هذا المقال عبارة عن تعليق على المقال بعنون بـ : "عدنان ابراهيم .. خطيب "العقل والفلسفة" يثير جدل التفكير الديني" .
إنكار ظهور الدجال وقدوم المهدي وعودة المسيح، وتكذيب بعض أحاديث البخاري ومسلم ونفي نسبتها إلى النبي بحجة أن مثل تلك الأحاديث لا يمكن أن تخرج من بين ثنايا المصطفى، والطعن في بعض الصحابة أو إنكار صُحبتهم، والقول بأن دخول الجنة لا يتطلب اتباع النبي محمد بالنسبة لأهل الكتاب، بل يكفي للخلاص الاقرار بنبوة خاتم الأنبياء، وإنكار الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، وإنكار جهاد الطلب، والرجم، وزعم احتمال كون البوذية ديانة سماوية ... تلك هي الأفكار التي يقوم عليها خطاب الوسطية الحديثة التي ينتمي إليها الدكتور عدنان إبراهيم.
هذا الاسم الذي سطع في سماء الانترنت قبل سنوات، والذي اشتهر بآرائه التي وصفها البعض بالجرأة البريئة البناءة وهؤلاء هم المادحون والمعجبون، بينما وصفها آخرون بالقحة والجسارة والانحراف وهو رأي الخصوم، يرى تلاميذ ومحبو إبراهيم أنه عمل على تحريك بركة التفكير الديني الراكدة، ودوى صوته في أرجاء الفكر الإسلامي الذي يخيم عليه صمت الجمود والتقليد، في حين يعبر منتقدوه وخصومه عن امتعاضهم وانزعاجهم من تصريحاته وآرائه التي لا يرون لها هدفا سوى الهدم والإفساد وتكدير الأجواء على المسلمين، وعدوه زوبعة في فنجان.
وقد عرف ابراهيم في أوساط محبيه بالعقلانية والمنطقية، واعتبروا أن ذلك ما يميزه عن رجال الدين التقليديين الذي يقدسون النص، ويهمشون دور العقل.
في هذا المقال سنحاول أن نكتشف حقيقة هذه الدعوى، وسنرى هل يصح الحاق هذه الشخصية بزمرة العقلانيين..
ليس عدنان ابراهيم ظاهرة كما يتصور بعض الناس، وليست آراءه جديدة فريدة إلا بالنسبة لمحدودي الثقافة الدينية، إن كل مشتغل بالتراث يعلم جيدا أن كل الأفكار التي يتكلم بها الخطيب النمساوي قد برزت على مدار التاريخ الإسلامي، وقد تبناها كثير من المثقفين من قبله وسعوا في إبرازها ونشرها بين الناس لكن دعوتهم لم تجد آذانا صاغية، وذلك لتهيب الناس من كل فكر غريب عن معهودهم، ولتمسكهم بالنسق المعرفي الديني المسيطر، لكن هذا الحال لم يثن البعض عن محاولة الترويج لهذا الفكر مرة أخرى، فلا يزال هؤلاء على أمل هدم ما هو قائم وتشييد فكرهم على أنقاضه.
إننا إذا دققنا في أقوال المذكور واستدلالاته سنجد أن كل ما قام به هو أنه استنسخ كتابات أولئك الملفِّقين ممن واراهم تراب الأيام فلم تجد شذوذاتهم طريقها إلى الناس، وإن كانت قد وجدت طريقها إلى فئة معينة من المذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
وهذا لا يعني أن صاحبنا لم يجتهد بدوره في التنقيب عن شذوذات وزلات العلماء، وآراء المتكلمة التي عفا عليها الزمن، بل إنه كثير التنقيب في بطون الكتب عن كل ما من شأنه خدمة دعوته، ضُمَّ إلى ذلك اطلاعه على الفلسفة والمنطق واستعماله للخطاب الفلسفي وذلك لتكتمل في أذهان الناس الصورة التي أراد أن يرسمها لنفسه، صورة "غزالي العصر" الذي يصوغ خطابه بأسلوب فلسفي يجعله متفردا في الحقل الديني الدعوي، أو صورة الأشعري العصري الذي لا يعتنق مذهب أسلافه بعجره وبجره، بل ينتقي منه مايلائم العصر، وما يساير العقل المزعوم، ويضيف إليه عقائد وآراء أخرى تضفي عليه التميز والفرادة، فلا مانع من إضافة أضغاث من الفكر الاعتزالي والجهمي والإرجائي والصوفي وغير ذلك، وخلط هذه العناصر في قِدر واحدة على نار غير هادئة (تماشيا مع الطبيعة النزقة لصاحبنا)، ليقدم لنا ابراهيم في النهاية مذهبا عجيبا غريبا، وهذا سر ذيوع صيته بين بعض الشباب، فضالة القوم عندنا في العجائب والغرائب.
