حدثتني إحدى الصديقات أنها كانت ذات يوم منذ سنوات في وزارة التقنيات الجديدة إذ دخل رجل عليه سمة الوقار لفت انتباهها غضه بصره عن الفتيات اللواتي كانت تجالسهن في أحد المكاتب، ثم سأل عن أحد الموظفين في الوزارة وقالت: عندما سألت عنه قيل لي إنه الدكتور يحيى ولد حامدن أعجبت بالرجل أيما إعجاب وكنت سمعت الكثير عن عبقريته وعلمه فضلا عن أسرته وقبيلته وفجأة برقت في ذهني فكرة غريبة لماذا لا أسعى أن أتزوج هذا الرجل؟
كنت حينها عانسا من عوانس انواكشوط اللواتي يتجاوز عددهن الحصر، وهكذا بدأت العمل لهذه الفكرة، رأيته يعانق صديقه الذي جاء يبحث عنه ورأيتهما يتبادلان أرقام التلفونات... ثم جئت بعد ذهابه لصديقه الذي كنت أيضا أعرفه وطلبت منه تلفونه لأعمل منها مكالمة مدعية أن رصيدي قد انتهى ولدي مكالمة عاجلة، لم يكلفني الأمر كبير جهد سجلت الرقم وتنحيت جانبا وبعثت لولد حامد رسالة كانت كالتالي: "أنا أيضا معجبة بك لكن ليس بالإمكان لقائي فأهلي يشددون علي كثيرا".
لم تمض نصف ساعة حتى رن تلفوني وتأملت المتصل ورجف قلبي وأنا أقرأ: "yaya" وكنت قد قلت وأنا أختار له هذا الإسم "يايا، يا محقق الأماني.. ياواهب النعم" خرجت عن زميلاتي واجتهدت في نغمتي وما إن ضغطت الزر حتى وصلني صوته هادئا قلقا:
ـ السلام عليكم ... ـ وعليكمو السلام .... ـ هل أنتِ صاحبة هذا الرقم؟ ... ـ نعم من أنتم ... ـ وصلني منكم مساج لم أفهم معناه ... ـ هل أنتَ صاحب هذا الرقم؟ ... ـ نعم ... ـ المساج جواب للمساج الذي جاءني... ـ أي مساج تعنين؟ ... ـ هل أنت يحيى ولد حامدن؟ ... ـ نعم ولم أرسل لكم مساجا من هذا الرقم مطلقا...
أزعجتني صرامته وصارعت كلمات أراها قريبة من النهاية وقلت له: ـ اسمع لا يمكنني الحديث أكثر لكن المساج رآه خطيبي وترتبت عليه أمور لم تكن في الحسبان... ـ اسمعي إن كان حقا جاءك مساج مني فأنا لم أرسله تأكدي من ذالك...
تحليت بالصبر وأعرضت عن كرامتي وقلت له: ـ هل بإمكانك أن تقابلني لنحل المسألة ونعرف من أين جاء المساج وهو ما سيخدمني ويعيد الطمأنينة لخطيبي؟
صمت لحظة ... ثم جاءني صوته: ـ لا مانع لدي أين أنت؟ ـ غدا في الوزارة التي زرتها اليوم سنلتقي.
بت ليلتي أرتب أموري وأحكم خططي كنت أدرك أنني أملك قدرا من الجمال سيكون هو المعول الأول ثم سأريه أنني محافظة جدا لا شك أن بني ديمان يهمهم ذلك ثم سأحاصره ولن يجد مني مهربا.
سجلت رقم تلفوني الثانية في الرقم الذي كلمني عليه وكتبت مكان الإسم رقمه هو حتى إذا اتصلت منها طلع الرقم وكأنه هو المتصل وكتبت مساجه كالتالي: "أنا معجب بكِ، هل يمكن اللقاء؟، أحيانا يكون 1+1 يساوي 3/ يحيى ولد حامدن"،
كنت أملك يدين جميلتين زينتهما بخاتم يبرز بياضهما وتجنبت الطلاء تاركة بقايا من حناء قانية الحمرة تزين نصف أظافري وقلت في نفسي رجل يعيش في بلاد "النصارى" ربما يحن لبنات وطنه وللحناء الطبيعية.
