يتكرر مشهد غرق شوارع مدن عربية في فصل الشتاء، خاصة عند أول هطل للأمطار، فتسارع حكومات هذه الدول إلى تقديم مسؤولين كبش فداء، أو إيجاد تبريرات من نوعية أن كمية الأمطار غير مسبوقة، وأن الجو سيئ، والعاصفة قوية.
يبدو أن الاهتراء لم يصب فقط الأنظمة السياسية في بعض الدول العربية، بل امتد إلى بنيتها التحتية، التي لم تستوعب هطول أول موجة من الأمطار، فغرقت الشوارع، وتحولت إلى برك من المياه.
الأمطار خلفت قتلى وخسائر كبيرة في الممتلكات كما حصل في مصر، وحملت السيول معها النفايات في الشوارع منذرة بكارثة بيئية وصحية كما حصل في لبنان، أما في موريتانيا فلا حاجة لصيانة البنى التحتية لأنها غير موجودة أصلا.
وتشكل الكارثة في لبنان ومصر وموريتانيا مثالا مؤسفا لمعظم الدول العربية التي تفتقر إلى البنى التحتية الحديثة، حيث يتكرر المشهد سنويا، ولولا التاريخ الموضح على المشاهد المصورة، لظن كثيرون أنها مكررة.
سباك ومحافظ
ففي مصر مثلا، أطاحت السيول بمحافظ الإسكندرية، وغرقت الشوارع، ودخلت المياه إلى منازل المدينة الساحلية، التي تعد مقصدا سياحيا، واللافت ما جاء في نص استقالة المحافظ حيث كتب أن "الإسكندرية تحتاج لسباك وليس لمحافظ في هذا الظرف".
ودعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى جلسة طارئة لمناقشة أوضاع "العاصمة الثانية لأم الدنيا"، وسط تقاذف المسؤوليات بين الإدارات المسؤولة عن تصريف مياه الصرف الصحي والأمطار ومجالس المحليات.
واتهم الإعلامي توفيق عكاشة جماعة الإخوان المسلمين بكارثة الإسكندرية، وقال إن "السبب الرئيسي وراء حادث غرق محافظة الإسكندرية هم حسن البرنس وجماعة الإخوان والضعاف الذين يتصدرون لحكم أي شيء"، وتابع أنه "عندما جاء الإخوان كانت الإسكندرية في حالة يرثى لها، واليوم الله سبحانه وتعالى أراد أن يلفت نظر الشعب كله لهذا الواقع الأليم".
أما الإعلامي وائل الإبراشي فسأل المتحدث باسم مجلس الوزراء عن منحة إماراتية تقدر بـ 170 مليون جنيه (أكثر من عشرين مليون دولار) خصصت لمواجهة الأمطار ومثل هذه الكوارث التي حلت بالإسكندرية، ولكن المتحدث لم يجب بشكل واضح، وتحدث عن 75 مليونا آخرين رصدت لتطوير شبكات الصرف الصحي في المحافظة، وخلص أن العاصفة كانت قوية وكمية الأمطار غير متوقعة.
سيول نفايات
الأوضاع في "بلاد الأرز" لم تكن أفضل حالا، فسيول الأمطار لم تكن الوحيدة التي اجتاحت شوارع بيروت وبعض المناطق، بل رافقتها أكوام النفايات التي تتكدس في الشوارع منذ أشهر، هذا المشهد دفع رئيس الوزراء اللبناني تمام سلام للتهديد "بفضح كلّ شيء الخميس المقبل وتسمية الأشياء بأسمائها إذا لم يعالج هذا الملف"، وتحدث الإعلام اللبناني عن استقالة الحكومة إذا تعثّرَت خطة النفايات.
وتوالت تحذيرات المسؤولين اللبنانيين، في مقدمتهم وزيرا البيئة والصحة، حيث قال الأول "ما لم تتخذ القوى السياسية موقفاً إيجابيا اليوم قبل الغد، فلا حدود لمخاطر الكارثة"، بينما أكد الأخير أن "البلد وصل إلى المحظور الذي طالما حذرنا منه والمخاطر الصحية ازدادت، خاصة على المدى البعيد نتيجة الترسبات، والأولوية لإعادة جمع النفايات التي تبعثرت".
العاصمة الغارقة
ولخصت صحيفة النهار اللبنانية المشهد بالقول إنها "أسوأ أزمة نفايات لم يعرف لبنان مثيلاً لها حتى في زمن الحرب وإدارة المليشيات، وانفجرت هذه الكارثة بأبشع مظاهرها، وحولت الكثير من مناطق بيروت والضواحي في جبل لبنان إلى أنهر نفايات فاضت على الطرق والأحياء ومجاري الأنهار ومسارب تصريف مياه الأمطار.
ولم تقف الكارثة عند هذا الحد، بل تعدته الى إظهار فضيحة الانكشاف السياسي الذي يترجمه عجز خيالي عن اجتراح أي إجراءات عاجلة لوقف مزيد من التداعيات الخطيرة لعاصفة السيول والنفايات.
أما العاصمة الموريتانية نواكشوط، فاستحقت لقب "العاصمة التي تغرق كل عام"، إذ اجتاحت الشهر الماضي مستنقعات وبرك مياه آسنة الشوارع وحاصرت المنازل وعطلت الحركة التجارية.
المصدر : الجزيرة - أحمد السباعي