الشيخ محمد فال ولد عليه رئيس مجمع الشيخ ماء العينين شخصية ومرجعية روحية وعلمية ذات مكانة وطنية ودولية كبيرة أجرينا معه اللقاء التالي:
الأمل الجديد: أنتم اليوم من المشائخ المؤثرين في مجتمعكم وفي العالم وعلاوة على مكانتكم الروحية المعروفة فإنكم تتمتعون بصفات يندر وجودها في مشائخ التصوف منها الجمع بين المعرفة الدينية والمعرفة العصرية وكذلك مواكبة الواقع والمستجدات اليومية فضلا عن علاقاتكم بالعديد من الشخصيات المؤثرة في العالم، فهل لكم فضيلة الشيخ أن تقدموا انفسكم للقارئ وهل لنا أن نعرف منكم كيف كانت البداية؟
الشيخ محمد فال: إسمي محمد فال ولد أعلي من سلالة الشريف ملاي إعلي السجلماسي حفيد الشريف الحسن بن القاسم بن محمد الملقب بـ(الحسن الداخل) الذي قدم إلى المغرب سنة 663 هـ من ينبع من أحواز المدينة المنورة وأقام بمدينة سجلماسة، التي كانت تعتبر معقل النبلاء ومبعث العلماء والزهاد والمتصوفين، كما أنها تعتبر مطلعا للموحدين والسعديين والعلويين، وكانت قاعدة بلاد المغرب، قبل مدينة فاس، ودار الملك منها. وتولى سلطة الحكم، برغبة من الطوائف والقبائل في سنة 663هـ وجعل سجلماسة مركز إدارة حكم البلاد.
أعقب الحسن بن القاسم ولدا واحدا هو سيدي محمد الشريف دفين القواس بتافيلالت. واعقب سيدي محمد الشريف ولدا واحدا هو مولاي الحسن الشريف (دفين مقبرة أبي عامر) وقد أعقب ولدين هما:
- مولاي عبد الرحمن الملقب بـ(أبي البركات).
- مولاي علي الشريف المعروف بـ(السجلماسي) نسبة لمنطقة سجلماسة وإليه أنتسب.
وقد ولدت وترعرت في أسرة فقيرة في منطقة آدرار، وبدأت الدراسة في المحظرة ككل الموريتانيين آن ذاك فلم يكن الآباء في ذلك الحين يسمحون لنا بالمدارس الفرنسية حرصا على تربيتنا على الدين والأخلاق، والعقيدة السائدة حينئذ أنه لا يوثق في مدارس المستعمر.. فدرست المتون الشرعية على العالم العلامة محمد الأمين ولد أحمد البشير الغلاوي كما درست ايضا على العلامة قاضي نواذيبو المختار ولد محمد موسى اليعقوبي رحمه الله تزامنا مع فترة عملي بنواذيبو ثم بعد المحظرة التحقت بالتعليم العصري فدرست الهندسة بصفة اختيارية وتكونت في الكهرباء والميكانيكا حتى آل بي الأمر في النهاية بحمد الله إلى درجة الاكتشافات الهندسية فكانت لي اكتشافات منها مضخة للماء وجهاز يمتص الصدمات عن القطارات الطويلة حيث كانت هذه المشاكل مطروحة باستمرار في عهد الفرنسيين للقطارات التي تتحرك من انواذيب الى ازويرات في شركة ميفرما وكانت هذه الاكتشافات محل تقدير المهندسين الفرنسيين ومسئولي الشركة..
ثم تحولت الى الجانب الروحي فتتلمذت على أستاذي و شيخي ووالدي الشيخ آب ولد الشيخ الطالب أخيار ولد الشيخ ماء العينين وتطور على يديه هذا الجانب بفضل من الله و منته بما لا يسمح المجال بالتوسع في الحديث عنه لأن المبدأ أن نحدث الناس بما يفهمون فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر كما يقال في المثل والمهم ان تعرفوا أن صوفيتنا مقيدة بالكتاب و السنة وتقوم على نبذ الخرافات ونبذ البدع أيا كانت .
الأمل الجديد : حدثونا عن مجمعكم مجمع الشيخ ماء العينين للدراسات الاسلامية والبحوث التقنية؟
الشيخ محمد فال: هذا المجمع تأسس في مدينة ازويرات عام 1983م بترخيص من وزارة الداخلية وتم تدشينه من طرف رئيس الجمهورية السيد محمد خونه ولد هيدالة في 28 نوفمبر 1983م ويضم هذا المجمع مأوى للأيتام ومركزا للتدريب المهني فضلا عن المكتبة والمسجد والدروس الدينية كالسيرة والفقه وغيرها وكانت لدي علاقة وثيقة مع الإمام الأكبر مجدد القرن جاد الحق علي جاد الحق رحمه الله تعالى رئيس الأزهر الشريف وكان يرسل إلي الكتب وبعثات التدريس من مصر فقمنا في ذلك الوقت بحمد الله بدور لا يستهان به حيث لا يوجد كتاب ولا استاذ فكونا ولله الحمد أول مكتبة نرجو من الله أن يكون لنا أجر الأسبقية وازويرات اليوم ليست كازويرات القديمة فيها العديد من المساجد والمحاظر والكتب متوفرة وأنا بعد سنوات عديدة قضيتها بالخارج بصدد تحديث المجمع وبنائه على أسس متماسكة حديثة تخدم المواطن الموريتاني وتلبي حاجياته .
