كتاب: يوميات غوانتانامو / للسجين الموريتاني محمدو ولد صلاحي (الحلقات 9-11 / جريدة الأمل الجديد)

اثنين, 09/07/2015 - 14:04

وعندما وصل البيت ظهرت الشرطة الوطنية مرة أخرى وابلغته بانه مطلوب بانه مطلوب للمزيد من الاستجواب.

طلب منهم الانتظار حتى يستحم على عجل ارتدى ملابسه واخذ مفاتيحه وذهب طواعية بسيارته الخاصة الى مركز الشرطة الرئيسي واخبر والدته بالا تقلق وانه سيعود الى البيت قريبا ولكنه اختفى هذه المرة.

كانت اسرته تعتقد على مدى عام تقريبا بانه موجود في سجن موريتاني كان اخوه الاكبر حمود يزور السجن الامني بانتظام لتزويد محمدو بالملابس النظيفة وبالمال من اجل الطعام. لكن بعد أن ذهب محمدو بادارته الى السجن جاءت طائرة للعمليات التابعة لوكالة المخابرات المركزية وخطفته بطريقة سرية الى الاردن وبعد اشهر ستنقله الولايات المتحدة من العاصمة الاردنية عمان الى القاعدة الجوية الامريكية في باغرام الافغانية ومن هناك بعد بضعة اسابيع الى غوانتانامو وطوال هذه الفترة كانت اسرته تدفع المال لادارة السجن على انه موجود عندهم وموظفو الادارة كانوا يؤدون الامانة بصدق بالقاء تلك النقود في جيوبهم دون ان يذكروا لعائلته شيئا.

ولم تظهر الحقيقة حتى 28 اكتوبر 2002 عندما اشترى يهديه الاخ الأصغر لمحمدو الذي حل محله في اعالة الاسرة كونه يعيش في اوروبا نسخة من صحيفة دير شبيغل لذاك الاسبوع ليجد فيها ان اخاه اصبح له منذ عدة اشهر يقيم في قفص معدني في سجن المعسكر الامريكي في اغوانتانامو.

كان غضب يهديه شديدا ليس على الولايات المتحدة بل على السلطات المحلية التي ما انفكت تؤكد للأسرة بان محمدو موجود لديها وانه في امان.

عناصر الشرطة اولئك اشخاص اشرار ولصوص كان يصرخ بهذه الكلمات وهو ينقل الاخبار الى الاسرة هاتفيا. لا تقل ذلك واقفلوا سماعة الهاتف بوجهه مرعوبين عاد واتصل بهم مرة أخرى واقفلوا سماعة الهاتف بوجهه مرة ثانية.

مازال يهديه يعيش في دوسلدورف. التقيته في العام الماضي وتناولنا معا عدة وجبات في مطعم مغربي في اليرشتراسي وهو مركز في المدينة للجالية الافريقية من شمال افريقيا. عرفني يهديه على الكثير من اصدقائه وبصورة اساسية على الشبان المغاربة حيث ان العديد منهم مواطنون المان كيهديه ويتكلمون فيما بينهم بالعربية والفرنسية والالمانية اما معي فقد حاولوا بجرأة التحدث بالانكليزية وهم يضحكون على اخطاء بعضهم الآخر. روى يهديه نكتة تقليدية خاصة بالمهاجرين لعامل فندق طموح سئل المتقدم للاختبار: وماذا تقول عريده ان يغادر. توقف العام ثم انفجرت اسارير وجهه سأذهب الى الخارج واقول له من فضلك تعال الى هناك.

في دوسلدروف تناولت وجبة طعام كاملة مع يهديه ونحن نفرز ونسمي صور الاقارب والاخوات والاصهار وبنات الاخوة والاخوات وابناء الاخوة والأخوات حيث لا يزال العديد منهم يعيش في المنزل نفسه الذي يضم اجيالا مختلفة في نواكشوط.

