كانت الساعة الحادية عشرة ليلا عندما وضعت رأسي على الوساد مقبلا على نوم طويل ممل، فمنذ فترة لا بأس بها "سحفاني" الشيطان فلم أعد أحلم إلا في القيلولة، أما في الليل فأكون عاطلا عن الأحلام في الغالب و"أفرقع أصابعي" في نومي.
وقد تأخرتُ ليلتئذ في النوم، لأني في الظروف الطبيعية أنام مع العجائز وأستيقظ مع أول ديك.
كنتُ حينها عند أقارب لي، فنمت في بلكونة مقابلة لباب المنزل، وفي الساعة الثالثة صباحا طرق الباب طارق، فانتبهت وسألته فإذا هو ابن الأسرة وهو شاب ظريف يتدرب على السهر طوال العام استعدادا لرمضان، فبحثت عن المفتاح فلم أجده فعرفت أن رب الأسرة أخذه معه إلى غرفته ولم يكن الزمان ولا المكان مناسبين لإيقاظه في تلك الساعة، فأخبرت الشاب بذلك فجعل يقول لي إنه يخاف الكلاب (وليس اللصوص). ثم ناولني دراعته من النافذة و استقر به الرأي أن أفتح له باب سطح المنزل ليتسلق وينزل معي آمنا مطمئنا. فصعدت وفتحت الباب ثم أطللت عليه لأرى ما سيصنع.
في المحاولة الأولى تسلق حتى بلغ ثلاثة أمتار ثم اضطرب وسقط على مؤخرته، فنزع قميصه ظنا منه أنه يعيق تسلقه، ثم عاود الحويل حتى إذا قطع مترين سقط مرة أخرى فاستنتج أن ما يعيقه ليس القميص وإنما السروال، فذهب إلى نافذة غرفته في المنزل وطرقها وطلب من زوجه أن تعطيه سروالا، فجعلتْ تلومه وتوبخه وهو صابر محتسب، لا يجيبها –على غير عادته- خشية أن تغضب فلا تعطيه السروال، وبعد دقائق من العتاب أعطته ما يبتغي، فلبس السروال بفرح وسرور ثم تسلق للمرة الثالثة وهو يبتسم متيقنا بوصوله وأنا أبتسم متيقنا بسقوطه، وما هو إلا أن قال "أبْعنْ" للمرة الثالثة، حينها نظر إلي وقال لي بعد أن اكتشف السبب الحقيقي لسقوطه: "آن يخويَ عندي عني زايد وزني".
سقط هنا وهناك، وتحدى قوانين الفيزاء، وخادع الجاذبية حتى نجح أخيرا في الوصول للسطح ثم نزلنا وهو يحمد الله.
وقد تضاعف ضحكي وتضاعف ألمُه في ركبتيه عندما اكتشفنا أن رب الأسرة كان قد وضع المفتاح تحت وسادي. عشتم طويلا.