كثيرا ما سمعنا عن دول برعت فى الحرب النفسية او توجيه ضربات استباقية للعدو او التمويه و مفاجئة الخصم او مجال الحرب الالكترونية او خلق فتن و حروب اهلية فى دولة ما و غيرها و لكن هناك نوع من الحروب برع فيه العرب دون غيرهم ألا و هى الحرب بالوكالة اى يقاتلون فيها من اجل دول اخرى و ربما تكون تلك الدول تحتل العرب انفسهم . و يتجلى ذلك فى احداث تاريخية هامة غيرت شكل الاقليم ان لم يكن العالم كله . و لم ينتبه العرب بانهم يسيروا كل مرة فى الطريق المؤدي إلي الاصطدام بالحائط نفسه. و من ابرز تلك الحروب التى خاضها العرب بالوكالة عندما ارادت الدولة العثمانية خوض الحرب مع المانيا ضد بريطانيا و الحلفاء فخافت بريطانيا من اعلان الخليفة العثمانى للجهاد و هذا ما سيؤثر سلبا على القوات الانجليزية فى الهند و التى معلقة آذن مسلميها بصوت الخليفة العثمانى فعملت بريطانيا باشغال الدولة العثمانية فى حرب اخرى غير حربها ضد الحلفاء و ان يخوض تلك الحرب بالوكالة عنهم العرب فكانت الصنارة مكماهون المندوب السامى البريطانى و الطعم كان التحرر من الاتحاديين الأتراك اما السمكة فكان الشريف حسين شريف مكة و لم يكن مكماهون الصنارة الوحيدة فكان هناك توماس إدوارد الشهير بلورانس العرب وكوكس و غورو وكاترو و اللنبى و غيرهم من الالورنسات .
و بقراءة التاريخ سنرى أن ما يحدث بالمنطقة من عواصف الربيع العبري الحالى ما هى الا تكرار للماضى و لكن مع تغيير بعض الاسماء و الانظمة فبالامس أستغلت بريطانيا حالة الاحتقان بين العرب و العثمانيين و أستبداد الخلافة العثمانية التى أنهكت كل خيرات العرب حتى أعلن العرب الثورة ضد الدولة العثمانية سنة 1916م لتقوم بعدها القوات العربية بشبه الجزيرة العربية بمهاجمة العثمانيين، حتى تقدم العرب الى منطقة شرقي الأردن و فرضوا سيطرتهم على شرقى معان و هو ما فتح الباب على مصراعيه لدخول قائد القوات الانجليزية اللورد اللنبى للقدس بكل سهولة مرددا " الان قد انتهت الحروب الصليبية " .
و لم يكتفى العرب بذلك بل خاضوا معركة اخرى ضد الاتراك فى دمشق و استولوا عليها عام 1918م ليفتح الباب بعدها امام الجنرال الفرنسى غورو للدخول تلك المرة الى قبر صلاح الدين بدمشق و هو يقول " لقد عدنا يا صلاح الدين " و بذلك تكون استطاعت بريطانيا اشغال العثمانيين على اكثر من جبهة حربية و قطع الطريق الذى حلمت به المانيا عند تحالفها مع الدولة العثمانية ان يكون همزة وصل بين اليمن العثمانى و المستعمرات الالمانية بشرق افريقيا . و تخلص العرب من الخلافة العثمانية بمعاونة بريطانيا حتى صار العرب أنفسهم غنيمة فى يدها و هو ما كان له الفضل فى تعهد بريطانيا سنة 1917م بانشاء وطن قومى لليهود و تحول الثورة الكبرى التى توحد فيها العرب لاول مرة فى التاريخ منذ عهد الرسول ( ص ) الى خيبة كبرى و كابوس اسمه سايكس بيكو ايقظنا منه البلاشفة بعد الثورة الشيوعية و هو ما تأكد فى مؤتمر سان ريمون 1920م الذى تقرر فيه وضع القطاع العربي الشمالي الممتد من البحر المتوسط إلى فارس تحت الانتداب فأعطيت بريطانيا الانتداب على العراق وفلسطين وشرقي الأردن وأعطيت فرنسا الانتداب على سوريا ولبنان .