ابدى محمدو خلال جلسة الاستماع امام فريق اعادة النظر بوضع المقاتل في عام 2004 عدم اهتمامه بالقاعدة بعدما عاد الى المانيا قائلا لدي أسرة كبيرة يجب اعالتها لدي مائة فم على تقديم الطعام لها. طبعا كان ذلك قولا مبالغا فيه ولكن لربما يكون عدد من افراد اسرته نصف هذا العدد. حاليا يحمل يهديه جزءا كبيرا من تلك المسؤولية على عاتقه وبسبب خطورة النشاط المتعلق بالأمور السياسية في موريتانيا يتولى يهديه ايضا مسؤوليات الاسرة في الدفاع عن محمدو لاطلاق سراحه واثناء عشائنا الاخير معا شاهدنا لقطات فيديو على اليوتيوب لمظاهرة ساعد هو في تنظيمها في نواكشوط العام المنصرم امام مبنى البرمان وكان الناطق الرسمي للمظاهرة الذي اشار اليه يهديه عضوا في البرلمان.

وقبل ايام من زيارتي الى يهديه سمح لمحمدو بالتواصل هاتفيا خلال احدى المرتين المسموحتين له سنويا مع اسرته وقد تمت المكالمات الهاتفية تحت اشراف اللجنة الدولية لمنظمة الصليب الأحمر حيث تكلم فيها مع اسرته في نواكشوط ومن ثم مع اخيه يهديه في المانيا. اخبرني يهديه بأنه وجه كتابا في الآونة الأخيرة الى منظمة الصليب الأحمر يسألهم فيه عن مدى امكانية رفع عدد المكالمات الهاتفية السنوية من مرتين الى ثلاث مرات.

لقد تمت هذه المكالمات الهاتفية الاولى عام 2008 وذلك بعد ست سنوات ونصف السنة على اختفاء محمدو وهذا ما يؤكده مراسل جريدة دير شبيغل في تقرير له عن الموضوع:

في ظهيرة يوم الجمعة من شهر يونيو 2008 اجتمعت اسرة ولد صلاحي في مكتب الصليب الأحمر الدولي في العاصمة الموريتانية نواكشوط. والمجتمعون هم: أمه واخوته واخواته وابناء اخوته وأخواته وبنات اخوته واخواته وعماته وخالاته كانوا يرتدون ثيابا طويلة متدلية يرتدونها عادة في الحفلات العائلية. لقد جاؤوا الى هنا ليتحدثوا هاتفيا مع ابنهم الضائع محمدو لقد وافقت قوى المهام المشتركة في غوانتانامو على أن تلعب منظمة الصليب الأحمر دور الوساطة هذا. وكانت البسط السميكة تغطي ارضية المكتب والستائر ذات الألوان الفاتحة مسدلة على نوافذ مكتب الصليب الاحمر.

بني بني كيف حالك تسأل الأم. أنا سعيد للغاية لسماع صوتك وتغرق الأم في الدموع لأنها تسمع صوت فلذة كبها للمرة الأولى منذ أكثر من ست سنوات.

ثم يتحد أخو محمدو الأكبر سنا منه أكثر من اربعين دقيقة صلاحي يخبر أخاه بأمور جيدة يريد أن يعرف من تزوج من كيف هي حال اخوته واخواته ومن له أولاد ذاك هو اخي الأخ الذي عرفته لم يتغير قط. يقول حمود ولد صلاحي بعد الانتهاء من المحادثة.

ومن بين ما قاله لي يهديه أن المكالمات الهاتفية بقية جارية حتى خمس أو ست سنوات لاحقة مع ان شيئين قد اختلفا. لقد اصبحت المكالمات الهاتفية تجري الآن عبر السكايب لذا يمكنهم رؤية بعضهم بعضا والأمر الثاني هو رحيل والدة محمدو حيث توفيت في السابع والعشرين من شهر مارس 2013.

لقد جاءت الافتتاحية البارزة في نيويورك ديلي نيوز في الثالث والعشرين من شهر مارس 2010 بعنوان دعوا باب الزنزانة موصدا يناشد قاض ساخط ردا على حكم باطلاق سراح سفاح الحادي عشر من سبتمبر بدأت الافتتاحية بـ:

إنه لأمر صاعق وصحيح: لقد اعطى قاض في المحكمة الفيدرالية أمرا يقضي بإطلاق سراح محمدو ولد صلاحي أحد ابرز المتطوعين في هجمات الحادي عشر من سبتمبر الرجل الذي اعتبر ذات يوم المعتقل الأكثر قيمة في غوانتانامو.

