تناولت حلقة السبت من صالون الولي محمذن ولد محمودا موضوعا بالغ الأهمية، ألا وهو المخدرات، والمؤثرات العقلية، وقد شهدت حلقة " الصالون" هذه حضور عشرات الشخصيات المتخصصة في القانون من قضاة وشخصيات من علم الاجتماع، وفقهاء، وأمنيين، وخبراء، وصحفيين، تبادلوا الخبرات، والتجارب، والمعلومات حول ظاهرة انتشار، وتعاطي المخدرات، وأنجع السبل لوضع حد لها، والجوانب القانونية، والفقهية، والأمنية في ذلك، وتواصل النقاش حتى بعد صلاة العصر، وتعتبر حلقة اليوم من صالون الولي محمذن ولد محمودا استثنائية بكل المقاييس، وأشاد المشاركون فيها بطرح هذا النوع من المواضيع الهامة لبساط البحث، والنقاش.
أثرى هذه الحلقة كل من المحاضر الدكتور والقاضي محمد ولد الشيخ سيديا ومفوض الشرطة المتقاعد عبد القادر ولد أحمد والمدعي العام السابق أحمد ولد الولي والقاضي هارون ولد اديقبي والدكتور في علم الاجتماع محمد ولد احميداه وفضيلة الشيخ ولد الزين نائب أمين عام رابطة العلماء والأستاذ الخليل النحوي ومفتش رابطة العلماء بونا عمر لي والمفكر أحمد بابه ولد احمد مسكه والدكتور يحي ولد البراء والأطباء الدكتور الشيخ المصطف ولد اربيه والدكتور محمد ولد سيد احمد والصحفي سيد ولد عبيد وغيرهم.
وهذا ملخص من كلمة القاضي محمد ولد احمد ولد ابراهيم ولد الشيخ سيديا في صالون الولي محمذن ولد محمودا الذي قدم كان شاملا شافيا للغليل وقد شفعت للرجل تجربته الطويلة في ميدان التحقيق في ملفات المخدرات , حيث كان قاضي التحقيق المكلف بالتحقيق في تلك الملفات:
أنواع المخدرات وتصنيفاتها
لم تحدد الاتفاقيات الدولية لمحارب الاتجار بالمخدرات تعريفا واضحا للمخدرات ولا إحصاء واضحا لأنواعها بل اكتفت بتصنيفها في جداول أربع حسب الخطورة.
و مع ذالك يمكن تصنيفها إلي ثلاثة أنواع :
المخدرات الطبيعية : و هي مواد مخدرة بطبيعتها من اصل نباتي (الحشيش و الأفيون و الكوكا و القات...)
-المخدرات التصنيعية : تستخلص من المواد المخدرة و تجري عليها عمليات كيميائية تجعلها أكثر تركيزا (الكوكايين و الهيروين الحجر المغربي...)
-المخدرات التخليقية : وهي عقاقير من مواد كيميائية لها نفس تأثير المواد الطبيعية المخدرة وتجري عليها عمليات كيميائية تجعلها أكثر تركيزا (المهدئات والمسكنات والمنومات والمهلوسات...).
ـ أضرار استعمال المخدرات :
يمثل استعمال المخدرات ضررا شخصيا كبيرا علي مستعملها و علي محيطه
الأسري و علي مجتمعه. و يمكن ملاحظة مجموعة من الأضرار التي
تصيب المدمن و منها :
نقص مناعة الجسم
نقص الوزن والضمور و فقدان الشهية
التهابات الجهاز التنفسي والإصابة بالسل الرئوي
قرحة المعدة والتهاب البنكرياس وفشل الكبد والصفراء
تلف خلايا المخ وفقدان الذاكرة
ارتفاع ضغط الدم والذبحة الصدرية والجلطات القلبية
العِنَّة والفشل الجنسي.
