انتقل إلى رحمة الله الكاتب والسفير محمد سعيد بن همدي(الأطاري)، بعد وعكة صحية مفاجئة. برحيل أخينا الأكبر محمد سعيد ولد همدّي، فقدت موريتانيا رجلا ذا أخلاق عالية وكاتبا كبيرا ودبلوماسيا محنّكا. كان لي الشرف أن استقبلني الفقيد محمد سعيد في مكتبه الكائن في عمارة (آفاركو) أيام كان القائم على تحضير أول ملتقى للتراث في هذا البلد. وقد أحسن وفادتي وسجلني من بين المشاركين الرئيسيين، ثم جاءت صروف دهر منعتني شرف المشاركة في ذلك الملتقى الوطني الهام. لم يسألني عن قبيلة ولا عن ولاية ولا عن حزب، بل دخل مباشرة في نوع المشاركة التي أريد، ثم أبى إلا أن يرافقني إلى باب الهيئة، رغم فارق السن بيننا ورغم انشغالاته العديدة. ثم كان لي شرف دعوته مرتين للحديث أمام طلبتي في قسم التاريخ، وقدّم عرضا شائقا عن التاريخ والمجتمع وقضايا العصر. أفاد منه الطلبة أيما إفادة. زرته مرارا في منزله العامر، واستقبلني في مكتبه الغنية، وقال إنها تحت تصرّفي وتصرّف جميع الإخوة الباحثين والكاتبين. حضرت عدة مرات مشاركاته في الندوات والحوارات، وكان صاحب دعابة لطيفة وأفكار لامعة وتعاليق دقيقة، وكان درسَ الآداب الفرنسية واللاطينية وحصل ثقافة واسعة وتجربة غنية، وربط صداقات متشعبة في الداخل والخارج، برحيل محمد سعيد تفقد موريتانيا رجلا حكيما وداعية سلْم وأخوّة ومنافحا صبورا عن الحقوق على بصيرة وتثبّت، وأيضا كاتبا قديرا ذا ثقافة واسعة وغنية. تقبله الله في الصالحين وألهم أسرته الكريمة الصبر والسلوان ولله الأمر من قبل ومن بعد