كانت (عفاف) طفلة البراءة والطهارة والعفاف، ترتشف نهر اليُتم وتعيش على الضفاف، تقاوم عطش الحنان حد الجفاف، وتشكو ظمأ «اللاوالدين» باستعفاف، فتسمع صراخ الطفولة بإسفاف، ثم تعقد جديلة شعرها في اصطفاف، مع دمعٍ سقط منها بانكفاف حتى الكَفاف وبلا استكفاف، إلى أن تبنَّتها (حياة) سيدة القلب الشفاف، لتتكفل بها ومن دون استخفاف أو لف والتفاف، من «المريلة» إلى ثوب الزفاف.
صباحي هو طفل لم أنجبه ولكنني حتماً أمه؛ ومسائي هو أم لم تلدني ولكنني حتماً ابنتها.
هكذا استمرت العلاقة بين (الحياة والعفاف) ليلاً ونهاراً، فلقد كانت «حياة» العفاف و«عفاف» الحياة مرتبطتين كنهري دجلة والفرات، وكالتصاق الجنين بحبله السري، فإن انفصلتا عن بعضهما انفصلت عنهما الأنفاس، فهما لا يلتقيان أبداً لأنهما لم يفترقا من الأساس؛ فالمأساة لا تكون في رحيل من نحب بل برحيل العمر دونه، فنحن لا نرى الحزن بالعين المجردة، حيث لم يكتشف العلماء سر ملامحه بعد.
رجاءً (قاف، وكاف) طبعاً بتجاهل الألف الوسطى أي (قف وكف) لتتأمّل كلمة (الأمـل) بعد حذف اللام الأخيرة في (الأم)، لتدرك أن حقيقة رب أخ لك لم تلده أمك، ورب ابن عم لك لم ينجبه عمك، هي نفسها رب طفل لك لم يكن طفلك! ولهذا فرِحت الأولى (بعفافها) ثم حكت الثانية قصة (حياتها).