أضرار تهريب المخدرات :
يؤدي تهريب المخدرات الي اضرار كبيرة منها :
زعزعة النظام السياسي عن طريق تمويل الحملات الانتخابية و دعم اعمال التمرد و الارهاب
نشر الرشوة في صفوف الموظفين العموميين
نشر الجريمة المنظمة
اضعاف الاقتصاد الكلي عن طريق تدفق الارباح الغير مشروعة
تشجيع الاستهلاك المترف علي حساب الاستثمار الطويل الاجل
التوزيع الغير متكافئ للثروة
اشاعة نوع من عدم الاستقرار الذي قد يطرد الاستثمار
نشر ثقافة الاستفزاز والاختطاف و التصفيات الجسدية
زيادة تكاليف المصالح الصحية
زيادة العبئ علي المصالح الاجتماعية
زيادة اعباء الاجهزة الامنية
حكم المخدرات في الشريعة الإسلامية
اتفق علماء الشريعة الإسلامية في مختلف مذاهب علي حرمة استعمال المخدرات
و المتاجرة بها.
حكم استعمال المخدرات :
تدخل المخدرات في عموم المسكرات ولذالك فهي تشترك مع الخمر في علة الإسكار التي نصت عليها الآية الكريمة ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون)
وفي الحديث أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال كل مسكر خمر وكل خمر حرام. و روي عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما عن أم سلمه رضي الله عنها أن رسول الله صلي الله عليه وسلم نهي عن كل مسكر وكل مل مفتر.
و من هنا يتضح أن في المخدرات ما في الخمر أو أكثر من إضاعة للمال وإثارة العداوة والبغضاء بين الناس.
حكم تهريب المخدرات :
أفتي الفقهاء بأن عقوبة مهرب المخدرات كعقوبة المحارب لاشتراكهما في علة شق عصي الطاعة على ولي الامر، و حمل السلاح، و امتهان القتل، و نشر الرذيلة في المجتمع قال تعالي ( إنما جزاء الدين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الارض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الارض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم)
عقوبة المخدرات في القانون الموريتاني
لم ينص قانون العقوبات الموريتاني الصادر سنة 1983على عقوبة المخدرات. ولكن
القانون رقم 37/930 الصدر بتاريخ 20يوليو1993 المتضمن معاقبة
منتجي المخدرات والمؤثرات العقلية والمتعاطين لها بشكل غير مشروع ,رتب
عقوبات واضحة في حق مستعملي وهربي المخدرات.
1 ـ عقوبة استعمال المخدرات
نص القانون الموريتاني على عقوبات مخففة نسبيا في حق مستعمل المخدرات مقارنة مع
مهربها. ويتضح ذلك من خلال مقتضيات المادة 39 من قانون المخدرات التي تنص على
أنه يعاقب بالحبس سنتين كأقصى حد أو غرامة مالية من 50 000 أوقية إلى 200.000 أوقية أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط.
ولتطبيق هذه العقوبة يجب توفر شرطين:
1-أن يثبت الفحص الطبي أن المتهم يتعاطى المخدرات.
2-أن لا يكون المتهم قد استجاب للعلاج بصورة طوعية.
عقوبة تهريب المخدرات
يعتبر المشرع الموريتاني من بين التشريعات الحاسمة في معاقبة المتاجرين بالمخدرات. وهذا ما عبرت عنه المادة 3 من قانون المخدرات التي نصت علي انه : يعاقب بالسجن من 15سنة إلي 30 سنة و بغرامة مالية من 10مليون أوقية إلي 100مليون أوقية و في حالة العود تكون العقوبة الإعدام.
وترفع العقوبة إلى الإعدام غي الحالات التالية:
-إذا ارتكبت الجريمة في إطار عصابة منظمة
- إذا استعمل السلاح في الجريمة
- إذا أدى استعمال المخدرات إلى القتل
- إذا ارتكبت الجريمة من طرف الأشخاص المكلفين بمكافحة المخدرات
كيفية الإكتشاف المبكر لمتعاطي المخدرات
تحدث فجأة كارثة في الأسرة وتكشف بعد فوات الأوان أن أحد أبنائها وقع في هاوية الإدمان وتبدأ رحلة العذاب لهذه الأسرة وبداية الضياع، علما أنه كان من الممكن تلافى المشكلة لو أن الأسرة تتابع سلوك أبنائها.
وهذا ما يجعلنا . نركز على أهم التغيرات التي قد تطرأ على سلوك المدمن وعلى مظهره.
التغير في المظهر:
تلاحظ بعض التغيرات المظهرية على المدمن منها:
- احتقان العينين وزوغان البصر والضعف والخمول وشحوب الوجه مع ملاحظة اصفراره.
