وعندما وصل اخيرا طلب محمدو المثول امام المحكمة الى المحكمة الفيدرالية في عام 2009 لم تحاول الحكومة الامريكية مناقشة وضعه بصفة شخصية رئيسة في القاعدة او ان له يدا في خطط أو هجمات القاعدة.
ردت حينها محكمة الاستئناف المتنقلة لدائرة منطقة كولومبيا على ملف قضية محمدو بعد مراجعتها بالكلمات التالية:
تطالب الحكومة الامريكية باعتقال محمدو ولد صلاحي بصفته جزءا من القاعدة لا لأنه قاتل مع القاعدة أو مع حلفائها ضد الولايات المتحدة بل لأنه اقسم على الولاء للتنظيم واجتمع مع اعضائه وساعدهم بطرق مختلفة بما فيها ايواء قادته وتوجيه المجاهدين الطموحين الى شخص فاعل في القاعدة.
عندما سمع القاضي بما جاء في طلب محمدو عام 2009 كانت محكمة الاستئناف المتنقلة لدائرة منطقة كولومبيا التي تترأس قضايا سجناء غوانتانامو للمثول أمام المحكمة تناقش ما اذا كان مقدم الطلب جزءا من القاعدة اعتمادا على ما تمتلكه الحكومة من معلومات حول مقدم الطلب كعضو فعال في المنطقة لحظة اعتقاله لقد انضم محمدو للقاعدة عام 1991 واقسم ولاء الاخلاص للمنظمة في ذلك الوقت ولكن القاعدة انذاك كانت مختلفة جدا عما هي عليه اليوم كانت حليفة للولايات المتحدة. وظل محمدو يؤكد على الدوام بان مشاركته في المنظمة قد انتهت مع سقوط الحكومة الشيوعية في افغانستان.
في دعواه للمثول امام المحكمة اصرت الحكومة على ان تواصله وتفاعله مع صهره وابن عمه ابو حفص بين فترة واخرى ومجموعة أخرى من الاصدقاء والمعارف الذين ظلوا نشطاء في القاعدة اثبت انه لا يزال جزءا من التنظيم. ومع ان بعض هذه العلاقات قد توحي بشيء من الدعم لكنها لا ترقى اطلاقا كما يقول القاضي روبيرتسون الى مستوى جريمة الدعم المادي من اجل الارهاب ورغم ذلك كانت اتصالات محمدو مع هؤلاء الاشخاص متقطعة للغاية الى درجة أنهم كانوا يميلون الى أن صلاحي سعى الى ايجاد توازن ملائم متجنبا الصداقات القريبة مع اعضاء القاعدة ولكنه في الوقت ذاته حاول تجنب معاداتهم.
ان قرار القاضي روبيرتسون بقبول طلب محمدو للمثول امام المحكمة والامر باطلاق سراحه جاءا في لحظة حرجة حيث خسرت الحكومة الأمريكية في الاول من شهر ابريل 2010 اربعا وثلاثين دعوى قضائية بالمثول امام المحكمة من اصل ست وثلاثين في استئناف العديد من الدعاوى واقنعت الحكومة الأمريكية محكمة الاستئناف المتنقلة لدائرة منطقة كولومبيا بان تقبل بمعيار اقل شدة في المحكامة اذا كان مقدم الطلب جزءا من القاعدة. ولكن بما ان محكمة الاستئناف شرحت نقضها لقرار القاضي روبيرتسون طالبة ارجاع القضية الى محكمة المقاطعة من اجل جلسة الاستماع فان الحكومة بهذا لم تعد بحاجة الى ان ترى اذا ما كان سجين غوانتانامو ينفذ أوامر القاعدة او توجيهاتها في الوقت الذي اودع السجن.
كانت محكمة دعاوى الاستئناف حذرة في رأيها في وصف الطبيعة الدقيقةى لدعوى الحكومة ضد صلاحي. أكدت المحكمة ان الحكومة لم توجه التهمة الجنائية الى صلاحي على تقديم الدعم المادي للارهابيين او لمنظمة القاعدة الارهابية. واضافت ولم تطلب الحكومة اعتقال صلاحي بموجب تفويض استعمال القوة العسكرية على اساس انه قدم المساعدة في هجمات عدائية ضد ائتلاف شركاء الولايات المتحدة. لا ريب ان الحكومة عندما يتم اعادة الاستماع الى دعوى محمدو في المحكمة الفيدرالية ستحاجج على الارجح بان علاقاته المتقطعة مع اعضاء القاعدة النشطين في عقد التسعينيات يعني لديهم انه بقي عضوا في المنظمة المذكورة ايضا وبموجب المعيار الجديد كتبت المحكمة حتى لو لم تثبت علاقات صلاحي بهؤلاء الافراد بوصفه جزءا من القاعدة فان تلك العلاقات ذاتها ترجح أكثر بان صلاحي كان عضوا في المنظمة عندما اعتقل وهذا يحل معضلة اذا ما كان قابلا للبقاء في السجن.