لقد ارتأى ابراهيم أن يلعب دور الإمام الجليل العارف بالفلسفة، الذي ينبري للرد على الزنادقة و الملاحدة وإفحام أئمتهم، بالدليل القرآني والحديثي والحجة العقلية المنطقية، ومهد الطريق لحفر هذه الصورة في ذهن المتلقي، بأن حكى لمن يحضرون مجالسه عن بعض مغامراته التي من بينها إفحامه لأحد الملحدين في مؤتمر ما، وأنه منذ نعومة أظفاره وفي سن الحادية عشرة تحديدا كان يفحم الشيوعيين، ويكشف عوار فكرهم، حتى صمموا على اغتياله!
وليحظى صاحبنا بالقبول أكثر عند الناس، فقد خرج عن مسار العقل بشكل سافر، وخالف أبسط القواعد العقلية، وناقض عقلانيته وتنوره المزعومين، فادعى لنفسه كرامات ومؤيدات! في سابقة من نوعها، فحتى من لفقت لهم الكرامات والخوارق في العهود السابقة، لم يؤثر عنهم أنهم كانوا يزكون أنفسهم بقولهم للناس إنهم أصحاب كرامات حباهم الله بها لقربهم منه وتقاهم وورعهم.
أما صاحبنا فيزكي نفسه تزكية، ويقول بملء الفم إن الله أجرى على يديه أمورا تخرق قوانين الطبيعة، فزعم أنه رأى الجن رأي العين، وأن نفرا من الجن طلبوا منه أن يدعو لهم، وأنه وضع يده على مصباح تالف فأنار، إلى غير ذلك مما سيأتي بيانه.
نتيجة لخلط الرجل المتعمد بين العقائد والمذاهب والأفكار، اختلف الناس في أمره، وحاروا في تصنيفه وتعريفه، فمنهم من عده شيعيا إماميا ومنهم من قال زيدي، ومنهم من اعتبره فلسفي النحلة، ومنهم من وصفه بالعلماني، ومنهم من نسبه إلى أهل التصوف، ووصفه آخرون بالزنديق ... والحقيقة أن عدنان نفسه لا يعلم خلفيته، حتى إنه لا يثبت على رأي وهو متغير متبدل باستمرار، فهذه طبيعة الإنسان على حد زعمه، وهو زعمٌ لا نختلف معه كثيرا ففكر الإنسان متطور مترق، إلا أنه لا يستقيم العبث بالدين والفكر الإسلامي، وممارسة التلفيق والترقيع المفضوح بحجة هذا الترقي.
يقول عن نفسه إنه أشعري العقيدة، شافعي المذهب، لكنه لا يأخذ بالأشعرية جملة، بل ينتقي منها ما يلائمه، وهذا ظاهر للعيان، ولعل ذلك ما أسخط عليه بعض الأشاعرة الذين انتقدوه بدورهم.
العجيب في أمر الرجل تناقضه الصارخ، والذي برره بقوله : " أي واحد تشوفوه اليوم بيحكي كلام، وبعد عشر سنين بيحكي نفس الكلام، اغسلوا أيديكم منه، هذا إنسان فارغ، هذا بياع كلام ... الإنسان العادي مش المفكر والفيلسوف لازم يتطور باستمرار طروحاته ومنظوراته وأفكاره، مش كل شيء فيها، لكن أشياء كثيرة".
