونه على شرب الماء المالح، ويتعرّض للضرب بشراسة ويقتنع بأنه سيتم قتله.
ويكتب صلاحي: "تمر الأيام طويلة وكئيبة خلف القضبان، وأكاد لا أشعر بانقضاء الزمن. أوقاتي مزيج من ظلام وألم مستمر. أما عن التعذيب الذي أتعرض له فحدث ولا حرج. كنت أحرم من الطعام لفترات طويلة ثم تقدم لي فجأة كميات كبيرة من الطعام بعد طول تجويع، ويطلب مني الحراس التهام الأكل كله في ثلاث دقائق، غير أن أحد الحراس يأتي ويسحب الصحن بعد ثلاثين ثانية"، هكذا وصف صلاحي إحدى طرق التعذيب النفسي والجسدي التي تعرّض لها والتي تهدف إلى إخضاع الجسم لعقاب شديد ثم الإيحاء برفع العقاب دون إيقاف فعلي له. ولكن السرد لدى صلاحي بقي منضبطًا ومقيمًا للأهوال، كما أن وصفه الحي للخوف القابع فيه بقوة، جعله يتحدث عن نفسه بوضوح: "لا يوجد شيء أكثر ترهيبًا من أن تجعل شخصًا ما يتوقع أنه سيسحق مع كل نبضة من قلبه."
اعترافات كاذبة
كان صلاحي يسأل سجانيه بانتظام أثناء الاستجواب: "ما الذي أنا متهم به" لكنه لا يحصل على إجابة مباشرة، وجهوده في قول الحقيقة يواجهها غضب فقط: ويطلب من صلاحي: " كن مثل كلب، امشِ مثل كلب، وانبح مثل كلب، ويجب أن تكون كلبًا". في النهاية، كان يلجأ إلى اعترافات كاذبة في محاولة يائسة لإنهاء العذاب.
وتقول المذكرات في بعض الأسطر: "يتم تبريد الزنزانة أو دعني أقول العلبة ما يجعلني أرتعش من البرد أغلب الوقت، وكانوا يمنعونني من رؤية ضوء النهار، ويجعلون وقت الفسحة إن وجدت في الليل حتى لا تتاح لي فرصة رؤية أي معتقل أو الحديث معه. إني أعيش فعلاً في رعب، لا أتذكر أني نمت ليلة واحدة بشكل مطمئن. خلال 70 يومًا قادمة لن أذوق لذة النوم، سيكون الاستجواب لمدة 24 ساعة متواصلة".
وثيقة تاريخية
لقد تمّ حذف أجزاء من المذكرات بحجة حماية معلومات مصنفة، الأمر الذي منع القارئ من الاطلاع الكامل على محنة السجين، وهناك شيء آخر، هو صوت غامض يفرض وجوده في جميع يوميات جوانتانامو حيث إنه وقبل الإفراج عن المخطوطة لنشرها، تمّ التأشير بالأسود على جميع الأماكن التي مر عليها مقص رقيب الحكومة الأمريكية. وكان تأثير التنقيح صادمًا، وبالتالي فإنه سيكون عنصر تذكير دائم الحضور عن استمرارية أسر صلاحي والسرية المستخدمة للتحكم في مصيره على مدى السنوات الـ 13 الماضية. وكان البعض من الأشياء التي حذفها الرقيب تعسفيًا، كما تمت إزالة ضمائر الإناث. وكانت بعض التأشيرات الأخرى غريبة. ففي إحدى النقاط، كان من بين المشاهد غير المنقحة، التعذيب بعصر المعدة، يصف صلاحي كيف أنه تحول إلى دموع من خلال كلمات رقيقة قالها السجان.
لقد حرّر لاري سيمس المذكرات بتعاطف وذكاء، وذلك باستخدام ما يسمح في الصيغ المنقحة بالسواد. والمفارقة أن المحرر لم يلتقِ أو يتصل بصلاحي أبدًا. وعندما طلب عقد لقاء معه لضمان موافقة صلاحي على التعديلات، نقلت استجابة البنتاغون نصًا من اتفاقيات جنيف: "يجب حماية السجناء في جميع الأوقات.. ضد فضول الجماهير" ويُذكر أن (نفس المادة تحظر المعاملة اللاإنسانية والعنف والترهيب). ويقول سيمس في تقديمه، إنها "مذكرات شخصية عميقة ومرعبة وتحوي روح الدعابة في الحزن وتفاجئ القارئ برقتها، وهي بالإضافة إلى ذلك وثيقة تاريخية بالغة الأهمية". وتأمل دار النشر التي فازت بحق نشر المذكرات في مزاد علني بأن تتمكن لاحقًا من إصدار طبعة لم يمر عليها مقص الرقيب وربما سيكون ذلك حينما يُفرج في النهاية عن ولد صلاحي.
