قد يكون هذا بعضا من عناوين المقالات التي أغضبت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في اليومين الأخيرين عندما عبر عن استهجانه لتغطية بعض الإعلام الأجنبي للانتخابات الأخيرة التي فاز بها حزبه بأغلبية كاسحة:
ـ «الغارديان» البريطانية: «انتخابات تركيا تعني التحول من الديمقراطية إلى الدكتاتورية.
ـ «وول ستريت جورنال» الأمريكية: «نهاية النموذج التركي».
ـ «أندبندنت»: «تركيا على الطريق الخطأ وأوروبا تساعدها على السير فيه».
ـ إفتتاحية «نيويورك تايمز»: «تكتيكات أردوغان التخويفية أثمرت فوز حزبه. >
أما إذا جلت قليلا بين القنوات التلفزيونية الكبرى فلن تجد عناء كبيرا في الوقوف عند ظاهرة الإكثار من الضيوف الأكراد، إما من مسؤولي الداخل المعارضين أو من بين أولئك المقيمين في الخارج من تركيا وجوارها ممن لا يخفون جميعا عداءهم الشديد لأردوغان وحزبه. من ذلك على سبيل المثال:
ـ «بي بي سي العالمية»: الأكاديمي التركي محمت أوغور من جامعة «غرينتش» يقول إن الفوز الكاسح لحزب العدالة والتنمية «لا يعد انتصارا للدولة التركية (..) وهو سيؤدي إلى حصول مشاكل جمة، وسيكلف تركيا الكثير وسيسفر عن الكثير من الانقسامات داخل المؤسسات السيدية التركية وتفشي الفساد».
ـ «فرانس 24»: سيفيا إيزولي أيدين، المحامية السورية الكردية المختصة في الشأن التركي تقول إن «هذا الفوز خسارة للديمقراطية وللشعب التركي» فيما مضى عماد حسو، الباحث الكردي في الجغرافيا السياسية إلى حد اعتبار أن «الظروف التي جرت فيها الانتخابات لم تكن نزيهة» وأن «أي انتخابات ديمقراطية نزيهة لا تتم في مثل هذه الظروف» مستعرضا ما سماه « تعرض مكاتب حزب الشعوب الديمقراطي في أنقرة واسطنبول لهجمات، إلى جانب الاعتداء على مؤيدي الحزب وأيضا القصف المستمر لبعض مناطق الأكراد وقمع الإعلام الحر».
أما إذا جلت على بعض وكالات الأنباء فستجد في برقياتها الكثير مما يفهم منه تصريحا أو تلميحا عدم ارتياح، أو حتى تبرم، من نتائج الاقتراع في تركيا وبهذه النسبة من الإقبال العالية. حتى أن وكالة مثل «وكالة أنباء الشرق الأوسط» المصرية لم تشغل نفسها كثيرا بإعلان النتائج وأرقامها بقدر ما انصرفت إلى تخصيص برقياتها إلى جمع كل التعاليق السلبية في صحف المعارضة وفي الصحف الدولية على حد سواء. كما أن بعض الصحف العربية ممن عرف بتحفظ الأحزاب أو الدول أو الجهات التي ترعاها تجاه أردوغان وسياساته لم تتردد من ناحية في تعمد عدم إبراز فوز الحزب التركي ومن ناحية أخرى في عدم إخفاء استيائها من ذلك عبر التعاليق والمقابلات.
الأرجح أن أردوغان لم يلتفت إلا إلى هذه النوعية من التغطيات للحدث الكبير في بلاده، مع أن هناك نوعية أخرى من الكتابات احتفت به ويكفي هنا إلقاء نظرة على مدى الترحيب الذي استقبلت به وسائل الإعلام القطرية الحدث من قبيل ما قالته جريدة «الشرق» من أن «الشعب التركي هو الرابح بفوز حزب أردوغان» وبأن تركيا «شهدت عرسا ديمقراطيا بمعنى الكلمة، وجاءت نتائجه بمثابة انتصار للديمقراطية أحرزه الشعب التركي وحده عن وعي بقدرة حزب الرئيس على العبور به نحو آفاق استقرار وتنمية رحبة» مؤكدة أن «ما يعزز من قيمة هذا الفوز أنه جاء رغم حالة الاستقطاب السياسي وبعض الاضطرابات التي تشهدها البلاد».
ولا شك أن هذا النوع من التعاليق المبتهجة كان حاضرا بقوة في كل وسائل الإعلام المتعاطفة من فترة مع السياسة التركية، الداخلية وفي المنطقة كذلك، ومن بينها طبعا تلك التابعة لحركات إسلامية في البلاد العربية وبعضها يبث أصلا من تركيا مثل تلك التي تقف وراءها جماعة «الإخوان المسلمين» المصرية المطاردة.
مشكلة النظر إلى انتخابات تركيا أنها لم تشأ الخروج عن إحدى دائرتين مغلقتين: الكره أو الإعجاب، وكلاهما سابق للإنتخابات ومستمر بعدها. ومثلما استاء كثيرون من تراجع شعبية حزب أردوغان في الانتخابات التي جرت قبل خمسة أشهر وشمت فيه معارضوه خاصة أولئك المتعاطفين مع نظامي بشار وطهران، انقلبت الأدوار الآن فشمت الأوائل في من كانوا من قبل من الشامتين.
ما كان لأردوغان أن يصدع برأي لا عن هؤلاء ولا عن أولئك، لا داخل بلده ولا خارجها. قوته مع حزبه تجلت في ما أفرزته صناديق الاقتراع وكان يفترض ألا يعير غير ذلك بالا. هو وحزبه أبليا بلاء حسنا وفازا بنسبة أدهشت المحبين وأخرست المناهضين وهذا يكفيه، أما الإعلام في بلده أو في الجوار أو في العالم فمن حقه أن يعلق كما يريد.
هذا لن يزيد نصره وجاهة ولا يبخسه منه شيئا. ربما كان على أردوغان أن يكتفي بتغريدته على «تويتر» المبتهجة بنصره، رغم كرهه السابق المعلن لمواقع التواصل… ويترك البقية تغرد كما تشاء.
٭ كاتب وإعلامي تونسي
محمد كريشان