تودع موريتانيا عام 2014 وهي تنظر للمستقبل، فأغلب الأحداث التي شهدها البلد ما تزال تداعياتها متواصلة، ولعل هذه الأحداث في أغلبها كانت ذات طابع اجتماعي وحقوقي، فاستحقت سنة 2014 أن تكون بالنسبة للكثير من الموريتانيين عام الأحداث والمطالب الاجتماعية، في ظل ركود سياسي نسبي.
الحدث الأبرز في العام جاء في أيامه الأولى، حين دخل البلد في موجة قوية من المظاهرات مطلع يناير (كانون الثاني) 2013 احتجاجا على مقال كتبه شاب يسيء فيه للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد اعتقلت السلطات بمدينة نواذيبو (400 كلم شمال نواكشوط) كاتب المقال وأحالته إلى السجن وما يزال حتى الآن يقبع فيه من دون محاكمة.
في مدينة نواذيبو التي تعد العاصمة الاقتصادية للبلاد وحيث يقيم ويعمل كاتب المقال، كانت الاحتجاجات عنيفة تم خلالها نشوب أعمال شغب أسفرت عن اقتحام قصر العدل حيث كان يحتجز كاتب المقال. أما في نواكشوط فقد توجه المحتجون إلى القصر الرئاسي حيث استقبلهم الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وتعهد لهم بتقديم كاتب المقال إلى المحاكمة، وقال إن «الحكومة ستتحمل مسؤوليتها لمواجهة هذه الجريمة النكراء»، قبل أن يؤكد أن «موريتانيا دولة إسلامية وليست علمانية، وأن الديمقراطية والحريات لا تعني السماح بالمس من المقدسات الإسلامية».
خفت وتيرة الاحتجاجات ضد المقال المسيء بعد خطاب ولد عبد العزيز، غير أن العثور على نسخة من المصحف الشريف ممزقة في أحد مساجد العاصمة نواكشوط، أواخر شهر فبراير (شباط)، أعاد التوتر إلى شوارع كبريات المدن الموريتانية، وخاصة نواكشوط التي حاول فيها محتجون اقتحام الحواجز المحاذية للقصر الرئاسي، واندلعت اشتباكات انتهت بمقتل شاب ينتمي للتيار الإسلامي.
الحكومة الموريتانية فتحت تحقيقا في قضية تمزيق المصحف خلص إلى أن الحادث عرضي ولم يكن مدبرا من طرف أي جهة تسعى للمساس بمقدسات المسلمين؛ واتهمت الإسلاميين بمحاولة استغلال الحادثة لزعزعة الأمن في البلاد وذلك لتحقيق أهداف سياسية، وأقدمت على إغلاق «جمعية المستقبل» ومؤسسات صحية وتعليمية محسوبة جميعها على تيار الإخوان المسلمين.
في خضم مواجهته مع التيار الإسلامي والقطيعة مع المعارضة الراديكالية، كان نظام ولد عبد العزيز يستعد للانتخابات الرئاسية المزمع تنظيمها في شهر يونيو (حزيران)؛ فأعلن تنظيم لقاء بين الرئيس والشباب هو الأول من نوعه، شارك فيه أكثر من 400 شاب موريتاني من مختلف المستويات والتخصصات العلمية والأدبية والاجتماعية.
اللقاء الذي أجري في شهر مارس (آذار) وصفته المعارضة بأنه محاولة للالتفاف على المطالب التي يرفعها الشباب للحد من البطالة وتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، فيما أكد النظام أنه لا علاقة له بالسياسة وأنه يهدف إلى إشراك الشباب في تسيير الشأن العام، حيث أسفر عن قرار حكومي بإنشاء «مجلس أعلى للشباب» الذي أدخل تيارات شبابية في صراع داخلي ما يزال مستمرا، فيما لم يعلن حتى اليوم عن التشكيلة النهائية للمجلس.
المفارقة هي أن أغلب الشباب المشاركين في اللقاء، أصبحوا فيما بعد ناشطين في الحملة الدعائية للرئيس ولد عبد العزيز إبان الانتخابات الرئاسية، وهي الانتخابات التي قاطعتها أحزاب المعارضة وخاضت حملة واسعة لثني المواطنين عن التصويت فيها، فشكلت نسبة المشاركة التحدي الكبير أمام ولد عبد العزيز.
نجح ولد عبد العزيز الذي رفع شعار «تجديد الطبقة السياسية» واستخدم خطابا ينحاز للشباب حتى لقبه البعض بـ«رئيس الشباب»، نجح في رفع نسبة المشاركة لتصل إلى 56 في المائة، وهو ما شككت فيه المعارضة التي قالت إنها لم تتجاوز 36 في المائة؛ كما حقق ولد عبد العزيز فوزا ساحقا على منافسيه الـ4 بعد أن حصل على نسبة 81 في المائة، فيما حصل المناضل الحقوقي بيرام ولد الداه ولد اعبيدي على نسبة 8 في المائة، ليأتي في المرتبة الثانية في أول مشاركة له في السباق الرئاسي بعد أن كان أحد أبرز الوجوه الحقوقية في البلاد ويحظى بسمعة دولية واسعة.
واجه ولد اعبيدي تهما من طرف المعارضة بعد مشاركته في الانتخابات بتشريع فوز ولد عبد العزيز بمأمورية رئاسية ثانية؛ غير أنه ظل يصر على أنه يعارض سياسات ولد عبد العزيز التي أكد أنها «تكرس ممارسة العبودية» في موريتانيا، وقد تم اعتقاله في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عندما كان يشارك في مسيرة حقوقية لرفض ما يسميه هو ورفاقه بـ«العبودية العقارية».
ولد اعبيدي وعدد من أعضاء حركته التي لم تحصل على ترخيص رسمي، يواجهون تهما بالتخطيط لزعزعة الأمن في البلاد، والعمل على زرع الفتنة بين مكونات الشعب الموريتاني، وخاصة تحريض «العبيد السابقين» على التمرد، وهي تهم ينفيها ولد اعبيدي ورفاقه.
في غضون ذلك أثار اعتقال الحقوقيين جدلا واسعا في الشارع الموريتاني الذي انقسم بين مؤيد للحكومة التي ظلت لسنوات تتجاهل أنشطة الحركة، ومن يدافع عن مساعي الحركة الحقوقية ويؤكد أن العبودية ما تزال ممارسة في موريتانيا.
على المستوى الخارجي يعتقد أغلب الموريتانيين أن عام 2014 كان عاما ناجحا على المستوى الدبلوماسي، حيث تولت موريتانيا الرئاسة الدورية للاتحاد الأفريقي، ومكنها ذلك من ترؤس عدد من القمم الدولية الهامة، كالقمة الأفريقية - الأميركية التي انعقدت في واشنطن شهر أغسطس (آب) الماضي، وقبلها القمة الأفريقية - الأوروبية، والعربية - الأفريقية في الكويت؛ هذا بالإضافة إلى المشاركة في قمة مجموعة العشرين في أستراليا الشهر الماضي.
أحداث أخرى كان لها حضورها خلال العام مثل إغلاق السلطات لسجن صلاح الدين المثير للجدل حيث كان يعتقل 14 سجينا سلفيا، وحالة الرعب التي عاشتها موريتانيا من دخول فيروس «إيبولا» إلى البلاد بعد أن وصل إلى السنغال ومالي المجاورتين؛ بالإضافة إلى فيلم «تمبكتو.. شجن الطيور» للمخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساكو، وهو الفيلم الموريتاني الذي نافس في مهرجان «كان» ورشح للأوسك