يقول العلامة محمد سالم ولد عدود في ندوة "الشيخ سيديَ التأثير والإبداع أعمال ندوة أبي تلميت 2006، "كاد يكون الشيخ سيديَ أسس دولة هنا، وحَّد بين الناس وأصلح ذوات البين التي كانت فاسدة وراسل الملوك والأمراء وذهب هو بنفسه في هذه المهام وأوفد ابنه الشيخ سيدِي محمَّدْ إلى منطقة لگرَار"
ويقول الكاتب السياسي محمد يحظيه ولد ابريد الليل: "ما إن انتصف القرن التاسع عشر حتى بدأت هواجس ونيات الحاكم الفرنسي في السنغال، الجنرال فيدرب Faidherbe واضحة: اقتلاع إقليم الوالو من إمارة الترارزة، وحماية السكان المزارعين على الضفة اليسرى للنهر ضد البيضان. لقد بدا هذا الجنرال توسعيا متغطرسا، فهبَّ الشيخ سيديَ الكبير واقفا في وجهه، مشكِّلا بذلك رمزا وقلبا لرفض احتلالٍ مرتقبٍ منظور. "عندما يصعد الفيل نتوءا صخريا، فإنما ليزداد عظمة" كما يقول المثل البوركينابي. ثقافةُ الرجل الواسعة فتحت عينيه أكثر من رجالات عصره، فحاول تأسيس جبهة للمقاومة بجمعه الأمراءَ الذين تسنَّت لهم فرصة التعبئة في أجَل معقول والتموقع غربَ رأس آكرراي؛ ولكن هيهات! من يستطيع وقتَها أن ينظر بعيدا؟ لقد كان ذلك الطلَبُ أكبر من هؤلاء القادة، ومن تلك العقليات، ومن ظروف ذلك الزمان".
ما سقناه أعلاه مما قاله العلامة عدود والكاتب ولد ابريد الليل إن دل على شيء فإنما يدل على بعد نظر الرجل، فالشيخ سيديا الكبير كان لديه مشروع دولة مستقلة في المنتبذ القصي، لايريدها مستعمرة فرنسية ولايريدها تابعة للعرش المغربيK لقد حددت فرنسا سياستها الجديدة فى رسالة أرسل بها الإمبراطور نابليون الثالث إلى الحاكم الفرنسي فى السنغال "بروتيهProtet " فى : وضع حد لمطالب اترارزة واعتداءاتها و تأكيد السيادة الفرنسية على نهر السنغال و حماية المزارعين المستقرين ضد غارات السلب التى تقوم بها قبائل "المور" وفى سنة 1854 عُين النقيب لويس فيدرب " Louis Faidherbe " المعروف عند البظان ب " امّيْسَ فدْرُو" حاكما للسينغال فى وقت كان الوضع بين الفرنسيين والأمير محمد لحبيب متأزما وبنى فيدرب سياسته على : تقوية السيطرة الفرنسية فى السنغال وتوسيع نطاقها والضغط على القبائل الموريتانية، وإعادة صياغة العلاقات الفرنسية معها واكتشاف موريتانيا وجمع المعلومات عنها ولخص فيدرب برنامجه التوسعي اتجاه موريتانيا بقوله:" لا بد من أن نملى إرادتنا على رؤساء "المور" من أجل تجارة الصمغ، كما يجب إلغاء موانئ التبادل التجاري... باستخدام القوة إذا فشلت وسائل الإقناع، وينبغى إلغاء كل الإتاوات.. وعلينا أن نكون أسياد النهر، كما يجب تحرير " والو " بانتزاعها من الترارزة، وحماية المزارعين على الضفة اليسرى ضد المور ، مواجهة لذلك تم التحالف بين الترارزة والبراكنه فقد أبرم محمد لحبيب حلفا مع أمير لبراكنة امْحمد بن محمد بن سيد بن المختار بن آغريشي المعروف بامْحمدلْسيد، بمبادرة من الشيخ سيديّ الكبير الذى هيأ اللقاء بينهما فى حصرة " تندوجه " مؤتمر القمة الذي حضره كبار شيوخ وأعيان اترارزه ولبراكنة وآدرار وتگانت، وتم خلاله الإتفاق على توحيد الجبهات للتصدي للنصارى المتربصين وما موثبة الشيخ سيدي محمد ولد الشيخ سيديا " حماة الدين " إلا صدى واستجابة واعية لتك التربصات ، شن حلف اترارزه ولبراكنه هجوم على سان لوي سنة 1855م وسنة 1856أسسو محلة مشتركة قرب " سهوتْ الماء " وقد بعث فيدرب يتوعد الشيخ سيدياالكبير فرد عليه الشيخ سيديا :
" بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله ، الملك الحق ،العلي العظيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد نبيه ،ورسوله الكريم وعلى آله وصحبه ومن تبعهم على دينهم القويم ، هذا وإنه من عبد ربه الغني به :سيديا بن المختار بن الهيب ،طهر الله منه الجيب ،وستر منه العيب ،وأصلح الشهادة والغيب ، إلى "فضرب " أمير اندر الذى خفي عليه كثير من حقيقة الوبر ، سلام على من إتبع الهدى ،وخاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوي ،أما بعد :فأعلم يا " فضرب " أن مكتوبك وصل إلينا ،وقدم به حامله علينا ، فنظرنا فيه ، فإذا هو مشتمل على أسلوب من الكلام لم يواجهنا بمثله أحد من الأنام لما فيه من الجرأة والتوعد بالإنتقام إن لم نردإليك مانهبه أولاد أحمد من مالك ومال عيالك، فأعلم أننا ندعوك إلى الإسلام ، ونأمرك به أمر إجارة لتنجو به من النار وتخلد به فى الجنة خلودا ملازما ،والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ،فأسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين وتفز بما فيه لك قرة العين وانبذ عنك شهاب الكفر بدخانه ، واستضئ بضياء دين الله تعالى و إسلامه ، وإيمانه وإحسانه ،تتحف بمغفرته سبحانه لجميع ما مضى من ذنوبك لأن الإسلام يجب ما قبله وينشر الله به على العبد رحمته ونعمته وفضله "
تقول الباحثة الكبيرة جنفييف ديزيري فيليمين: وهي التي قدمت لمذكرات فرير جان وعلقت عليها، تقول جنفييف: "كانت مفاجأة الجنرال فيديرب كبيرة عندما علم أن مصالحة قد تمت في أبي تلميت سنة 1856 بين أمراء البراكنة والترارزة وآدرار وتكانت"
وقد خاض ذلك الحلف عدة مناوشات مع فرنسا كان من نتائجها أن أفضت إلى توقيع اتفاقية مع كل من أمراء الترارزة والبراكنة و إدوعيش، حددت فيها موانئ التبادل التجاري : مينائي " ماتام وبكّلْ " للتبادل مع إدوعيش ميناء " پُودُور" للتبادل مع لبراكنه ْ، و مينائي " دگانه و سان لوي" للتبادل مع اترارزه ويتعهد الحاكم الفرنسي من طرفه بأن يحذر التجار الفرنسيين من المتاجرة خارج الموانئ المذكورة، على أن يتقاضى الأمراء المور نسبة مئوية من محصول بيع الصمغ الذى يتم تبادله على الضفة اليمنى لنهر السنغال، وعضد الشيخ سيديا ذلك بأن طلب من سلطان المغرب المعاصر له السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمن بن هشام العلوي العون بالمال والسلاح، إلا أن السلطان المغربي لم يستجب لطلب الشيخ سيديا، ولم يزوده بالسلاح لا هو، ولا الإمارات، وخصوصا إمارة الترارزة التي كانت تخوض حربا شرسة ضد الفرنسيين بالسنغال، وشرع الشيخ سيديا في محاولات محليَّة معروفة لصناعة البارود والذخيرة عند تامرزكيت "ميمونة السُّعْدى" وتندوجة، فجمع لذلك ما هو متاح من مواد أولية من بارود وحجارة وصلب وفحم مستعينا بمهارة الصناع التقليديين.
يرجع بعض الباحثين إحجام ملك المغرب عن مد يد العون، إلى سعي الشيخ سيديا للاستقلال وعدم مبايعته للعرش العلوي.