و صارت المانيا تسأل نفسها لماذا لا تلقى هى ايضا شباكها فى الاراضى العربية خاصة انها تحارب ضد بريطانيا و فرنسا الذين يحتلون العرب الان فاتجهت لحلفاء بريطانيا بالامس و بالفعل فما ان كتب حسن البنا مؤسس جماعة الاخوان المسلمين مقالة بجريدة النذير الصادرة عن الاخوان يقول فيها " علمنا ان ايطاليا واليابان والمانيا قررت ان تتجه للإسلام وانها سوف تدرس الإسلام واللغة العربية وعلينا تشجيعها لان تتجه للاسلام " وهلل و كبر الجميع للحاج محمد هتلر و انطلقت شائعات مثل انة أشهر إسلامه وسافر الى مكة وأدى فريضة الحج ولذلك أنجاه الله من محاولة اغتيال تعرض لها او انه السفياني الذي سيمهد للمهدي بل هناك من قال انه المهدي المنتظر نفسه و اصبح العرب يهللون و يكبرون لمن سيخلصهم من الانجليز "الله حيّ الله حيّ الحاج محمد هتلر جاي"و بذلك كسبت المانيا قطاعا كبيرا جدا من العرب فى صفها بفضل سذاجتهم .
و بعد الحرب العالمية الثانية و ظهور قوى جديدة على الساحة العالمية كان امام امريكا العدو السوفيتى فدخلت امريكا الى العرب من نفس الباب الذى دخل منه كل من سبقوها بداية من نابليون بونابرت وصولا الى هتلر و فى تلك المرة كانت بدعوة محاربة الشيوعية الكافرة و طبعا ما اكثر المجاهدين الذين رأوا فى الشيوعية التى كانت ضد الهيمنة الامريكية وقتها كفرا و يجب التخلص منها و اصبحت فى ليلة و ضحاها كل دعاوى الجهاد موجهة ضد السوفييت الذين وقفوا وحدهم مع العرب فى حربهم ضد الكيان الصهيونى.
و استعان المجاهدون بالتمويل و السلاح الامريكى و اصبحوا خنجرا فى ظهر السوفييت الى ان اصبح المجاهدون نفسهم غنيمة فى يد امريكا بعد اعلان الحرب على الارهاب فى عهد بوش و هو ما اسفر الى التدخل العسكرى الامريكى فى افغانستان و باكستان و العراق بعد قطع السبابة التى كانت دائرة بين امريكا و مجاهديها و حصول الحكومات العربية التى ارسلت هؤلاء المجاهدين للتخلص منهم على نصيبهم من الكعكة .
و اضاف العرب بامتياز مفاهيم و امثلة عديدة لمصطلح الحرب بالوكالة حتى اصبح التوكيل الحصرى للعرب و اصبحنا نخوضها بالتمرس و بعد عودة الخلافة اواسط السبعينات و لكن ليس فى الاستانة انما فى البيت الابيض بالولايات المتحدة فى تلك المرة و صار السمع و الطاعة و النفط بالمجان ايضا متى اراد الخليفة العم سام و اصبح كل يوم يظهر بيننا لورنس جديد يلعب دورا جديدا لصالح امريكا ايضا، و هو الدور الذى برع فيه النظام القطري بأمتياز بعد أن سخر كل قوته من أجل تنفيذ سايكس بيكو الثانية و تعديل أخطاء التقسيم الاول، حتى باتت خزانات أموال النظام القطرى مفتوحة على مصراعيها لدعم الارهابيين فى ليبيا و الوقوف ضد أى محاولة لكي تقف ليبيا على قدميها مرة أخرى بعد تنفيذ عملية هدم لمؤسسات الدولة و أغراقها فى بحيرات الدم و الفوضى بحرفية شديدة بعد تنفيذ مشهد باب العزيزية على غرار ما قامت به قناة الجزيرة أيضا أثناء مؤتمر الصحاف و تسليط الكاميرا على واقعة أسقاط تمثال صدام حسين و رفع العلم الامريكي ببغداد و هى المشاهد التى أعتادت صناعاتها بمهنية شديدة قناة الجزيرة و التى تسببت فى حالة من البلبلة و الاضطراب لدى الرأى العام و لشعوب تلك الدول، و مازالت الدوحة تراهن على أفشال أى محاولة لعودة الدولة الليبية مرة أخرى حتى بعد سقوط جماعة الاخوان فى مصر فالدوحة ترى فى دعم جماعة حماس المتواجدة بقطاع غزة على الحدود الشرقية لمصر و مليشيات أنصار الشريعة و اخواتها بليبيا أملا كبيرا فى أعادة مصر لما قبل 30 يونيو 2013م .
حقيقة الامر لورنس العرب الجديد قدم للغرب خدمات ما كان الغرب يحلم بها يوما و أكثر ما كلف به، و هو يطعن كل يوم فى دولة بالمنطقة، حتى توهم لورنس العرب الجديد أنه بالقضاء على دول المنطقة سيسير هو ألاكبر سنا و تاريخا بعد ان خلفت الفوضى أطفالا مشردين تلهوا وسط برك الدماء، و لكن لورنس العرب الجديد سيكون هو المشرد بين عناصر التنظيم الدولى لجماعة أخوان الشيطان يوما ما.
يتبع وللحديث بقية ان كان للعمر بقية.