وما يدعو للسخرية هو عندما نسمع محكمة في المقاطعة دعوى للمرة الثانية فعلى الارجح ستوجه الحكومة الاسئلة حول النقطة التي اعتبرت دائما الاكثر ضررا وهي علاقة محمدو مع ابن عمه وصهره ابو حفص. وابو حفص هذا هو عضو في مجلس شورى بن لادن وكان يمتلك هبة من المال من الولايات المتحدة قدرها خمسة ملايين دولار امريكي في اواخر التسعينيات وقد ازداد الرقم الى خمسة وعشرين مليون دولار بعد الهجمات الارهابية في الحادي عشر من سبتمبر عام 2011. ان الولايات المتحدة تعرف منذ سنوات ان ابو حفص قد عارض تلك الهجمات وقد اوردت لجنة الحادي عشر من سبتمبر في تقريرها: حتى انه كتب رسالة لابن لادن يبدي فيها اعتراضه على الهدمات على اساس القرءان. وبعد الهجمات غادر ابو حفص افغانستان متوجها الى ايران حيث وضعته السلطات الايرانية تحت اقامة جبرية مرنة لاكثر من عشر سنوات. وفي ابريل عام 2012 رحلت ايران ابو حفص الى بلده موريتانيا وهناك اعتقل وبقي شهرين في سجن موريتاني حيث التقى اثناء ذلك بوفد دولي ضم بين اعضائه امريكيين. لقد ادان هجمات الحادي عشر من سبتمبر وانك ران تكون له اية ارتباطات مع القاعدة. اطلق سراحه في يوليو 2012 ومنذ ذلك الحين يعيش حرا طليقا.
لم اجتمع بمحمدو ولد صلاحي غير اني ارسلت له رسالة عرفته بنفسي عندما سئلت عن امكانية تقديم المساعدة لطباعة مخطوطته رسالة لا اعرف اذا ما وصلته ام لا. لم اتواصل معه باية طريقة اخرى.
طلبت لقاءه مرة واحدة على الاقل قبل تقديم العمل الكامل لأتكد بأن ما قمت به من تحرير مخطوطته قد نال موافقته ورضاه ولكن رد البنتاغون كان موجزا وحاسما حيث كتب ضابط الشؤون العامة ما يلي: ليس ممكنا القيام بزيارة أو أي عمل نوع آخر من التواصل مع أي معتقل في مبنى الاحتجاز في غوانتانامو ما لم يكن الزائر محاميا قانونيا ميثل المعتقل. ثم ان المعتقلين محتجزون بموجب قانون الحرب فضلا عن اننا لا نخضهم لفضول الجماهير.
ان عبارة فضول الجماهير هي احد اعمدة قانون الحرب واتفاقية جنيف لعام 1949 بشأن معاملة اسرى الحرب. البند الثالث عشر من الاتفاقية هو: المعاملة الانسانية للسجناء ويقول:
يجب معاملة أسرى الحرب معاملة انسانية في جميع الاوقات ويحظر ان تقترف الدولة الحاحزة أي فعل اهمال غير مشروع يسبب موت اسير في عهدتها فان ذلك يعتبر انتهاكا جسيما بموجب هذه الاتفاقية. وعلى الاخص لا يجوز تعريض أي اسير حرب للتشويه البدني او التجارب الطبية او العلمية من أي نوع كان مما لا تبرره المعالجة الطبية للأسير المعني او لا يكون في مصلحته.
وبالمثل يجب حماية اسرى الحرب في جميع الاوقات وعلى الاخص ضد جميع اعمال العنف او التهديد وضد السباب وفضول الجماهير وتحظر تدابير الاقتصاص من اسرى الحرب.
اقترحت عقد لقاء سري بموجب ابروتوكولات امنية صارمة لاتأكد بان النسخة المحررة من عمل محمدو –العمل الذي كتبه للقراءة العامة- يمثل على نحو دقيق محتوى العمل الاصلي وغايته المنشودة. لقد تم احتجاز العمل لسنوات عديدة بموجب نظام للرقابة لا يخدم دائما اهداف اتفاقية جنيف.
كانت الرقابة شئا مكملا منذ البداية لعمليات الولايات المتحدة الخاصة بالاحتجاز ما بعد الحادي عشر من سبتمبر.
كانت رقابة هادفة ليس لمرة واحدة بل مرتين: أولا لفتح المجال أمام الاساءة الى السجناء ومن ثم حذفها حتى تبدو كما لم تحدث. وفي قضية محمدو تشمل تلك الاساءات الاخفاء القسري والاحتجاز العشوائي والانفرادي والمعاملة القاسية واللانسانية واللامهنية والتعذيب. واننا نعرف هذا بفضل سجل وثائقي هو بدوره قمع على نحو صارم ولسنوات عديدة.