كان ذلك الحكم هو للقاضي جيمس روبيرتسون وكان لا يزال قرار مصنفا كمذكرة يقبل التماس محمدو للمثول أمام المحكمة الالتماس الذي كتبه محمدو بخط اليد في زنزانته في كامب ايكو قبل خمس سنوات وبدون الوصول الى ذلك القرار او الملفات القانونية او جلسات المحكمة القانونية التي نتج عنها القرار المذكور وبالرغم من كل هذا ذهبت الافتتاحية للصفحة في حدسها الى ان قاضيا قد سمح لارهابي ملطخ اليدين بدماء ثلاثة آلاف قتيل أن يمضي في سبيله الى الحرية ثم اضافت بتحريف إنه رجل مذنب بلا شك ولكن لا دليل قاطع على ذلك باستثناء شك معقول وهذا سببه الحساسية الشديدة للدليل المحصول عليه تحت المعاملة القاسية. ان هيئة الصحيفة تعبر بثقة أن محمدو تعرض لضغط قاس كما هو مطلوب بعد الحادي عشر من سبتمبر وان معاملته بتلك القسوة قد جعلت البلد اكثر أمانا ويحث محرر الصحيفة ادارة اوباما على استئناف قرار المحكمة مضيفا لماذا الاستعجال لإطلاق السراح؟ يستطيع القاضي الانتظار ومن الافضل ان ينتظر حتى يفهم البلد لماذا حدث هذا الشيء قبل ممارسته سلطته القانونية.

وبعد ذلك باسبوعين نشرت المحكمة نسخة مدققة من قرار القاضي روبيرتسون بعد رفع السرية عنه وكان قسما من الرأي يلخص مناقشات الحكومة حول سبب وجوب بقاء محمدو في غوانتانامو وتضمنت حاشية ربما فاجأت قرار الصحيفة:

كذلك ناقشت الحكومة اولوياتها وكان على رأسها قضية صلاحي حيث رأت الحكومة أن وضعه قابل لإبقائه في المعتقل بموجب أنه ساعد في هجمات الحادي عشر من سبتمبر وبموجب التفويض باستعمال القوة العسكرية ولكنها الآن تخلت عن تلك النظرية معترفة بان من المحتمل ان صلاحي ربما لم يعرف بهجمات الحادي عشر من سبتمبر.

لاشك بأن توصيف محمدو بسفاح الحادي عشر من سبتمبر سيطيل بقاءه في السجن.

وفي الوقت نفسه ان تقول لقاض اصدر امرا قضائيا باطلاق سراح رجل بعد أن قضى سبع سنوات في السجن: انت مستعجل في اطلاق السراح هذا الكلام وبكل المعايير هو تمديد للبقاء في السجن. ولكن ثمة حقيقة في قلب افتتاحية ديلي نيوز وفي قلب معظم التحقيقات الصحفية حول قضية محمدو وهي الارتباك. تسع سنوات اصبحت الان ثلاث عشرة سنة ويبدو ان البلد حتى الآن لم يخط خطوة واحدة نحو فهم مبررات احتفاظ الحكومة الامريكية بمحمدو مع ان القاضي روبيرتسون قد راجع قضيته بتفاصيلها ومن ثم اصدر قراره النهائي باطلاق سراحه.

يتضح الأمر اكثر من التسجيل المتاح بين ايدينا وهو ان وجود محمدو في سجن الولايات المتحدة الأمريكية لا يبدأ بالمزاعم التي تقول انه احد ابرز المتطوعين في هجمات الحادي عشر من سبتمبر. فعندما تم استجوابه من قبل عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي اثناء عودته الى موريتانيا في فبراير 2000 ومن ثم مرة أخرى بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر تم التركيز في التحقيقات على مؤامرة الألفية وليس على هجمات سبتمبر. ويظهر جليا ان هذه المسألة ايضا كانت وراء نقله الى الاردن: الاردنيون كانوا يحققون معي حول دوري في مؤامرة الالفية وهذا ما قاله محمدو لهيئة اعادة النظر الادارية عام 2005. قالوا لي انهم مهتمون بالمؤامرة بشكل خاص.

