مرت أمس الذكرى الرابعة لمقتل القذافي. و قد كتبت آنذاك ما يلي، حتي لا أكون ممن يسكتون عن التنديد بالهمجية مهما كانت وعلى حساب من كانت :
مقتل القذافي : همجية...و همجيات
إن كاتب هذه السطور ليس من مؤيدي القذافي. بل هو عكس ذلك تماما.
فلم يؤمن أبدا باندفاعه القومي العربي المتغطرس والديماغوجي، ولم يقتنع بانتمائه الإفريقي المتأخر والمسيء في أكثر من منحى، ولم يحتمل نزعته المدمرة إلى الهيمنة و التسلط، ولم يؤيد أبدا العمليات الإرهابية التي تم تجريمه بها. وللكاتب أيضا، كمواطن من موريتانيا، عذر إضافي في عدم الشغف بمذبوح مدينة سرت : إهانة العقيد لموريتانيا سنة 2009، عندما قام باحتلال قصرها الرئاسي لمدة ثماني وأربعين ساعة، و إصدار الأوامر لمجلسها الدستوري وغيره من مؤسسات الجمهورية، واستفزاز مشاعر سكانها الدينية بصلاته المضحكة، متوجا دوسه على كرامتنا كشعب وسيادتنا كدولة مستقلة، بتنصيب النظام الانقلابي لرئيس الدولة الحالي بالمال و المؤامرات.
لا! هذه السطور ليست بقلم مؤيد للقذافي و لن تكون تأبينا له.
إنها، و بكل بساطة، تعبير عن الاشمئزاز الرهيب الذي تتركه في نفس كل مسلم صور الاعتقال العنيف و العرض القبيح لجثمان الرجل المسكين؛ و عن الإحساس بجرح الكرامة الذي يشعر به كل إنسان يحترم إنسانيته أمام قتله المرعب.
صحيح أن القذافي قتل وعذب واغتصب وسرق أموال شعبه و أدمى شعوبا أخرى، و أنه بذلك يستحق أن يموت احتراما لضحاياه وتأدية للواجب تجاه ذويهم. و لكن، لا جرائمه النكراء، ولا ضرورة العدالة الإنسانية يمكنهما أن يبررا المعاملة الوحشية التي عانى منها. و لا خطاياه كجلاد يمكنها أن تشفع للقاتل الذي أرداه... ولن تخجل الاثنتان و أربعين سنة من نظامه الهمجي البشع من قرف الفعل الذي قتله. إن وجه الرجل المتورم الدامي و نظراته التي تترجى لن يغيبوا أبدا عن ذاكرة أطفالنا، و لا عن ذهن أي واحد منا.
و سيطارد طيف العقيد المعذب مستقبل ليبيا الوليدة إلى الأبد، مؤنبا ضمير قادتها الجدد و جميع رؤساء دول العالم الحر الذين عملوا لأكثر من ثمانية أشهر على تلك النهاية المشينة للمأساة القذافية.
كان للقذافي، شأنه في ذلك شأن كل مجرم، الحق في المحاكمة حسب الأصول وكان من واجب المجلس الوطني الانتقالي أن يؤمن له ذلك. و بما أنه تخلف عن القيام بواجبه فهو الآن مدين لشعبه و لكل من دعموا نضاله بأن يتبرأ، بصوت عال وواضح، من قتل الطاغية خارج نطاق القانون ومعاقبة مرتكبيه إن أمكن. بذلك، وبه فقط، يبرهن النظام الجديد في طرابلس على اختلافه مع الديكتاتورية البغيضة التي قام بطي صفحتها. بذلك، و به فقط، يمكنه غسل بقعة الدم التي لطخت الثورة الجميلة في ليبيا.
من جهة أخرى، فإنه على قادة العالم الغربي، باراك أوباما ، ونيكولا ساركوزي ، وديفيد كاميرون وغيرهم ممن ساعد إلى حد كبير – و كان على حق – في إسقاط الدكتاتور، أن يسطروا في سجل التاريخ كلمة تقول رفضهم الموافقة على استبدال همجية بأخرى مثلها.إن المعاهدة التي قطعوها مع المجلس الوطني الانتقالي، ضمن علاقة جديدة بين الغرب و"العالمية الإسلاموية" فيما يبدو، لا تجيز بأي حال من الأحوال أن يديروا ظهرهم للقيم الإنسانية التي باسمها يتم حتى الآن التغاضي عن تدخلهم في العالم العربي، ولا أن يتعاموا عن الانحرافات عن الإسلام و عن الديمقراطية التي يمكن أن تغوي بعض فصائل القوى الصاعدة في هذه المنطقة.
و على كل حال، فإنه لا يليق بنا كبشر أن نبقى ساكتين على الشعور بالذنب الذي يمزق نفس كل واحد منا إثر الموت اللا إنساني لمعمر القذافي أو السماح بصعود الهمجيات التي تستيقظ، مخاتلة في بلد العقيد وفي البلدان العربية الأخرى، الثائرة فعلا أم الجانحة نحو الثورة.
إدومو ولد محمد الأمين
أستاذ في جامعة نواكشوط