لا اعرف الى أي حد يشترك الاهتمام الشخصي مع القانوني في تغطية تلك الاساءات التي لها علاقة بسجن محمدو المتواصل ولكني اعرف اني قضيت خمس سنوات لأقرأ هذا السجل عن قضيته ولم اقتنع بالتفسيرات الغامضة وغير الثابتة لحكومتي لمبرر بقائه في غوانتانامو او تأكيدات اولئك الذين يدافعون عن احتجازه الذي دخل عامه الثالث عشر الآن بقولهم إنه بالتأكيد أو من المحتمل كذا وكذا. إن احساسي الخاص بالعدل يخبرني ان مسألة ان يكون محمدو كذا وكذا وعن سبب بقائه في السجن الأمريكي كان من الممكن أن اجيب عنه منذ فترة طيولة. هذا ما كان سيحصل باعتقادي لو لم تظل يوميات غوانتانامو سرية لأمد طويل.
عندما كتب محمدو مخطوطة هذا الكتاب قبل تسع سنوات في الكوخ المعزول ذاته حيث يحدث فيه مؤخرا بعض المشاهد الاكثر كابوسية كان قد وضع لنفسه مهمة يشرحها في النهاية تقريبا:
لقد كتبت تجربتي عما شاهجدته بام عيني وما تعلمته مباشرة من المصدر الاول. حاولت الا ابالغ في كلامي والا اصف اقل ما تقتضيه الحقيقة. حاولت ان اكون منصفا قدر الامكان لحكومة الولايات المتحدة ولأخوتي ولنفسي.
لقد علمت ذلك تماما م كل ما رأيته ان القصة التي يرويها يؤكدا السجل الذي رفع عنه الحظر.
يبرهن محمدو مرارا وتكرارا بأنه راو موثوق. انه بالتأكيد لا يبالغ. يحتوي السجل انواعا من التعذيب والاهانات غير المتضمنة في الكتاب ومع ذلك فانه ينقل البعض منها لكن بحذر وتعقل. وحتى عندما يصف الحوادث الاكثر غرابة فان روايته للحدث تكون ملطفة ومباشرة. ان مشاهد الرعب الكامنة في تلك الحوادث تتحدث عن نفسها بنفسها.
هذا لأن اهتمامه الحقيقي دائما هو بالدراما الانسانية لهذه المشاهد. يكتب محمدو في البداية:
قانون الحرب قاس. واذا كان هناك أي شيء ايجابي في الحرب فهو انها تخرج افضل الناس واسوأهم من احشائها على حد سواء. يتصرف بعض الناس بعيدا عن رقابة أي قانون لايقاع اكبر الاذى بالآخرين في حين يحاول البعض الآخر تقليل الاذى والمعاناة الى الحد الادنى.
في جدولة هذه المرحلة زمنيا عبر اكثر مراحل الاحتجاز ظلاما في كنف البرنامج الاستجوابي للولايات المتحدة بعد الحادي عشر من سبتمبر يبقى انتباهه مركزا على محققيه وحراسه وعلى اقرانه من المعتقلين واخيرا على نفسه. يرغب في ان يكون منصفا كما كتب. انه يعرف بادراك كبير السياق الهائل للخوف والاضطراب الذي تتفاعل فيه كل هذه الشخصيات والاكثر من ذلك معرفته بالقوى الاجتماعية والقانونية التي تقولب علاقات ذلك التفاعل.
ولكنه يرى في الوقت نفسه قدرة كل شخصية على اضفاء شكل للفعل الانساني او تلطيفه على نحو ما ويبذل ما في وسعه لفهم الناس بغض النظر عن مواقعهم وبزاتهم وظروفهم بل بوصفهم ابطالا على حقيقتهم. بفعل ذلك فانه يحول حتى اكثر المواقف اللاانئانية الى سلسلة من التواصل الشخصي بل واحيانا الى تواصل انساني حميمي.
هذا هو العالم السري في غوانتانامو عالم الاعمال الوحشية المخطط لها على نحو مرعب وعالم الاهانات العرضية العابرة ولكنه ايضا عالم الايماءات واللطف والاعترافات والتميز عالم الفضول المتبادل والغزوات المحفوفة بالمخاطر عبر انقسامات عميقة.
بالرغم من ذلك تمكن محمد وان يختبره بتفاصيله ويتحمل فيه وطأة اربع سنوات من اكثر الاوقات اعتباطية في التعامل وان يقول الكثير عن شخصيته وانسانيته.
كل ذلك وسط التحقيقات الرهيبة في غوانتانامو...
يتواصل
نقلا عن يومية الأمل الجديد