وهكذا اخترت ملحفة "ساترة" وهادئة لكنها تبرز تباين ألوان وجهي الذي سرقت له زينة لا يكاد الرائي يلاحظها ولم تصل الساعة التاسعة حتى كانت تاكسي تحطني أمام الوزارة.
دخلت وأنا أعيش أحلامي، وتصورت نفسي زوجة لعالم الرياضيات الكبير الدكتور يحيى ولد حامدن وتصورتني أقيم له كؤوس الشاي في صالونه الفسيح في فرنسا ومعه نخبة من علماء الرياضيات، لا شك أن الشاي الموريتاني المنعنع "المرغوي" سيأخذ بمجامع قلوبهم ربما يساعدهم في حل معضلات من الرياضيات،
ثم تصورت الصحف الفرنسية تكتب عني: "عالم الرياضيات الموريتاني يدخل القفص" والصحف الموريتانية: "الفتاة ليست ابنة عمه لكنه وهبها نفسه" وتضايقت قليلا وطاف بذهني أن بني ديمان سيصبحون أصهاري وربما لن أتمكن أبدا من فهم ما يقولونه و لم أقبل لتلك الفكرة أن تنغص علي سعادتي،
مررت أمام "طلابة الصدقة" التي كنت أراها كل يوم تجلس أمام باب الوزارة فتحت شنطتي وأعطيتها مائتي أوقية التي كان من المفروض أن أشتري بها الحليب في يوم طويل من أيام العمل في الوزارة ونويت الصدقة عن "سعدي" ومررت بجانب البواب، سلمت عليه وابتسمت له وكان "لحلاحا" فخاطبني:
ـ "غزيتي أل اتسلم أرانك لك أزين أعليك الظحك من التكشار أنت اليوم أثرك أشطاري فيك؟"
لم أجبه ودخلت المكتب وقلت لزميلتي التي معي في المكتب: لدي زائر اليوم إن جاء أريد منك أن تتركيني معه ولا تدعي أحدا يدخل علينا.
رمتني بنظرة تعجب وسألتني: ـ من هو؟ لجأت للصراحة: ـ الدكتور يحيى ولد حامدن، فغرت فاها وخاطبتني: ـ ياش مانك بسيطة. ابتسمت وقلت لها: ـ بعض العمل فقط.. زاد عجبها وقالت: بعض العمل؟ وهل لدينا عمل هنا؟ لم يطل الانتظار رن هاتفي وإذا به يسأل أين أنت؟
دخل والهدوء يحيط به وتبادلنا السلام وكنت في غاية الارتباك وضاعت مني كل الكلمات التي حضرتها له وسألني هل يجلس على الكرسي وقلت له طبعا نحن الموريتانيين ليست لدينا تلك الآداب،
وهكذا استعدت بعضا من شخصيتي ورفعت إليه بصري كان رجلا وقورا وسيما لا يملك الكثير من الشعر في مقدمة رأسه لا يظن من يرى بشرته أنه يعيش في "الخارج" بل هو رجل موريتاني بسحنته التي يعلوها الاسمرار، بادرني:
ـ سيدتي تأكدي أنني لست من أرسل ذلك المساج، اقتربت منه قليلا وفتحت تلفوني وأنا أمسك بطرف ملحفتي على فلا يرى مني إلا اليدين وبحركة أنيقة كشفت له عن المساج وسألته:
ـ هل هذا رقمك؟ رنا للهاتف وللحظة أراد أن يمسكه لكنني كنت أود أن يركز على يدي ثم أخذ يقرأ المساج وأنا أمسك هاتفي، وخاطبني:
ـ هذا أمر غريب جدا، كنت أعلم أن المكالمات تتداخل أثناء الحديث في الهاتف لكن أن تتداخل الرسائل النصية فهو أمر غريب،
وبدا لي أنه في ورطة حقيقية أردت إخراجه منها فهو ذكي وليس في صالحي أن يفكر ويكتشف أنها خدعة وخاطبته:
ـ ليست هناك مشكلة هذا فقط من حسن حظي أنا أن أتلقى كلمات منك حتى ولو لم تكن منك حقيقة، وابتسمت ولأول مرة ينظر إلي وللحظة ظننته أطال النظر فخفضت بصري متظاهرة بالحياء، وقال بصوت حازم:
ـ لكن أنا ما يهمني هو إصلاح ما أفسدته هذه الرسالة بينك مع خطيبك سأخبره بأنني لم أكتبها، وبادرته لا يهمك فيه شيئ لقد ذهب "إذا حضر الماء بطل التيمم" أنا منذ تلقيت تلك الرسالة لن أخاطب رجلا آخر، وأجابني بسرعة:
ـ سيدتي أنت تعيشين في وهم تلك الرسالة غير موجودة فأنا لم أكتبها وبالتالي هي وهم،
ـ لا تهمني الرسالة المهم أنت،
ـ سيدتي أنت فتاة جميلة ولا شك أن كل رجل يتمناك لكن أنا لا أصلح لك...
ـ كيف لا تصلح لي ما الذي ينقصك؟
ـ أنا لا أفكر في الارتباط...
ـ لماذا لا تفكر فيه ما الذي ينقصك؟ خيمة الأب أم العقل أم العمل؟
ـ الأمر ليس بتلك الدرجة من البهاء التي تتصورينها...
ـ اسمع أنت لو كنت راغبا في،،، أنا أيضا ابنة خيمة "كبيرة" فلن أرفضك، ومتأكدة أننا سنعيش في سعادة...
ـ سيدتي أنت تظنين أن السعادة مرتبطة بالزواج من الأذكياء أو الميسورين أؤكد لك أن الأمر ليس كذالك، السعادة أمر آخر يتعلق بالتوافق الروحي والانسجام الاجتماعيٍ، هل تعلمين أن زوجة أرسطو كانت تكرهه وكانت تمطره بالشتائم؟ هل تدركين أن زوجة نيوتن ربما تكون انتحرت؟.
تعبت من مجادلة ولد حامدن وفجأة قلت له: ـ سأخبرك الحقيقة أنا كذبت عليك واخترعت المساج طمعا في الزواج منك لأنني معجبة بك ولعن الله العنوسة التي تجعل الإنسان يدوس على كرامته وخاطبني وصوته يمتلأ بالحنان وكأنه أخي الأكبر:
ـ اسمعي ليس عليك أن تلومي نفسك لأن المجتمع اخترع عادات عسرت الزواج فأنت فتاة في غاية الجمال ولو كنت في مجتمع سوي لكنت تزوجت ممن هو أفضل مني.
قالت صديقتي، عندما خرج ولد حامدن دخل أحد الزوار وخاطبني: هل هذا الدكتور ولد حامدن؟ هل تعرفين أنه الثالث عالميا في الرياضيات، خاطبت نفسي لكنه الأخير في الترتيب في مجال "تنسوي"
قلت لصديقتي لقد وهبك كنوزا من الحكمة في حديثه القصير لكن مهمتك أعمتك عن ذلك، صحيح على الفتيات أن يدركن أن السعادة في الزواج لاتتعلق بالمال ولا الجاه فكم من فتاة تبيت تبكي في قصر زوجها المنيف، وكم من أخرى تلتحف السعادة في بيت تخفق فيه الأرواح.
نقلا عن صفحة المدونة مريم زيدون