يعاني معظم آباء تلاميذ المدارس على مدار العام الدراسي بموريتانيا من مشاكل جمة في تجهيز أبنائهم استعدادًا لحضور الدروس ولعل أبرز المشاكل هي تحصيل كتب دراسية للمقررات الطلابية إذ تشهد الأسواق إقبالًا كبيرًا لشراء المستلزمات الدراسية ومن بينها الكتاب الدراسي الذي توفره الحكومة على نفقتها ليقسم بالمجان.
المعهد التربوي الوطني هو المصدر الوحيد لطباعة الكتب الدراسية وتوفيرها للمؤسسات التعليمية على عموم التراب الموريتاني، ويؤكد المعهد أنه وفر هذا العام مئات الآلاف من نسخ كتب المناهج المدرسية للمؤسسات بشكل مجاني، إلا أن العديد من آباء التلاميذ يشتكون من انعدام وجود الكتب التي وجدت طريقها إلى المكتبات التجارية والأسواق وتعرض بأسعار باهظة.
يقول إبراهيم ولد سعيد، موظف في سلك التعليم، وأب لعدد من الأطفال اللذين انطلقوا في الدراسة منذ فترة، لـ"الترا صوت": إن "الكتب المدرسية هذا العام باهظة الثمن وهي قليلة التوفر وكان الحل أن استبدلت كتبًا قديمة بأخرى جديدة بعد أن أضفت مبلغ 40 دولار، وكان المعتاد أن يجد كل تلميذ كتبه في مدرسته دون الحاجة إلى اقتنائها".
يتذمر إبراهيم من غياب الكتاب المدرسي عن المدارس رغم تواتر الحديث عن "سنة التعليم"، التي كان يعلق عليها آمالًا في حصول تغيير في تعاطي الدولة مع المعلمين والطلاب وتحسين المناهج وتوفير الظروف الملائمة للعملية التربوية. ويؤكد استياءه من منع الحكومة أصحاب المكتبات من بيع الكتب المدرسية رغم أنها لا توزعها في أغلب المدارس بل صارت الكتب توزع في الأسواق وعلى حافة الطريق بثمن مرتفع. ويقبل التلاميذ وأولياؤهم على اقتناء الكتب المدرسية من أزقة الأسواق، خاصة ما انخفض سعره قليلًا لقدمه وكونه مستعملًا، فكتاب اللغة العربية للفصل السادس الابتدائي مثلًا يباع بـ 3500 أوقية (ما يعادل 10.5 دولار أمريكي).
يقول حمدي ولد المصطفى، تلميذ في مدرسة خاصة بالعاصمة نواكشوط، لـ"الترا صوت": "كيف نقرأ وندرس ونتعلم ونحن بلا كتب؟ يدفع أهلنا أموالًا طائلة من أجل التسجيل في هذه المدرسة الخاصة لأن التعليم الحكومي ضعيف جدًا ومهمل"، ويضيف: "من يحضر للفصل دون كتبه يقع طرده"، مما جعل الكتاب المدرسي إضافة إلى أهميته بطاقة دخول للفصول الدراسية وتأشيرة لحضور الدروس التعليمية بالمدرسة.
وكانت هيئات تربوية فرنسية متعاونة مع المعهد التربوي في موريتانيا قد رفضت بيع الكتب المدرسية التي ينتجها المعهد بتمويل منها، وأكدت الهيئات الفرنسية للمعهد بأن الكتب التي تطبع على نفقتها لا يمكن أن تكون مصدرًا للربح، جاء ذلك بعد أن بدأ المعهد التربوي في موريتانيا الاستعداد لبيع الكتب المذكورة، وأعدّ أمكنة خاصة بذلك.
وقد أطلقت الحكومة الموريتانية حملة، منذ فترة، لسحب الكتب المدرسية التي تحمل اسم المعهد التربوي الوطني. وبررت قرارها بأنها "لها ملكية الكتب المدرسية وأنها قررت سحبها من الأكشاك والمكتبات بعد الارتفاع المذهل في سعرها"، بينما يرى مراقبون أن السبب الرئيس فيما أثار حماس الحكومة للتحرك هو الحرج الذي أذكاه الإعلام الموريتاني ونشاطات روابط آباء التلاميذ الذين اعتبروا أن "الكتب تباع من أكشاك المعهد التربوي الموجودة في المدارس بسعر رمزي هو 100 إلى 200 أوقية (0.8 دولار) ثم تباع بعد ذلك في السوق السوداء بأزيد من 3000 أوقية (10 دولارات)".
ويرفض عدد من التجار وأصحاب المكتبات تسليم كميات الكتاب المدرسي مبررين رفضهم بأنهم اشتروا هذه الكتب بمبلغ معين وبالتالي أصبحت ملكيتها تعود إليهم وليس للدولة التي هي من باشرت عملية البيع، حيث اضطروا إلى ذكر الجهات التي توفر لهم الكتب بالأسماء ولكن أي تحقيق في ذلك لم يفتح، وظل الباب مفتوحًا أمامهم لمعاودة الكرة والاتجار بمستقبل التلاميذ.
خبر انطلاق الحكومة الموريتانية في توزيع أكثر من 600 ألف نسخة من الكتاب المدرسي مجانًا لم يمثل خبرًا سعيدًا عند كافة الموريتانيين بل اعتبره الكثيرون فرصة للفساد المالي والخدماتي، تم تقديمها على طبق من ذهب للعديد من الفاعلين في قطاع التعليم وفي الإدارات الجهوية التابعة له. وقد طالبت تنسيقية عمالية تضم العديد من نقابات العمال، ضمن عريضة مطلبية ضمت محاور تخص التعليم، الثلاثاء 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 بتوفير الكتاب المدرسي بشكل واسع ليصل كافة الطلبة والتلاميذ الموريتانيين.
وقد اعترف المعهد التربوي بعجز كبير في الكتاب المدرسي على عموم التراب الوطني ينضاف إلى ما انتقده كثيرون من استغلال إنتاجه من الكتب كوسيلة للربح والتجارة، إذ جاء في إيجاز صحفي صادر عن المعهد التربوي الوطني أن "توزيع كميات جديدة من الكتب هي خطوة تأتي لسد العجز المسجل في الكتاب المدرسي، بعد إعلان الرئيس محمد ولد عبد العزيز سنة 2015 "سنة للتعليم".
وأوضح المعهد في إيجازه أن "عملية توزيع الكتب المدرسية ستشمل في المرحلة الأولى محافظات العاصمة: نواكشوط الغربية، ونواكشوط الجنوبية، ونواكشوط الشمالية، بالإضافة إلى العاصمة الاقتصادية نواذيبو، ومحافظات الحوض الشرقي، والحوض الغربي، والعصابة، ولبراكنه، فيما ستشمل المرحلة الثانية باقي محافظات البلاد".
المختار محمد يحيى - صحفي من موريتانيا