كان ذلك مشروع الدولة المستقلة عند الشيخ سيديّ الكبير، لكن كما قال ولد ابريد الليل: هيهات! من يستطيع وقتَها أن ينظر بعيدا؟ لقد كان ذلك الطلَبُ أكبر من هؤلاء القادة، ومن تلك العقليات، ومن ظروف ذلك الزمان"
وذات الموقف سيقفه حفيده وسميّه الشيخ سيديّ باب الذي وجد نفسه بين سندان فرنسا ومطرقة المغرب، فنظر إلى الواقع والمآل فاختار المتحول عن الثابت ففرنسا مهما استعمرت فستجمع شتاتها ذات يوم وترحل بعد وضع حد للسيبة في البلاد السائبة، أما العرش العلوي فالمنتبذ القصي أحد أقاليمه الجنوبية.
ويتضح ذلك أكثر من خلال رسالة الشيخ حسنه ولد الشيخ ملعينين إلى الشيخ سيديّ "بابه" بأمر من والد الشيخ ملعينين:
"رسالة من حسنه ولد الشيخ ملعينين إلى الشيخ سيديّ "بابه":
الحمد لله وحده، وصلى الله على من لا نبي بعده، إلى الرجل الشهم، الشيخ سيديّ، حفظه الله. سلام لا يمكن للسماء أن تغطيه ولا يمكن للأرض أن تحويه. إن الهدف من هذه الرسالة هو إخبارك أن المسلمين، من أمثال أولاد عيدّه ، أهل اسويد أحمد، أهل سيدي محمود وأهل امحيميد اشتكـوْا إلى الشيخ ملعينين من النصارى، وطلبوا منه أن يقوم بمبادرة لصالحهم لدى سلطان المغرب. وعندما اتصل الشيخ بالسلطان، نبـّـهَ السلطانُ النصارى أن بلاد البيظان ملك له، وأنه من غير المقبول أن يضموها لأملاكهم. فأجاب النصارى بأن بلاد البيظان أرض سائبة، وبالتالي يستحقها أول من حل بها. غير أن السلطان رد بأن هذه الأرض التي حل بها النصارى تعود إليه منذ عهد اعلي شنظوره، وأن اعلي شنطوره كان لديه خاتم مـُـنح له بهذا الخصوص. هكذا طلب الفرنسيون دليلا على ما قاله السلطان، فتم الاتفاق على تقديم هذا الدليل في مهلة سنة من الآن. وإذا حصل النصارى على هذا الدليل فإنهم سينسحبون ويعيدون كل ما استولوا عليه في بلاد البيظان. هذه الأحداث شجعت السلطان على إرسال بعثة على رأسها ابن عمه وكاتبه وأحد قادته العسكريين. البعثة المذكورة تأتي لتتلقى مبايعة المسلمين ولتدعم بالسلاح وبالمقاتلين من يرغبون في ذلك. وعندما تتم مبايعة ممثلي العرش الشريف، فإن ذلك سيكون بمثابة حجة أخرى. إذن، في حالة أن النصارى انسحبوا من البلاد، ستـُـحل المشكلة، وإلا فلا مناص عن الجهاد. وعندها فإن الذين يدافعون عن الدين سيجدون الدعم، والذين يصطفون مع الفرنسيين سيُـعتبرون أعداء. إني لأنذرك قبل فوات الأوان، وأطلب منك العون للدفاع عن الدين. يجب الإسراع، فالوقت يمضي.. والسلام حررت بأمر من الشيخ ملعينين يوم 15 رجب 1323 هجرية.
"15 سبتمبر 1905 م"
توقيع حسنه ولد الشيخ ملعينين.
ويرى المفكر الكبير محمد ولد مولود ولد داداه رحمه الله أن للبيظان وطنا يمتد من وادي درعة شمالا حتى نهر السينغال جنوبا، ومن المحيط الأطلسي غربا حتى أزواد شرقا، وهو ذات الوطن الذي رسم الأستاذ المختار ولد داداه حدوده في خطابه التاريخي بمدينة أطار سنة 1957م
كامل الود