"نحب الموت متي كان الموت طريقا إلي الحياة"
وكما يقول شوقي:
الناس صنفان موتي في حياتهم *** وآخرون ببطن الأرض احياء
فرب موت كالحياة ، ورب موت مثل معبرا نحو الخلود.
رحل محمد سعيد ولد همدي بعد صراع طويل مع المرض ورحيله مصاب جلل ... والحديث عن انسان من عياره غادرنا وسكن قلوبنا حديث ذو شجون ، فمناقبه تطوقنا تطويق الظباء لخداش فما نهتدي إلي ما نصيد لوفرة الصيد كما ونوعا ، وزوايا المعالجة تحاصرني ولا أعرف بأيها ابدأ ... هل أتحدث عن الكاتب الصحفي اللامع الخلوق الذي دانت له رقاب الكلم وكان رائد الرزانة والمهنيةعلى مدي 8 عقود من الزمن الموريتاني الموار؟
هل اتحدث عن الدبلوماسي المخضرم الذي خدم الجمهورية الاسلامية الموريتانية بتضحية ونكران ذات وبنكهة ديبلوماسية ثقافية خاصة ورفع اسمها في المحافل الدولية؟
هل أتحدث عن الرقم السياسي الصعب الذي ظل فوق الحزبية وفوق الانتماءات الضيقة ووصف يوما بأنه حزب سياسي قائم بذاته بل هو في الحقيقة جبهة أحزاب بكل ألوان فسيفساء المشهد السياسي الوطني؟
هل أتحدث عن الحقوقي والمناضل من أجل العدالة الاجتماعية والتعايش المؤمن بين كل مكونات الشعب؟
هل اتحدث عن الباحث المتمرس الذي لا يكل ولا يمل والذي كانت بلاد المنارة والرباط حبه الأول والأخير فجمع معظم ما كتب عنها وأصدره في موسوعة مرجعية لخدمة البحث وصيانة للتراث الثمين؟
هل أتحدث عن المفكر الذي وفق في تعبيد منهج أصيل أثافيه الثوابت والمتغيرات والحداثة واستقلالية الرأي؟
هل أتحدث عن الكاتب الموسوعي الذي حباه الله بقلم حلوب ينثر الدرر والعبر تغشاك عباراته وتتوغل بسلاسة مدغدغة قلبك وعقلك ووجدانك وتجعلك تعتز بانتمائك لأرض الرجال .. ارض الفاتحين وجهابذة العلماء والمجاهدين والشعراء ... أرض العيس والقوافي والنخيل والسواقي والمجابات البكر؟
هل أتحدث عن الوجيه الاجتماعي المرموق سليل دوحة الشرف والكرم الذي خلق لأن يكون من ابناء المشايخ ومن علية القوم والذي ولد وفي ملعقة ذهب حولها إلي ملعقة فكر مستنير ورائد طوره مدي حياته .. وقطعا سيخلده بعد مماته؟
هل أتحدث عن الزاهد الناسك العابد الذي لم تغره الماديات والمظاهر الزائفة وظل مرابطا في صومعة قناعته الثقافية والوجدانية السامية حتي النهاية التي هي البداية؟
في الحقيقة لا اعرف من اين ابدأ ولا من أي الزوايا أتحدث فمسار الرجل هندسة قائمة بذاتها وزواياها متداخلة يفضي بعضها إلي بعض في تناغم فريد وفق هو في إدارته حيا وأتمني ان نوفق نحن في تدبره ميتا.
لقد ملأ الحزن قلبي ومنعني من التركيز على زاولة بعينها .. وأخاله ملأ قلوب كل من خبر الرجل وعرفه عن قرب او عن بعد فهذا النوع من الشخصيات الموسوعية المجمع على مكانتها نادر ورحيله خسارة لنا جميعا وللوطن ولا استغرب أن يتنازع أهل الفكر والثقافة والاعلام والسياسة والوجاهة والأريحية والكرم والتصوف في الانفراد بقدر من الألم الخاص ومحاولة احتكار قسط من المصاب فالرجل مثل قاسما مشتركا بين هؤلاء وأولئك ومثل أنموذجا حيا لاهل الشهامة والأريحية والكرم والشجاعة والاستقلالية وظل قامة وطنية سامقة ورقما محوريا من أرقام الفعل الثقافي في بلاد شنقيط.
وإن كان غاب بدنه فروحه الخالدة وافكاره الخلاقة ستظل خالدة ومتجددة.
تغمده الله برحماته وأسكنه فسيح جناته والهم ذويه الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.