في الوقت الذي نقلت فيه وكالة المخابرات المركزية الامريكية محمد والى الاردن كان قد اصبح لاحمد رسام اشهر وهو يتعاون مع وزارة العدل في الولايات المتحدة وبعد مرور ثمانية اشهر على استرداد محمدو من قبل وكالة المخابرات المركزية ادلى رسام بشهادته في محكمتين حول الارهاب حيث قدم للحكومة الأمريكية اسم اكثر من مائة وخمسين شخصا متورطا في الارهاب فضلا عن اسماء حكومات ستة بلدان بعض اولئك الاشخاص كانوا سجناء في غوانتانامو وقد استخدمت الحكومة الامريكية اقوال رسام كدليل ضدهم امام المحكمة. ولم يكن اسم محمدو على قائمة الاسماء المذكورة.

وقد قال روبيرتسون معبرا عن رأيه في جلسة مثول احمد رسام امام المحكمة: لقد فشل رسام بما لا يدعو الشك بان يضمن اسم صلاحي في القائمة.

ستلم وكالة المخابرات المركزية بهذه المعلومات وستعرف ايضا فيما اذا كان الاردنيون قد كشفوا اية معلومات تبين صلة محمدو بمؤامرة الالفية وبهجمات الحادي عشر من سبتمبر او اية مؤامرات ارهابية اخرى. ومن الواضح ان وكالة المخابرات المركزية لم تقدم اية معلومات عن التحقيق معه في عمان الى المدعين العامين في غوانتانامو.

في مقابلة لمشروع التاريخ الشفوي وجوره في جامعة كولومبيا مع المقدم ستيوارت كوتش المدعي العام التابع للبحرية والمعين لاقامة دعوى ضد محمد ولد صلاحي في غوانتانامو قال ان وكالة المخابرات المركزية اظهرت بانه لا توجد اية تقارير امنية خاصة به اطلاقا وان معظم التقارير التي تلقتها الوكالة جاءتها من التحقيقات مع محمدو في غوانتانامو كان في سجنهم مدة ستة اشهر كانوا يعلمون أنني المدعي العام الرئيسي ويعلمون أننا نفكر في قية كبيرة واننا لو تمكنا من ايجاد علاقة له بالحادي عشر من سبتمبر لحكمنا عليه بعقوبة الاعدام.

لذا لابد من حدوث امر ما شعر ستيوارت كوتش بهذا الحدس في تلك المقابلة.

كان صلاحي في السجن التابع لوكالة المخابرات المركزية ولابد من انهم بذلوا ما في وسعهم لانتزاع ما عنده من معلومات ا وان المعلوات التي حصلوا عليها لم تنفعهم لمعرفة مدى أهميته ولم يبق لهم سوى القيام بتسليمهم للجيش الامريكي في قاعدة باغرام الافغانية.

هذه الفترة هي فقط احدى الفقرتين اللتين لم يطلهما اجراء التدقيق والتنقيح وفي مقطعه اسود من اربع صفحات من التقرير المعنون بنهاية اللعبة ورد:

ان عدد المعتقلين في سجن وكالة الاستخبارات المركزية قليل نسبيا مقارنة بالذين في سجن الجيش. ومع ذلك فالوكالة مثل الجيش لديها اهتمام بتنظيم المعتقلين فضلا عن اهتامها الخاص بالذين سيفشون على الارجح المعلومات المتعلقة بظروف حجزهم.

وفي اوائل عام 2002 لم تكن اسرة محمدو تعلم انه في الاردن فقد اناس يعدون على الاصابع كان لديهم العلم بأن الولايات المتحدة تقوم باعتقال المشتبه بهم وحجزهم واستجوابهم وفق برنامج خاص بذلك ولم تكن الولايات المتحدة تقوم بهذا الاجراء بمساعدة حلفائها الدائمين فقط مثل المخابرات الاردنية بل حتى بتعاون اصدقاء آخرين اقل اعتمادا وثقة وكانت موريتانيا من بين اولئك الاصدقاء. في عام 2002 كان الرئيس الموريتاني ولد الطايع الذي اصبح لد عقودا في الحكم يتعرض لاشد الانتقادات على الصعيد الخارجي بخصوص سجل حقوق الانسان في بلاده وفي الداخل كان يتعرض للانتقاد بسبب تعاونه الوثيق مع سياسات الولايات المتحدة في مكافحة الارهاب.

يتواصل

نقلا عن يومية الأمل الجديد