- التعب والإرهاق عند بذل اقل مجهود بدني وارتعاش الأطراف وتغير نبرة الصوت وظهور هالة سوداء تحت العين وتشقق في الشفتين
- اختلال في النظر لدى المتعاطين من حيث اختلاف أحجام وأشكال المرئيات والمسافات
- تغير بالمظهر العام من حيث الوزن والنحافة والبدانة في مدة زمنية وجيزة
التغير في السلوك:
تطرأ على المدمن انحرافات سلوكية غير طبيعية منها:
ـ الانطواء والعزلة والشعور بالاكتئاب
ـ العلاقات السيئة مع أصدقائه
ـ كثرة التغيب عن المؤسسات التعليمية وعن الممل
ـ كثرة النوم وإبدال الليل بالنهار
ـ الميل إلى الخداع والكذب والجنوح للسرقة من البيت
ـ عدم مراعاة مشاعر الآخرين والبعد من الوقار
ـ السلوك العدواني مع البلادة والنسيان والضياع
ـ ضعف في التركيز والذاكرة
ـ القلق النفسي والانفعال
ـ الاستيقاظ متعبا
ـ كثرة العطاس مع إفرازات من الأنف
ـ لا يجيد التعامل مع الأصدقاء ويبدو مكتئبا
ـ يميل إلى الحديث عن الخيال
ـ زيادة طلبه للمال وبيع حاجياته الشخصية
وهذه مداخلة الدكتور الشيخ ولد الزين ولد الامام في الحلقة:
المخدرات في ضوء مقاصد الشريعة
تناول الفقهاء القدماء المخدرات في مبحث المسكرات وقالوا إن المسكرات هي ما أذهبت العقل و قالوا إن رأسها الخمر و حصل الإجماع علي أنها حرام كتابا وسنة وإجماعا فمن الكتاب قوله تعالي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) سورة المائدة وجاء في الحديث لعن شاربها وساقيها وبائعها .
و الخمر التي هي محل النص تكون من العنب و قد حصل الإجماع علي حرمة قليلها و كثيرها و حرمة بيعها والمتاجرة فيها .
غير أنه وقع الخلاف بشأن المسكرات من غير العنب فقال جمهور فقهاء الحجاز وجمهور المحدثين إن قليل الأنبذة المسكرة وكثيرها حرام .
وقال العراقيون إبراهيم النخعي من التابعين وسفيان الثوري وابن أبي ليلي وابن شبرمة وأبي حنيفة إن المحرم من سائر الأنبذة هو السكر نفسه لا العين .
واستدل فقهاء الحجاز بما رواه البخاري ( كل شراب أسكر فهو حرام ) وحديث مسلم (كل مسكر خمر وكل خمر حرام ) فهذان الحديثان الصحيحان هما مستند فقهاء الحجاز ,
كما استدلوا أيضا باللغة من جهة الاشتقاق وقالوا إن الخمر إنما سميت خمرا لمخامرتها للعقل فوجب أن يطلق اسم الخمر لغة علي كل ما خامر العقل .
والاشتقاق كما عرفه سيدي عبد الله في مراقي السعود
والاشتقاق ردك اللفظ إلي لفظ وأطلق في الذي تأصلا وفي المعاني والأصول اشترطا تناسبا بينهما منضبطا ثم إن هؤلاء استدلوا أيضا بأن الوصف المعلل به يثبت باللغة كما يثبت بالنص لأن كل مشروب إذا أسكر سمي خمرا في لغة العرب قال في المراقي وهو للغة والحقيقة والشرع والعرفي نمي الحقيقة وقد يعلل بما تركبا وامنع لعلة بما قد أذهبا غير أن الكوفيين تمسكوا بمحل النص وهو الخمر التي من العنب والتمر وقالوا إن تحريمها ليس لعينها وإنما لأثرها وإسكارها ولهذا أجازوا الأشربة والأنبذة غير الخمر التي يسكر كثيرها ولكن قليلها لا يسكر .