الأمل الجديد: من أنشطتكم نشر التصوف الاسلامي المعتدل [ت ا م] كيف ذلك؟
الشيخ محمد فال: نحن نرى أن مذاهب المسلمين ليست مذاهب للخلافات والسب والتناحر والشقاق ويجب عليهم أن ينبذوا كل ما يؤدي بهم إلى الخلافات ففي عهد الصحابة رضوان الله عليهم أنزل الله قوله فاعلم أنه لا إله إلا الله فوسعت الناس ولا زالت تسعهم وشيخنا الشيخ ماء العينين طلب منه في ذلك الوقت فالف كتابه في مؤاخاة الطرق الصوفية مفيد الراوي على أنني مخاوي، وقد حدثني الشيخ محمد بوي بن الشيخ بوننه بن الشيخ ماء العينين وهو عالم محقق وثقة ورجل ضابط أن جده الشيخ محمد فاضل كان يعطي خمسمائة طريقة صوفية التجانية واحدة منها وأن الشيخ مامين والد الشيخ محمد فاضل التقى بالشيخ التجاني بفاس فقال له إن أخذت على الطريقة دللتك على ما تبحث عنه، أنت تبحث عن الأقطاب وهم في ظهرك وأذن له في الطريقة التجانية. فمن واجب المشائخ الذين أتطفل بالانتساب إليهم توجيه الأمة لما فيه وحدتها ونبذ الفرقة والاختلاف وأسبابهما لقد عشنا في هذه المنطقة ألف سنة بمذهب واحد وعقيدة واحدة لم يختلف عليهما اثنان ، ويمكن لهذا أن يستمر ما دام المشائخ يقومون بواجب النصح والتوجيه وما دام الآخرون يستمعون لهم ولولا انصراف المشائخ عن هذا الواجب لم يكن ليحدث كثير مما نراه الآن فالسرقة كانت قليلة أما القتل والعياذ بالله فلم يكن موجودا والآن كثر مثل هذه التصرفات لغياب أغلب المشائخ عن التوجيه والارشاد ولا شك ان هناك مشائخ فضلاء قائمون بالكثير لكن أغلبهم معزول وليس لديهم الامكانيات ومن وجهة نظري يجب أن لا نتوقف بانتظار الامكانيات فالانسان هو الذي يخلق الامكانيات وليس العكس فالله سخر لنا ما في الأرض جميعا.
وقد عقدت صلاة وروابط وثيقة بكافة الأسر الصوفية في البلاد وأنا على تواصل مستمر معهم بدء بمشائخي أهل الشيخ ماء العينين وأبناء عمومتهم أهل الشيخ سعد بوه وغيرهم من أهل الشيخ محمد فاضل أو الأسر الأخرى العريقة في التصوف كأهل سيدي مولود فال وأبناء عمي الشريف سيدي عالي بن النجيب الذي تصدر عليه الشيخ سيدي المختار الكنتي شيخ الطريقة القادرية في الصحراء الكبرى الذين تعدت شهرتهم وتأثيرهم الآفاق والبلدان وكزاوية أهل الشيخ محمد اليدالي وكزاوية أهل الشيخ سيدي وأهل الشيخ أحمدو بمب الخديم وغيرهم من الاسر الصوفية يضيق المقام عن حصرهم وكلهم بحمد الله إخوتي ومشائخي ونعمل سويا على التقارب ونبذ التفرقة والخلاف مؤاخاة لكل الطرق كما هو نهج أشياخي رحم الله سلفهم وبارك في الخلف وكذلك أنا على اتصال بعلماء الوقت من امثال العلامة المجدد الشيخ محمد الحسن بن أحمد الخديم والعلامة الشيخ حمدا ولد التاه امين عام رابطة العلماء الموريتانيين والولي محمذن ولد محمودا والعالم الشيخ محمد ولد احمد مسكه وغيرهم. وكذلك من أهداف هذا النادي الذي اسمه تام تقديم الدين لغير المتدينين أي تقديم الدين للغرب بصورة تمكنهم من فهمه وذلك بتقديمه لهم بأسس علمية حيث أن اللغة العلمية هي اللغة السائدة وهي القاسم المشترك بيننا وبينهم فأنا أعمل على هذا الهدف ولكن بصورة سلمية فقط , ومع أنني أعتبر نفسي امتدادا لأهل التصوف وأهل الذكر والذاكرين وتلك طريقي فإنني أدعو كذلك الى التركيز على ان نعتني بالفقه وأصوله حتى يسلم أبناؤنا من نظرات التضييق وضيق الأفق فلا يتنازعون أو يتحاربون على مسألة لم يحيطوا بعلمها، أما على المستوى الوطني فأدعو الى أن يكون الموريتانيون على قلب رجل واحد وأن يكونوا يدا واحدة كما جاء به الأنبياء وسيدهم خاتمهم نبينا صلى الله عليه وسلم الذي يقول الناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي على أعجمي وعلى عجمي على عربي إلا بالتقوى وقصة زيد بن حارثة المعروفة في القرآن الكريم ولما نزلت إن أكرمكم عند الله أتقاكم قال سيدنا عمر بن الخطاب ضاع النسب اليوم هذا من باب الدين أما من باب الدولة والوطنية فمكانة المرء بقدر ما يقدمه لمجتمعه ووطنه.
