في شتاء 1999 غادر الشاب أحمد ولد عبد العزيز العاصمة الموريتانية نواكشوط متوجها إلي أفغانستان، ضمن رحلة استهوت العديد من الشباب السلفي بموريتانيا، وكانت نتائجها مابين عائد للوطن بعد اقلاع عن الفكر أو معتقل لدي القوات الأمريكية أو شهيد علي أرض أفغانستان ضمن حلقة من الصراع بين قوات الحلفاء والإسلاميين استمرت قرابة العقد.
عاش ولد عبد العزيز سنواته الأولي بين ذويه وجيرانه طفلا وادعا هادئا، تتنازعه أهواء الشباب وحب التفوق، وكان نموذج الطفل المؤدب المحبب إلي رفاقه، قريب من الناس، قليل الكلام صاحب أدب جم، كان شديد الالتزام بشعائر الإسلام، وكانت لديه مسحة سلفية غير خافية، عززتها سنوات الدراسة في الثانوية، والعلاقة بالشباب المبهور بالفكر السلفي نهاية التسعينات، لكن لم يتورط في أي عمل مخالف للقوانين الموريتانية طيلة مسار الدراسة والعمل، سوي "تزوير جواز سفر" قالت الحكومة الأمريكية إنه أقر بتزويره من أجل السفر للجهاد، شأنه شأن العديد من الشباب الذي تلقفوا الفكر الجهادي، واستهوتهم ساحات كانت إلي وقت قريب مأوي أفئدة الباحثين عن الشهادة، والمنزعجين من عدالة الغرب العرجاء في المنطقة العربية والإسلامية.
تقول القوات الأمريكية إن الحكومة الموريتانية ابلغتها قبل فترة بأنه كان ينشط ضمن خلية سلفية تم اكتشافها بنواكشوط، وأنه غادر البلد بعد اكتشافه مع عدد من رفاقه، لكنها ظلت دائمة عاجزة عن ربطه بأي عمل ارهابي داخل الوطن، كما لم تجزم القوات الأمريكية بقتاله لها في "أفغانستان"، رغم أنها جزمت بوجوده في الصفوف الأمامية في قتال الحركة (طالبان) ضد تحالف الشمال المدعوم من الغرب.
تقول الرواية الأمريكية إن الشاب أحمد ولد عبد العزيز كان علي صلة بالجماعة الليبية المقاتلة منذ 1992 ، وإنه كان قريبا جدا من المستشار السابق لزعيم القاعدة محفوظ ولد الوالد، وإنه من المقاتلين الأشاوس، لكن مجمل الحجج الأمريكية ظلت فاقدة للدليل بحكم تغييب الرجل عن واقع الناس، وافتقاده لحرية التعبير والحركة بفعل الأسوار الشائكة التي نصبوها فوق "خليج العار" الذي حولوه إلي مسلخة نهاية حكم الرئيس جورج بوش، وحافظ عليه باراك أوباما.
هاجر الرجل بالفعل من موريتانيا إلي تلك المنطقةالآسوية المضطربة، وبها أقام وتزوج ودرس، وربما قاتل ابان الحرب الأمريكية الظالمة علي "طالبان"، قبل أن يعتقل ضمن حملة أمريكية مسعورة ضد كل عربي مقيم في أفغانستان أو باكستان.
تحاول القوات الأمريكية دائما ربط السجين أحمد ولد عبد العزيز بالقيادي في تنظيم القاعدة "عبد الرزاق عبد الباقي"، وتقول إنه كان من بين مقاتلي القاعدة الذين يتقنون العلوم الشرعية إلي جانب القتال، وأنه كان أحد المدرسين البارزين في المعهد الإسلامي بقندهار.
تاريخ علمي وعملي
عاش ولد عبد العزيز سنوات الطفولة الأولي بمسقط رأسه، وفيه تعلم العلوم الشرعية، ودرس الابتدائية، ثم انتقل إلي العاصمة نواكشوط حيث أكمل دراسته الثانوية 1988-1992 ، وسجل في كلية الآداب والعلوم الإنسانية، وكلية الاقتصاد في نفس السنة.
انتقل الفتي الموهوب من دراسة الاقتصاد إلي تحصيل المال وتدبير شؤون أسرته 1994 منشغلا بالتجارة، وكانت تجارة السيارات أبرز شغل مارسه ولد عبد العزيز 1994 إلي 1998 ، حيث سافر إلي أسبانيا، وألمانيا، وبلجيكا، التي تقول التقارير الأمريكية إنه دخلها في الفترة مابين فبراير 1994 وابريل 1994.
بدأت ميوله السلفية تنمو، وبدت أشواق الجهاد الأفغاني تأخذ مكانها في النفس.
وفي سنة 1999 سافر إلي "جلال آباد" عبر تركيا، وفي نفس السنة زار "كابول"، وهي أول زيارة يقوم بها للمدينة المتخمة ساعتها بالجهاديين العرب، وفيها ألتقي بمحفوظ ولد الوالد وأسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة.
رفاق جمعتهم الغربة وفرقهم المصير
بدأ أحمد ولد عبد العزيز دوره كمعلم للقرآن الكريم واللغة العربية وعلوم الفقه والنحو بالمعهد الإسلامي بقندهار، وفيه التقي برفيقه الراحل "النعمان ولد أحمد ولد بلاه" – الذي قضي في قصف لقوات التحالف شمال أفغانستان- وهو أحد مشاييخ الدعوة السلفية ويعرف في الأوساط الإسلامية ب"أبي عبيدة الشنقيطي"، كما تعرف علي "محمد عاطف" الملقب "أبي حفص المصري"، وقد قتل هو الآخر في غارة أمريكية.
تقول تقارير وزارة الدفاع الأمريكية إن أحمد ولد عبد العزيز التقي بزعيم القاعدة "أسامة بن لادن" ثلاث مرات، كان آخرها في زفاف ابنه سنة 2000 والذي كان مناسبة، استعرضت فيها القاعدة قوتها بأفغانستان.
وقد غادر أفغانستان "ديسمبر 2001" مع ابن عمه "أبو حفص الموريتاني"، حيث أقام في منزل بكراتشي.
وقد ظل أحمد ولد عبد العزيز مختفيا مع زوجته في "كراتشي" إلي غاية 2002 ، حيث داهمت المنزل قوة تابعة لجهاز المخابرات الباكستاني، وبعد أسبوعين من توقيفه تم تسلميه للولايات المتحدة الأمريكية.
وقد أمضي أسابيع في قاعدة "باغرام الجوية" بأفغانستان، وفي الثامن والعشرين من فبراير 2002 نقل إلي سجن اغوانتنامو ، حيث ظل رهن الاحتجاز إلي غاية اقلاع الطائرة الأمريكية به فجر الأربعاء باتجاه العاصمة نواكشوط.
سيد أحمد ولد باب / كاتب صحفي