غير أن القرافي قد فرق بين ثلاثة مسميات متشابهة وقد رتب علي هذه الفروق أحكاما فقهية هذه المسميات هي المسكرات والمرقدات والمفسدات فقال إن المرقدات هي ما أذهبت الحواس كالبصر والسمع والشم واللمس وأما المسكرات فهي لا تغيب الحواس وتقع معها نشوة قال الشاعر ونشربها فتتركنا ملوكا وأسدا ما ينهنهنا اللقاء وأما المفسد وهو المخدر فتثور فيه طبائعه فإن كان صاحب صفراء تجد له حدة وصاحب البلغم تحدث له سباتا وصمتا وصاحب السوداء تحدث له بكاء وصاحب الدم تحدث له سرورا بقدر حاله . قال واعتقد أن الحشيشة من المفسدات لا من المسكرات ثم قال وتنفرد المسكرات عن المرقدات والمفسدات بثلاثة أحكام : الحد والتنجيس وتحريم اليسير فالمرقدات والمفسدات لا حد فيها ولا نجاسة فمن صلي بالبنج او الافيون لم تبطل صلاته إجماعا ويجوز تناول اليسير منها فمن تناول حبة من الأفيون جاز ما لم يكن ذلك قدرا يصل الي التأثير في العقل أو الحواس أما دون ذلك فجائز .
إشكال وحله لقد أثار العلامة القرافي فروقا جوهرية بين ماهية الخمر والمخدر تجعل حكم الخمر ليس منطبقا بالكلية علي المخدر ومن هنا أجاز الصلاة به وأكل الحبة والحبتين منه ويترتب علي ذلك عدم منع بيع وتعاطي القليل منه الذي لا يؤثر علي العقل و هذا التفريق أدي به إلي التخفيف عن صاحب المخدر وكان أولي به التشديد عليه وإنما أداه إلي ذلك منهجه الاجتهادي المبني علي القياس التمثيلي الذي هو حمل الفرع علي الأصل لاتحاد العلة الجامعة قال في المراقي بحمل معلوم علي ما قد علم للاستوا في علة الحكم وسم وان ترد شموله لما فسد فزد لدي الحامل والزيد أسد والحقيقة أن الفروق التي بينها القرافي بين المسكر والمفسد يجب ألا تعود الي العلة والحكمة من تحريم المسكر بالإبطال وهنا ينبغي استخدام مسلك إلغاء الفرق كدليل علي صحة الاستدلال قال في المراقي فمنه ما كان بإلغا الفارق وما بغير من دليل رائق ويعني هذا المسلك أن الفرع إذا لم يفارق الأصل إلا فيما لا يؤثر ينبغي اشتراكهما في الحكم .
ينبغي هنا الإقرار بأن قاعدة سد الذرائع لا تسعفنا في الاستدلال علي حرمة منع بيع المخدر لأن الذريعة إذا لم تكن محققة ومباشرة لم يحصل الإجماع علي العمل بها قال في المراقي سد الذرائع الي المحرم حتم كفتحها الي المنحتم وبالكراهة وندبا وردا والغ إن يك الفساد أبعدا أو ظهر الإصلاح كالأساري تفدي بما ينفع للنصاري وانظر تدلي دوالي العنب في كل مشرق وكل مغرب فالعنب وإن كان يؤدي الي الخمر لم يقل أحد بمنع تناوله أو بيعه أو غرسه هذه إشاكلات أربكت النظر الفقهي فيما يتعلق بحسم مادة المخدر والموقف من بيعه وإنتاجه وزراعته ؟ ذلك لأن إباحة الحبة والحبتين يؤدي إلي إباحة القليل غير المسكر لمن ينتفع به سواء كان مسلما أو كافرا ؟
ولهذا انتشرت زراعة المخدرات في بلدان تدعي الإسلامية ثم انتفعت بذلك منظمات كثيرة إسلامية وغير إسلامية فروجت لأفكارها وحققت بعض أهدافها فما هو الحل إذن ؟
الحقيقة أن استخدام الفقهاء للقياس التمثلي كأداة للإستدلال هو الذي أدي إلي تعقيد النظر الفقهي في المسألة . وهذا الإرباك ليس حاصلا فقط في مسألة المخدر بل هو حاصل أيضا في مسائل أخري منها مثلا مسألة الدخان .
