ليئا ورفائيل ترعرعا معًا، ابنا عم، من عائلتين يهوديتين فرنسيتين. ولكن، عندما كبرا، اختارت ليئا الالتحاق بجيش الاحتلال الإسرائيلي، بينما اختار رفائيل أنْ يعتنق الإسلام، انضم إلى تنظيم الدولة الإسلاميّة وقُتل في المعارك. هذه القصة، التي كشفت عنها، مؤخرًا، الصحيفة الإسرائيلية (بماحانيه)، ليست قصة مُتخيلة بل قصة حقيقية تمامًا. قصة لابنيْ عم؛ من فرنسا، يهوديان أخذ كل منهما طريقه ووصل إلى أماكن بعيدة جدًا، ليس جسديًا فقط، بل فكريا أيضًا.
كانا يقضيان كل الإجازات الصيفية معًا، كانا يُشاركان عائلتيهما موائد الأعياد اليهودية، ابنا عم، من مواليد فرنسا، مع ميل شديد لليهودية، وكانا أيضًا صديقين مُقربَين جدًا. كتب قصتهما الخاصة الصحفي في صحيفة "ماحانيه"، وترجمتها إلى العربيّة (في المُعسكر)، تساحي دفوش، القصة التي زعزع فيها المفاهيم والمعتقدات العادية التي نعرفها عن الشرق الأوسط والمتعلقة بالصراعات الدينية والقومية.
قررت الرقيب ليئا (اسم مُستعار) أن تذهب إلى إسرائيل وتلتحق بالجيش الإسرائيليّ وفي هذه الأيام تُنهي دورة ضباط. رفائيل: ابن لأب يهودي، كان قد قُتل في تشرين أول (أكتوبر) الأخير خلال قتاله في صفوف تنظيم الدولة الإسلاميّة. ليئا: تؤدي الخدمة في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية 2014، في الضفة الغربية. رفائيل: طالب بموضوع هندسة الحاسوب، ذهب إلى سوريّا ومات هناك.
وقالت ليئا لصحيفة "بماحانيه" إنّه، في واحدة من ليالي آب (أغسطس)، في العام الماضي، رنّ هاتفها. كان رقم الهاتف من فرنسا. سافر رفائيل إلى سوريّا وأصبح عضوًا في "داعش"، قال لها أهلها. انفجرت بالضحك. ومن ثم أجهشت مُباشرة بالبُكاء.
وتابعت قائلةً للصحيفة: لم أصدق أن ذلك يحدث معنا. سألت نفسي، كيف عليّ مواجهة الأمر؟ كان بالنسبة لي كالأخ الكبير. وقعت بيننا الكثير من المُشاجرات الصُبيانية. كنا نلعب، نضايق بعضنا، كُنتُ أُكن له الاحترام، ولكن، منذ دخل سوريّا لم أرغب بالتحدث إليه، حسبما ذكرت.
علاوة على ذلك، قالت ليئا للصحيفة الإسرائيليّة إنّ رفائيل لم يقم بإخفاء هويته اليهودية عن مُجنِديه. كانوا يعرفون أنه من عائلة يهودية، وبالنسبة لهم كان ذلك إنجازًا كبيرًا للإسلام بأنهم جندّوه، على حدّ تعبيرها. والد رفائيل، لورن، هو يهودي مُلتزم يعيش في فرنسا. وكانت والدته، ليليان، مسيحيّة.
كانت قد بدأت بإجراءات اعتناق اليهودية، إلا أنّ الصعوبات المُختلفة المُتعلقة بذلك جعلتها تتخلى عن الفكرة. ترعرع رفائيل بين عالمين: بين اليهودية والمسيحية. بالنسبة لأصدقائه المسيحيين والمُسلمين كان يُعتبر يهوديًا، ولكن الجالية اليهودية كانت ترفض تقبله، كابن لأم مسيحية. عندما بلغ سن 18 عاما قرر أنْ يعتنق الإسلام. بدأت ليئا، بالمقابل، بالاستعدادات الأولية لذهابها إلى إسرائيل والتطوع في الجيش.
وأضافت ليئا قائلةً للصحيفة الإسرائيليّة إنّ رفائيل كان يبحث عن دين ينتمي إليه. جذبته مجموعة من الشُبان المُسلمين، الذين التقى معهم خلال دراسة هندسة الحاسوب، للذهاب إلى المسجد. رويدًا رويدًا، بدأ يُصلي، خمس مرات في اليوم، في المسجد وأقلع عن أكل الخنزير والتدخين.
سافر رفائيل، بعد عام من اعتناقه الإسلام، إلى دُبي لاستكمال دراسته، هناك تعمق بدراسة اللغة العربية والإسلام. وصلت ليئا، في الوقت ذاته، إلى إسرائيل وانقطع الاتصال بينهما. عاد رفائيل، بعد قضاء عام في دُبي، إلى فرنسا، وبعد مُدة قصيرة أعلن أنه سيُسافر إلى سوريّا. أوصله والده إلى المطار، نَزل في برشلونة، ثم سافر إلى تُركيا ووصل إلى سوريّا رغبة منه بالالتحاق بتنظيم الدولة الإسلاميّة.
وبحسب الصحيفة الإسرائيليّة، اتصل رفائيل بوالده وأبلغه بأنه سيبقى في سوريّا ويخدم في مجال الحاسوب في أحد معسكرات التنظيم. تلقى والداه، بعد ثلاثة أشهر، رسالة، أوصلتها لهم جهات إسلامية، وجاء فيها أنه قُتل مع اثنين من رفاقه بغارة شنها الجيش العربيّ السوريّ ودُفن في سوريّا.
وخلُصت ليئا إلى القول للصحيفة، بأسى شديد، إنّ حياة والديه توقفت منذ ذلك الحين، ولورن، والد رفائيل، يعمل اليوم ضمن جمعيات فرنسية تُعنى بمواجهة ظاهرة سفر الشبان للالتحاق بصفوف تنظيم الدولة الإسلاميّة، على حدّ قولها.
كتب:زهير أندراوس لموقع "رأي اليوم"