يقصد صاحبنا بقوله أعداءه الألداء وهم السلفيون، والحقيقة أن السلفي إنما يثبت على نفس الكلام لأنه لا يُخضع النصوص الدينية للنسبية، ولا يفتح باب التأويل والتفكير في النص، وذلك راجع إلى كونه نصا إلهيا لا يمكن المساس به، وهو مسوغ منطقي للثبات على نفس الرأي، أما الأفكار والمنظورات التي يتوصل إليها عن طريق الاجتهاد فهي طبعا خارجة من دائرة الإطلاقية في الفكر السلفي، ولا شك أن ابراهيم يفرق بين الثوابت وغير الثوابت وهو ما يشير إليه بقوله : "مش كل شيء فيها، لكن أشياء كثيرة"، ومع ذلك نجده يعمل معوله في ما يدخل في إطار ثوابت الأمة كالنظرة الإيجابية التي تنسحب على كل الصحابة، بمن فيهم أبو هريرة الذي زعم ابراهيم أن نهمه كان للأكل لا للعلم، وهو ما كان سبب ملازمته للنبي، وكذا عبد الله ابن عمر الذي تعرض له ابراهيم بنقد شديد بناه على الأخبار التي تتحدث عن الجانب الجنسي في شخصية ابن عمر، مع أنه قال عن ذات الشخص في مقطع آخر إنه كان من الصالحين الذين يكشف الله عنهم الحجاب، فيرون ما لا يرى الناس، واستدل برواية مكذوبة منكرة، ليثبت أن هناك كشفا وخوارق تحدث لبعض الصالحين، وزاد صاحبنا الطين بلة بادعائه أن الرواية التي يتحدث عنها موجودة في صحيح البخاري! والواقع أنها رواية ضعيفة لا يوجد لها أثر في كتاب البخاري، بل رواها الطبراني في الأوسط، وهذه هي الرواية المذكورة : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي غَسَّانَ ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ يُوسُفَ بْنِ يَزِيدَ الْبَصْرِيُّ ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ ، عَنْ نافع ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : بَيْنَا أَنَا سَائِرٌ بِجَنَبَاتِ بَدْرٍ ، إِذْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ حَفِيرٍ ، فِي عُنُقِهِ سِلْسِلَةٌ ، فَنَادَانِي : يَا عَبْدَ اللَّهِ اسْقِنِي . يَا عَبْدَ اللَّهِ اسْقِنِي ، فَلا أَدْرِي ، أَعَرِفَ اسْمِي أَوْ دَعَانِي بِدِعَايَةِ الْعَرَبِ ، وَخَرَجَ أَسْوَدُ مِنْ ذَلِكَ الْحَفِيرِ ، فِي يَدِهِ سَوْطٌ ، فَنَادَانِي : يَا عَبْدَ اللَّهِ ، لا تَسْقِهِ ، فَإِنَّهُ كَافِرٌ ، ثُمَّ ضَرَبَهُ بِالسَّوْطِ حَتَّى عَادَ إِلَى حُفْرَتِهِ ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْرِعًا ، فَأَخْبَرْتُهُ ، فَقَالَ لِي : " أَوَ قَدْ رَأَيْتَهُ ؟ " قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : " ذَاكَ عَدُوُّ اللَّهِ أَبُو جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ ، وَذَاكَ عَذَابُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " .
وهذا يبين مدى تناقض ابراهيم، فتارة يتعرض لابن عمر بالنقد ويقول إنه كان زير نساء وتارة يجعله وليا صالحا يُكشف عنه الحجاب! وأما قوله إن الحديث في البخاري فلا أدري هل نضعه في خانة الكذب المفضوح، أم الخطأ الذي لا يقع فيه طويلب العلم، فضلا عن "الدكتور" عدنان ابراهيم، الذي ألف كتابا وعمره لا يتجاوز 13 عاما! وكما ترى فهو يستدل بحديث منكر موضوع، ويرفض أحاديث الدجال الواردة في الصحيحين، فأي تناقض هذا؟!
ونؤوب من جديد إلى حديث الرجل عن تبرير التناقض. يضيف صاحبنا مبررا تناقضاته : " ألبرت شفايتسر، الفيلسوف الألماني الكبير الإنساني قال : لست أنحل لقب أو شرف التلقيب بلقب مفكر لكل من ليس لديه شجاعة أن يتناقض مع نفسه ... مرة واحد جاي يعايرني شوية يعني هيك داخل فبعضه مسكين هدولا يعني المتشددين، قالي : إنت تتناقض كل فترة وفترة، قلتلو : أتناقض؟ كثيرا ما أتناقض! قالي : مش فاهمك، قلتلو : هذا شرفي هذا فخري، كل إنسان يقرأ ويتعلم هو هذا طبيعي، من لا يتناقض هذا الإنسان الفارغ" انتهى
إن أعظم تناقض وقع فيه الرجل جمعه بين العقل واللاعقل! فهو المتحدث عن العقل الفلسفي، والعقل الفيزيائي. وهو القائل بكرامات الأولياء، المصدق للخرافات التي يرددها في مجالسه وكأنها الحقيقة التي لا يعتريها شك! بل إنه يصرح بغير خجل أنه صاحب كرامات وخوارق، وأنه لا يحكي مما يحدث له إلا الشيء البسيط والنزر اليسير، فما خفي كان أعظم، يقول في لقائه الأخير مع الإعلامي عبد الله المديفر على قناة روتانا خليجية في برنامج "في الصميم" بعد أن حكى بعض الأمور العجيبة التي حدثت معه : "هذا شيء بسيط جدا جدا مما يحصل معي، يحصل معي أصعب من هذا بكثير!" ويُرجع عدم تصديق بعض الناس لما يحصل له إلى الحسد والفجور في الخصومة!