فتحريم التدخين مثلا لم يقع الإجماع عليه لأن منهجية الاستدلال علي تحريمه لا تصمد أمام قوادح القياس ولقد قام العلامة حمدا ولد التاه في بعض الحلقات التلفزيونية بنقض القياس المحرم لها بقوادح وقف أمامها المستدل علي التحريم في حيرة .
قال العلامة حمدا في نقضه لذلك الاستدلال إن القول بأنها حرمت لرائحتها الكريهة غير متفق عليه لان وصفها بالكريهة ليس وصفا مؤثرا لأن الثوم كريه ولم يقل أحد بتحريمه.
وأما القول بأنها ضارة فالضرر كذلك وصف مشكك ومن شروط الوصف المعلل به الانضباط فقد رأينا كثيرين استعملوها عمرهم ولم تؤثر عليهم .
وأما القول بأنها سرف وتبذير للمال فلا تكون تبذيرا إلا إذا كانت حراما ومن هنا يقع الدور وهو من قوادح الدليل .
الشاهد في هذا ان القياس التقليدي بأركانه الأربعة قال في المراقي الأصل حكمه وما قد شبها وعلة رابعها فانتبها هذا القياس تعتريه القوادح فلا يصمد أمامها في قضايا كثيرة ومنها مسألة المخدرات .
غير أن القياس الكلي الذي هو حمل كلية علي نظيرتها أو إرجاع جزئية الي كلية قادر علي استيعاب إشكالات العصر وإيجاد حلول شرعية لكل المسائل . ذلك لأنه تم القطع بوجود كليات وقع الإجماع علي وجوب حفظها من جانب الوجود ومن جانب العدم وأنها قصد الشارع في التكليف وهذا الكليات الخمس أو الست هي : الدين والنفس و العقل والمال والنسب والعرض قال في المراقي دين ونفس ثم عقل نسب مال الي ضرورة تنتسب ورتبن ولتعطفن مساويا عرضا علي المال تكن موافيا فهذه الكليات جميعها يؤثر عليها المخدر من جانب الوجود و من جانب العدم فصاحب المخدر قاتل لنفسه ومغيب لعقله ومبذر لماله وهاتك عرض نفسه وأعراض الآخرين .
لقد سمي الشاطبي هذا الدليل بالإستقراء الكلي قال في المراقي ومنه الاستقراء بالجزئي علي ثبوت الحكم للكلي
فإن يعم غير ذي الشقاق فهو حجة بالاتفاق وإذا صح الإستقراء في المسألة وجب تحريمها ومنع تعاطي قليلها وكثيرها ومنع بيعها والتعامل فيها منعا أشد من الخمر بل ربما يكون التعزير في حقها يصل الي أشد عقوبات المحاربين ولقد قيل إن الحبس المؤبد نفي وموت كما قال أحدهم :
خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها فلسنا من الأموات فيها ولا الأحيا إذا جاءنا السجان يوما لحاجة عجبنا وقلنا جاء هذا من الدنيا إن الاجتهاد المقاصدي المبني علي القياس الكلي قطعي في الشريعة وهو دليل علي صلاحيتها عبر الزمان والمكان .
ذلك لأن المحافظة علي هذه الكليات مستفاد في الشريعة بالقطع من نوازل متعددة حصل القطع بمجموعها بان الشارع قصد المحافظة علي هذه الكليات ولو لم نجد نصا في آحادها كما يقول الشاطبي .
وفي مسألة المخدرات نقطع بأن الشارع أراد المحافظة علي كليات كبري وكل ما أدي إلي الإخلال يبعضها أو كلها وجب منعه وتحريمه بحسب ما يؤدي اليه من إفساد ومفاسد, وهذا ما أجمعت عليه المجامع الفقهية المعاصرة .
بقي في الأخير التنبيه الي أن المخدرات لم تعد فقط مادة تستعمل ولكنها أضحت مصدرا لتمويل شبكات الإرهاب والتطرف سواء كان دينيا أو غير ديني ولعل غياب الفهم الصحيح لمقاصد الشرع هو ما سهل علي المتدينين بيعها والاستفادة منها في أغراضهم .
والله أعلم
الدكتور الشيخ ولد الزين ولد الامام
انواكشوط
صالون الولي محمدن ولد محمودن
5دجمبر 2015-12-05