يثير مشروع زراعي ضخم في الجنوب الموريتاني تنفذه شركة "الراجحي" السعودية جدلاً واسعاً في موريتانيا بسبب القبائل ذات الأصول الأفريقية التي تستوطن منطقة "شمامة"، وتعتبر أراضيها ملكاً جماعياً ترفض استغلاله من طرف المستثمرين الأجانب.
وتجد السلطات نفسها بين سندان الوفاء بتعاقداتها مع شركة الراجحي ومطرقة السيطرة على السكان الأصليين الذين سبق أن تعرضوا للقتل والتنكيل في الحرب العرقية عام 1989، فيما يقول مراقبون إن أي تصرف ضدهم سيفتح الباب أمام انتقاد السلطة ويعيد اتهامها بالتعامل العنصري مع أبناء القبائل ذات الأصول الأفريقية.
ورغم أهمية المشروع إلا أن كل الدلائل تشير إلى أنه يواجه صعوبات أدت إلى توقفه دون الإعلان عن ذلك رسمياً، فرغم مرور عامين ونصف على توقيع اتفاقية التعاون بين تحالف الراجحي والحكومة الموريتانية على تطوير القطاع الزراعي في منطقة شمامة، إلا أنه لم يتم البدء في تنفيذ أي مشاريع زراعية، مما يطرح أكثر من علامة استفهام حول مستقبل هذا المشروع الضخم.
وكانت موريتانيا قد وقعت منتصف شهر فبراير/شباط 2013 اتفاقية مع مجموعة الراجحي السعودية، تقضى بتأجيرها قطعتي أرض في ولايتي الترارزة ولبراكنة، جنوب البلاد، لزراعة القمح والذرة الشامية وأنواع متعددة من الخضراوات. وتستثمر المجموعة السعودية بموجب هذه الصفقة مليار دولار في مشاريع زراعية وأخرى تهتم بتنمية الثروة الحيوانية والسمكية بأنواعها الاستزراع المائي والصيد البحري.
مشروع ضخم
واستبشرت السلطات الموريتانية بتوقيع هذه الاتفاقية خاصة أنها تهم تطوير القطاع الزراعي الذي لطالما اعتبرته طوق نجاة ينقذها من استيراد 67% من حاجياتها الغذائية، كما أن تنفيذه من طرف تحالف الراجحي وبناء على التقنيات الحديثة والتكاملية، سيضمن له النجاح والاستمرارية.
غير أن السلطات الموريتانية لم تتوقع رد الفعل الغاضب من قبل سكان أراضي "شمامة" الزراعية جنوب موريتانيا، فمنذ الإعلان عن المشروع بدأ سكان المنطقة سلسلة من التحركات الاحتجاجية بدعم من المنظمات الحقوقية للتعبير عن رفضهم الترخيص لشركات أجنبية بالاستثمار في أراض تعود ملكيتها لفقراء يعملون في الزراعة، وهذه الأرض هي مصدر دخلهم الوحيد.
ولعل عقدة طرد المزارعين من أراضيهم إبان الحرب العرقية التي نشبت بين موريتانيا والسنغال، منعت السلطات من إيقاف هذه الاحتجاجات، ويقول الخبير الاقتصادي محمد أحمد ولد بابتي، إن مخاوف السلطات من تجدد النعرات العنصرية منعتها من التعامل بقوة في هذه القضية التي تؤثر لا محالة على مشاريع شركة الراجحي في موريتانيا كما ترخي بظلالها على اقتصاد المنطقة الجنوبية وتنميتها.
وأضاف في مقابلة مع "العربي الجديد" أن دلائل تردد السلطات في هذه الصفقة عديدة، فبعد توقيع الصفقة صادق مجلس الوزراء عليها بعد عام كامل من تاريخ توقيعها، وهو تأخير ليس له ما يبرره، حيث أن المصادقة على صفقات مماثلة لم يتطلب كل هذا الوقت، كما أن صمت السلطات على الاحتجاجات وصمتها عن إعلان سكان المنطقة عن إلغاء الصفقة، يؤكد أن المشروع لن ينفذ على الأقل في الأراضي الخصبة التي يسيطر عليها السكان.
ويشير إلى أن إلغاء الصفقة أو تأخيرها أو تقليص مساحة الأراضي سيؤثر على قدرة موريتانيا على جذب الاستثمارات الأجنبية.
ويعتبر ولد بابتي، أن السلطات أخطأت حين غامرت بعقد صفقة مع شركة لها وزن اقتصادي وسمعة دولية بعقد استئجار أرض "متنازع عليها".
وقال عبده ولد سمالي أحد المزارعين في منطقة "شمامة"، إن السلطات أبلغتهم بتوقف عمل شركة الراجحي في أراضي شمامة التي يعتبرها الأهالي ملكاً خاصاً لهم إلى أجل غير مسمى.
وأكد في حديثه لـ "العربي الجديد" أنهم أُبلغوا رسمياً بهذا القرار الذي يعني بالنسبة إليهم استمرار نحو 130 مزارعاً في عملهم بهذه الأراضي.
نواكشوط ــ خديجة الطيب - للعربي الجديد