ويقول في نفس اللقاء مزكيا نفسه في محاولة لتبرير الخوارق التي تحصل له : "أقول لك بكلمة وهذا من التحدث بنعمة الله تبارك وتعالى... أنا حياتي بفضل الله من صغري إلى الآن عبارة عن تواصل مستمر مع الله عز وجل سأكون واضحا مع جمهوري، يعرف هذا المقربون مني، يعرفونه كما تراني الآن، يلمسونه، لن أحدثك كيف، زوجتي تعرف هذا بشكل يعني هي كل يوم تجهش بالبكاء لما تراه بفضل الله تبارك وتعالى".
إذن الدكتور ابراهيم يعزو ما يحصل من خوارق إلى قربه وتواصله المستمر مع الله، لكن السؤال الذي يطرح هنا : لماذا لا تحصل الخوارق والكرامات لكل الصالحين؟! أم أن ابراهيم شخص عجيب غريب الأطوار؟ أليس حكم الأمثال واحد؟ أليس زمان المعجزات قد ولى؟
وهل من العقل تخصيص خطبة بأكملها لسرد بعض الخرافات، التي يندى لها الجبين؟! وهي خطبة انتقد فيها عدنان ابراهيم العقل المادي الحسابي وانتصر فيها للروحانية، وكل ذلك ليقول لنا إن الكرامات تحصل للخاصة من البشر فعلا، وأنه لا يشكك في ذلك إلا من اتصف بالجفاف والقسوة والمادية، وهذا أيضا من باب تهيئة الجو وتمهيد الطريق ليتقبل الناس "قوله الثقيل" أو الكرامات التي يدعي حصولها له، فإذا علم الناس أن الكرامة ثابتة وأنها غير مرتبطة بعصر سابق حيث إنها صالحة لكل زمان ومكان، وأن هناك من الناس من يُجري الله على أيديهم أمورا لا يقبلها العقل والمنطق، فإنهم سيصدقون عدنانا إذا ما حكى لهم أنه شاهد شيطانة ذات وجه صغير أبيض بأم عينه، وذلك على الساعة العاشرة صباحا، فهم بإمساكها ليداعبها –على حد قوله- فاختفت! وأنه رأى جنية شقراء جالسة على كرسي في أحد المساجد فتبخرت!
وسيصدقونه إذا قال لهم إنه سمع نفرا من الجن يقولون له : أدع لنا يا أخانا، وسوف يصدقونه حين يقول لهم إنه أراد شراء كتاب ذات يوم، فأخبره صاحبه أن ثمن الكتاب 500 ليرة، المبلغ الذي لم يكن يتوفر عليه ابراهيم، فوقع في قلبه أنه سيشتري الكتاب الذي يرغب فيه ذلك اليوم، فاتجه بصحبة صديقه إلى المكتبة، وعند اقترابهما من المكتبة، إذ بصاحبنا يشعر بشيء تحت قدمه فأخذ ذلك الشيء فإذا هو ورقة بها 500 ليرة بالتمام والكمال!
إذا صح هذا الكلام، فمن حقنا أن نسأل عن حكم هذه الخمسمائة ليرة، وهل يحق لإبراهيم الانتفاع بها؟ الجواب أنها تدخل فيما يصطلح عليه في الفقه الإسلامي باللقطة، وحكمها الشرعي أن يعرفها حولا، فإذا لم يظهر صاحبها كان لإبراهيم أن ينتفع بها.
لكن صاحبنا دخل المكتبة واشترى الكتاب دون تردد، كيف لا وأن ذلك المبلغ لا يدخل في إطار اللقطة، إنما هو هبة من الله، سقطت من السماء على العبد الصالح ليحقق رغبته فسبحان الواحد الأحد!