لماذا صلاحي في نامو؟
يوميات جوانتانامو هي لكمة تذكير قاضية، وبالنسبة للبعض، غير مريحة لأن جوانتانامو أكثر من مجرد مفهوم، أو بضع صور لرجال مجهولي الهوية في بدلات السجن. إن نزلاءه من البشر الحقيقيين، ويتساءلون ما إذا كانوا سوف يرون الحرية مرة أخرى يومًا ما.
وهناك سؤال واحد يلحّ على القارئ وهو لماذا لا يزال صلاحي في جوانتانامو؟ لقد أمر قاضٍ اتحادي بإطلاق سراحه في عام 2010، ولكن حكومة الولايات المتحدة استأنفت القرار ونقضته. ورغم مرور أربع سنوات على ذلك، لا توجد هناك أي إشارات عن أنهم يخططون للسماح بخروجه من معتقله. ولدى السجين صلاحي نظريته الخاصّة حيث إنه يعتقد أن الحكومة "أدركت، بعد الكثير من العمل المُضني، أنها جمعت حمولة من الأشخاص غير المقاتلين وأنها "عالقة بالمشكلة"، ولكنها ليست على استعداد للكشف عن الحقيقة التي تتعلق بالعملية برمتها".
لذا فإن مذكرات صلاحي هي دعوة للاستيقاظ. وفي الوقت الذي عرض تقرير في ديسمبر لتعرية وحشية التعذيب من قبل وكالة المخابرات المركزية CIA، تواصل سلطات المملكة المتحدة غضّ الطرف. وما لم يكن هناك تحقيق قضائي في التورط البريطاني، فإن التستر والإفلات من العقاب سيستمر.
عقلانية صلاحي وديمقراطية أمريكا
إن مذكرات صلاحي أيضًا تحذير خطير ضد الاستهزاء بالديمقراطية وسيادة القانون عندما تواجه بالفظائع الإرهابية. ويقتبس صلاحي عبارة من بنيامين فرانكلين: "أولئك الذين سيتخلون عن الحرية الأساسية لشراء قليل من السلامة المؤقتة لا يستحقون الحرية ولا الأمان". ومع ذلك رأينا إجراءات سيئة تستهدف مكافحة الإرهاب من خلال البرلمان الإنجليزي، في أعقاب هجمات باريس. لذا فإنه عندما يتم التراجع عن حقوق الإنسان تجاه امتيازات الناس فهذا هو السبيل نحو خليج جوانتانامو.
ويخلص صلاحي إلى القول: "تظهر الأزمات دائمًا الأفضل والأسوأ في الناس وفي البلدان أيضًا.. فهل اجتازت الديمقراطية الأمريكية الاختبار عندما تعرضت إلى هجمات سبتمبر 2001 الإرهابية؟" إن هذا الاختبار لم ينتهِ بعد ولكن، إذا تعلم القادة الدروس من جوانتانامو، يمكن تجنب الوقوع بالفشل بلا رجعة.
بقي أنه لا بد من الإشارة إلى أنه ما يلفت النظر هو عقلانية صلاحي ومرونته وتحمّله في مواجهة العنف والظلم الذي لا يمكن تصوّره. إن الخوف والإحباط يتخلل اليوميات، ولكن ليس اليأس، أو الرغبة في الانتقام. وينتهي الكتاأ برسالة أخيرة من كاتبه: "إنه لا يحمل أي ضغينة ضد أي من الأشخاص المذكورين في هذا الكتاب، إنه يناشدهم قراءتها وتاحيحها إذا كانوا يعتقدون أنه يحتوي على أي أخطاء، وأنه يحلم أن يالس ذات يوم مع كل منهم حول فنجان من الشاي، بعد أن يتعلموا الكثيةر من بعضهم البعض".
هامش
ترجمة - كريم المالكي:
كاتبة الموضوع: شامي تشاكرابارتي.. ناشطة في مجال حقوق الإنسان ومديرة منظمة لي برتي البريطانية
عن صحيفة الجارديان البر يطانية