بعظمة المصاب يعظم الأجر، فقد إقليم أزواد ومن خلاله صحراء الملثمين "موريتانيا الكبرى" خلال هذا الأسبوع هامتين كبيرتين هما: السلطان "أمنوكل" التي تعني باللغة التارقية الصنهاجية القائد الكبير سلطان قبائل آدرار إفوغاس والسلطان الشريف انتاله آغ الطاهر بن سيد محمد الفغاسي عن عمر ناهز 92 سنة.
ويعد السلطان انتاله بن الطاهر من أبرز سلاطين منطقتنا "الصحراء الكبرى" وخاصة إقليم أزواد التي يمثل مجالها الحيوي، كان يعمل المستحيل للمحافظة على تعايش أهله والدفاع عن حقوقهم التاريخية المشروعة، ولا تخفى أدواره الثمينة في الوساطة بين الحكومة المالية والحركات الأزوادية، ودره أيضا الكبير المؤثر في حماية أبناء المنطقة ورعايتهم، باذلا في ذلك مكانته ووجاهته وعلاقته والاحترام الذي يحظى به من طرف الزعماء وقادة المشهد محليا وإقليميا ودوليا، فضلا عن قيادة التوقيع على عدة اتفاقيات للسلام مع حكام مالي التي لم تحترم وللأسف أيا من هذه الاتفاقيات المتراكمة كما جاء في رسالته إلى المجتمع الدولي فوغاس التي دعا فيها إلى الاعتراف بدولة أزواد، وطالب بدعمها والوقوف إلى جانبها منددا في ذات الوقت بالأعمال الإرهابية التي تسعى من خلالها بعض الجماعات المسلحة التشويه على النضال الازوادي المشروع وقد طالب بلغة لا لبس فيها ولاشية برحيل هذه الجماعات الغريبة فورا عن أراضي أزواد.
وكانت مواقفه رغم تقدمه في السن ومصارعة المرض شجاعة وحكيمة ومواكبة للأحداث وفي خدمة الحق الازوادي المشروع ولا غرابة إذا استأنسنا بمقولة المتنبي:
إذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام
ولم يغب يوما عن المشكلات الطارئة، وإيجاد الحلول لها والنصح والإرشاد والوساطات السلمية والعمل على كل ما يقارب الأطراف الازوادية ولا أدل على مكانته انه كان يشكل الشخصية المرجعية الكبيرة لمنسقية الحركات الأزوادية الناصعة ( الحركة الوطنية لتحرير أزواد"MNLA"، المجلس الأعلى لوحدة ازواد، الحركة العربية الأزوادية جناح ولد سيداتي) التي أعلنت الحداد ونكست الأعلام حزنا على الراحل الكبير.
وللتذكير فانتاله هو نجل السلطان الذائع الصيت الطاهر بن سيد محمد الفغاسي الذي كان على صلة وثيقة بعلماء عصره في المحيط الواسع لأرض البيضان (L’ensenble Mauritien)، وذلك من خلال علاقته التاريخية الوطيدة والمتميزة بالإمام المجدد الشيخ باي ولد سيد اعمر آل الشيخ سيد المختار الكنتي، وهو إضافة إلى ذلك شقيق السلطان زيد بن الطاهر الذي يعد من أبرز القادة الحراك الأزوادي الذي قام خلال الفترة الممتدة من 1958 – 1963 إلى جانب السلطان محمد علي بن الطاهر الأنصاري والعلامة القاضي محمود ولد الشيخ الأرواني (مفتي الصحراء الكبرى ) ذالك الحراك الذي لم يكن له من هدف سوى استقلال الإقليم أول الانضمام إلى الوطن الأم موريتانيا.
والفاجعة الأخرى هي رحيل الشيخ باب بن الشيخ سيد المختار شيخ مشايخ آل الشيخ سيد المختار الكنتي، ويعتبر الراحل من أبرز الشخصيات الوازنة في المنطقة بما يتمتع به من وزن عائلي ومكانة علمية وروحية سامية، ضاربة الأطناب في تاريخ وجغرافيا المنطقة وجوارها الإفريقي والعربي.
وغني عن القول والتعريف بدور بيت شيخ شيوخ الصحراء الكبرى الشيخ سيد المختار الكنتي على مدار القرون الماضية وصلا ووصولا بالدور الريادي المتسلسل من الشيخ إلى الأبناء إلى الأحفاد وهو الدور الذي قام به ولعبه الفقيد على أحسن وجه.
ونحن أمام هاتين الفاحعتين الأليمتين لا يسعنا إلا أن نستذكر مقولة أحد أسلافنا العلامة الأديب محمد يحي بن محمد الأمين الموسوي اليعقوبي الذي أقام في إقليم أزواد خلال رحلته إلى الحج في ثلاثينيات القرن الماضي والذي تعتبر رحلته مرجعا هاما في الوشائج التي تربط بين أقاليم هذه البلاد حيث ترجم للإمام المجدد الشيخ باي ولد سيد اعمر ترجمة نادرة كما التقى بالسلطان الطاهر بن سيد محمد الفوغاسي الذي نوه بمكانته العالية حيث يقول راثيا:
سقا الله قبرا حله الجود والمجد شئابيب لا برق لهن ولا رعد
شئابيب رحمى لا تزال مقيمة على ذلك المثوى تروح كما تغدو
ومستذكرين أيضا مقولة أحد أعلامنا الكبار، العلامة المجدد الشيخ محمد المامي البخاري في نفس الغرض:
كان فينا عرابة فتعزينا كما قد تعزت الأنصار
وليسعنا لو كان الدهر تسليـ ـم بما قد جرت به الأقدار
(رحم الله السلف وبارك في الخلف)
بقلم: محمد سالم ولد محمد اليعقوبي
باحث في قضايا الصحراء الكبرى