الامل الجديد: قابلتم الكثير من الشخصيات العالمية ومن ضمنها البابا يوحنا بولس كيف كانت تلك المقابلة؟
الشيخ محمد فال: تلقيت دعوة لتمثيل موريتانيا في الحوار بين الأديان في اخر الثمانينات وقبل المغادرة مررت بوزارة الشؤون الاسلامية للاسترشاد برؤيتها، وفي لجنة الخبراء التي كنت أحد أعضائها وفيها علماء وفضلاء من شتى بقاع العالم أذكر منهم الوزير المغربي الزهيري اقترحت أن يكون التعايش بين أصحاب الأديان على أساس الكتب السماوية واعتمدت لجنة الصياغة التابعة للجنة الخبراء مقترحي هذا وأقره البابا الذي استشهد في خطابه بمقترحي حين قال: كما قال مندوب موريتانيا فإن التعايش يكون على أساس الكتب السماوية.
الأمل الجديد: أنتم من مشائخ الصوفية القلائل الذين يدعون إلى الاعتناء بالهندسة وتربية الأجيال عليها لماذا؟
الشيخ محمد فال: الناس أبناء زمانها فنحن في عصر الاكتشافات والعولمة بكل أشكالها والوانها ومخاطرها وسلبياتها وكما نحن أساتذة في التعليم الأصلي وأصول الدين والفقه علينا أن نكون أيضا أساتذة في استيعاب التكنولوجيا استيعابا حسنا ، ونسعى الى تعليم الهندسة لأطفالنا فلا تقدم للمجتمعات بدون الهندسة وهي أيضا تكون أبناءنا على مهن يأمنون بها من الفقر, أليس من المؤسف أن نكون في دولة مستقلة لا تصنع قلما ولا ورقة فالسيارة التي أستقلها والطائرة والعصائر التي نشربها كلها مستوردة من الخارج حتى تصفية المياه التي يمكن تصفيتها بالتراب مع أنهم يصفونها بالتناطح العكسي فالتكنولوجيا اليوم هي الحياة ولا يمكن أن نغلق أجواءنا ونعيش في عزلة هذا مستحيل يجب أن نقبل على التكنولوجيا فنأخذ منها ما يصلح شؤوننا ونترك ما فيه فساد مجتمعنا نأخذ منها ما يسير بنا في الاتجاهات الصحيحة النافعة والمثمرة وأنا لا أدعوا إلى التقليد الأعمى في الصناعة بل الاتجاه إلى ما يناسبنا وهنالك بدائل كثيرة فنحن أرضنا شمسية وتصلح للطاقة النظيفة كالطاقة الشمسية التي هي الآن في التنامي كما يمكن لنا أن نساهم في التلوث البيئي ومكافحة الكربون من الجو وأنا على سبيل المثال منذ أكثر من عشرين سنة وأنا أبحث في تخزين الطاقة .
فاليابان مثلا في فترة معينة اتجهوا إلى التقنيات وهم اليوم من أكثر الدول تطورا وأمريكا عمرها قصير وهي الأن أقوى دولة في العالم يجب أن نسعى كما سعوا ولا نقول بأنه محكوم علينا أن نظل هكذا .
لقد سرني أني قرأت عن تكوين نقابة للمهندسين الموريتانيين وأنا من هذا المنبر أدعو إلى مساندتهم لأنهم مؤهلين أكثر من غيرهم ، أما أنا فاهتمامي يبدأ بالأطفال فارى أنه يجب أن نعتني بتوفير أندية علمية ودور ترفيهية وتثقيفية للنشء في سن المراهقة ما بين السابعة والثامنة عشر تحت إشراف طواقم واعية ومؤهلة واختصاصي التربية وينبغي أن لا تغيب الدولة عن هذا الجهد ولا نحن المشائخ فالمشائخ عليهم عبء كبير وأنا أحمل نفسي جزء من هذا العبء وأرجو أن أكون شيخا لا متمشيخا كما أنني أدعو أصحاب الورش والصناعات التقليدية أن يتعاونوا معنا في قضية الاكتشافات كما أدعو الشركات الوطنية إلى التعاون معنا في دعم الاكتشافات والمواهب الشابة وأصحاب الاختراعات. الأمل الجديد : كلمة أخيرة
أجدد الدعوة للتجديد والتسامح والمساواة وأن يتعاون الناس على البر والتقوى وكل مثمر وأن يعمدوا الى كل نافع كغرس الأشجار ومساعدة الورش والصناعات ودعم المواهب الشابة وأن يتحركوا فمن تحرك سيعينه الله وأدعو الله أن يوفق الجميع إنه سميع الدعاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..