لم يكن الناشط الحقوقي الموريتاني بيرام ولد الداه ولد اعبيدي يتوقع أن الأمور ستنقلب عليه لهذه الدرجة في عام 2015، وهو الذي حقق انتصارات غير متوقعة في العام الماضي حين كان من ضمن المرشحين الثمانية لمنصب رئيس الجمهورية، بل وأكثر من ذلك حين حلّ في المرتبة الثانية بعد الرئيس الحالي محمد لد عبد العزيز.
مكاسب كثيرة حققها الرجل الأكثر إثارة للجدل في البلاد خلال عام 2014، ففتح له الإعلام الرسمي وجاب جميع ولايات موريتانيا، ليمرر خطابه في أوسع حملة دعائية يستفيد منها الرجل منذ أن بدأ نضاله الحقوقي ضد العبودية قبل سنوات قليلة.
إلا أن الأمور انقلبت وتغيرت الأوضاع بشكل مفاجئ، ليتحول من منافس على مقعد الرئيس إلى أشهر سجين في موريتانيا؛ وبعد أن جاب ولايات البلاد في أقل من أسبوعين، ها هو يتجول من ثكنة عسكرية إلى ثلاثة من أشهر سجون البلاد في أقل من عام.
بدأت رحلة بيرام ولد الداه ولد اعبيدي، زعيم مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية "إيرا" صبيحة يوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2014، حين كان يسابق الزمن في مدينة روصو لاستكمال إجراءات السفر خارج البلاد في رحلة علاجية رفقة سائقه الداه ولد بوسحاب، غير أن اتصالا هاتفياً قبل عبور نهر السنغال بدقائق، من طرف نائبه إبراهيم ولد بلال غيّر مجرى العبور نحو رحلة أخرى لم تكن لتخطر على بال المناضل الحقوقي وهو الخارج لتوه من مؤتمر صحفي بنواكشوط أعلن فيه عن منعطف جديد في "خطه النضالي".
على بعد 15 كلم شرق مدينة روصو، بالقرب من مسقط رأسه، كان بيرام ولد الداه ولد اعبيدي ينتظر قافلة حقوقية نظمتها حركة "كاوتيل" ضد ما سمته "العبودية العقارية" في مناطق الضفة، أراد زعيم إيرا أن يوجه التحية للقافلة قبل أن يواصل رحلته نحو السنغال.
تغير مجرى الأمور بعد تدخل الأمن الذي وصف القافلة بأنها "تجمهر من شأنه الإخلال بالأمن والتحريض عليه"، لتبدأ مواجهات عنيفة في مشهد لم يألفه سكان المنطقة، انتهى بتوقيف بيرام وتسعة من رفاقه.
المحطة الأول من الاعتقال كانت مقر كتيبة الدرك الوطني بمدينة روصو، وفي اليوم الرابع أحيل إلى قاضي التحقيق الذي أودعه السجن المدني بروصو، محطته الثانية، وذلك في انتظار محاكمة لم تتأخر كثيراً، في يوم 11 يناير 2015 أعلن الحكم بالسجن عامين نافذين في حق زعيم إيرا ورفاقه.
لم يكن الموقع الجغرافي للسجن المركزي بمدينة روصو، ولا ارتفاع درجات الحرارة حينها ولا حتىمستوى الخدمات الضعيف في السجن، كل هذه العوامل لم تكن لتسمح للسلطات بالإبقاء عليه هناك، فقامت بنقله في وقت متأخر من ليل 12 يناير إلى السجن المركزي بمدينة ألاك، المحطة الثالثة في رحلة اعتقال الرجل.
أثارت عملية نقل ولد اعبيدي من سجن روصو إلى ألاك جدلاً قانونياً وحقوقياً واسعاً، فيما ظلت السلطات القضائية الموريتانية تؤكد أنها التزمت بالمساطر القانونية، رافضة الاستجابة للضغط الكبير الممارس عليها من طرف جهات داخلية وأخرى أجنبية.
أما مناضلو حركة إيرا فلم يؤثر طول الزمان ولا بعد المكان على نشاطاتهم الاحتجاجية، محاولين تأليب الرأي العام المحلي والدولي على النظام والضغط عليه، مشيرين في كثير من الأوقات إلى أن اعتقال زعيمهم ناتج عن قرار سياسي.
ظل الحديث عن الوضع الصحي لزعيم حركة إيرا يتجدد في كل فترة، فيما كانت الأنباء تشير إلى معاينات طبية خضع لها الرجل داخل السجن وأخرى نقل فيها إلى مستشفى ألاك؛ أنباء جعلت الحركة الحقوقية تضغط في شوارع نواكشوط من أجل توفير الرعاية الصحية اللازمة لزعيمها.
في يوم 14 نوفمبر الماضي قررت السلطات نقل بيرام ونائبه إلى السجن المدني بنواكشوط، المحطة الرابعة للرجل، ليكون قريباً من المستشفيات المجهزة للتعامل مع وضعه الصحي.
من كتيبة الدرك الوطني بروصو إلى السجن المدني بنواكشوط، مروراً بسجن روصو ثم ألاك، رحلة خاضها زعيم حركة "إيرا"، وهو الذي كان يستعد لرحلة علاج خارج البلاد ويعد بتغييرات جذرية في خطابه الحاد والمثير للجدل.
بقلم: محمد فال ولد ابّ