نعم، إنه الدكتور عدنان ابراهيم، الذي ينكر الدجال والمهدي وعودة المسيح، والذي عنون إحدى خطبه بـ : "معجزات.. انتهى زمان المعجزات" إنه ابراهيم الذي كذَّب في أحد مقاطعه قصة القاضي الشرعي المختلس الذي قيل إنه فعل ما فعل بسبب السحر! وقد حق لصاحبنا أن يكذب هذه القصة السخيفة، لكن الشخص الذي يمارس النقد العقلاني هنا هو نفسه الذي يقول إن بعض الأولياء كانوا يجلسون في الهواء! وهو نفسه الذي يؤمن بقراءة الفنجان، ويقول إن عمته كانت تفعل ذلك فتخبر بأشياء ويحصل ما تقول تماما ! وهو نفسه الذي قال إنه سيطر على أحد المراقبين في الامتحان عن طريق الإيحاء فجاءه بالأسئلة محلولة! وفعل ما يشبه ذلك في امتحان الطب في يوغوسلافيا، انظر الرابط ولنفترض جدلا أن لإبراهيم هذه القدرات السحرية العجيبة، ألا يعد هذا سحرا وغشا؟
أزيدك من الشعر بيتا، يذكر صاحبنا أن أكبر أمله كان أن يبقى داعية إلى الله دون أن يرتزق من هذا الشيء، وأن يكون باب رزقه من شيء آخر، لكن انتهى به الأمر مدرسا للعلوم الشرعية –على حد قوله- في الأكاديمية في فيينا، فبات ذات ليلة حزينا بسبب هذا الأمر، لكن البشرى جاءته في الصباح التالي تطمئن قلبه وترفع عنه الهم والغم، يقول إنه في الصباح التالي، في الساعة التاسعة توصل برسالة sms فاتصل مباشرة بالرقم المرسِل، عدة مرات، لكن "ما في خط" على حد تعبيره، أما مضمون الرسالة فهو : "مال عدنان كله حلال" .
والآن أسأل القارئ الكريم : هل يمكن لإنسان ما أن يعلم شيئا دون أن يطلع عليه؟ كأن يعلم أن ورقة موجودة داخل كتاب بعنوان كذا داخل الدولاب، رغم أنه لم يسبق له أن رأى لا الكتاب ولا الورقة في ذلك المكان. أكيد أن الجواب بالنفي، لكن صاحبنا علم أن الورقة في المجلد الثاني من مختصر ابن كثير الموجود في الرف السفلي، انظر الرابط .
أكتفي بهذا القدر، وللمزيد من تخاريف "الدكتور" انظر الروابط أدناه .
أما عن طريقة الرجل في الخطابة والتي يآخذه عليها الكثيرون، فهي طريقة استعلائية وثوقية، يستصغر بها أهل الدعوة التقليدية، ويتعالى ويتعالم عليهم، فيكثر من عبارة : "كلام فارغ" فكل كلام غير ما يخرج من ثغره السَّباب كلام فارغ، ويكثر من تجريح خصومه ووصفهم بعبارات لا تليق، ويكيل لهم الشتائم والسباب، ويسخر ويتهكم بهم وبآرائهم، مع أنهم على تقليديتهم لم يأتوا بمثل ما جاء به من دواهي وأوابد يضحك منها الشجر والحجر، ولم يقعوا في تناقضات صبيانية.
ومن تناقضاته الصارخة تلك أنه يشجب ويندد وينتقد الخطاب التكفيري، بينما نجد له مقطعا يقول فيه : "اتركوا الوثنيات الفارغة باسم التصوف، وباسم التشيع والله العظيم، لا عبادة للأولياء لا عبادة للمقبورين، لا استغاثة بهم كله كلام فارغ هذا، والله توثين أقسم بالله، وردة هذا عن دين الله، تخريب يا أخي للدين، تجويف للتوحيد، جوفوه، ذهب التوحيد يا أخي ما صارت لنا علاقة بالله، أنا لا أريد لا الصالحين أحياء ولا أمواتا أنا أريد الله"
فالذي يسمع هذا القول، سينسبه مباشرة إلى شخص سلفي/وهابي، ولن يفكر في نسبته أبدا إلى شخص يقدم نفسه على أنه أشعري شافعي في الفروع، إذ المعروف عن الأشاعرة المعاصرين أنهم متصوفة يجيزون التبرك والتمسح بالأضرحة، والصلاة في مقامات الأولياء، بل ويبيحون التوسل بها، لكن صاحبنا خالف ما يزعم أنه مذهبه، وقال ما قال بكل تسلف وتوهب.
ومن حشوه وعبثه ذكره لحديث موضوع شنيع ، عرف به الشيعة، وذلك فوق منبره في خطبة، ظنا منه أنه ينطق بالعلم النافع، وهو حديث السلقلقية، وهو كالتالي : حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ : جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى ابْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَتْ : إِنِّي أُبْغِضُكَ ، فَقَالَ عَلِيٌّ : أَنْتِ إِذًا سَلَقْلَقٌ ؟ قَالَتْ : وَمَا السَّلَقْلَقُ ؟ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ , صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَقُولُ : " يَا عَلِيُّ , لا يُبْغِضُكَ مِنَ النِّسَاءِ إِلا السَّلَقْلَقُ " ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , وَمَا السَّلَقْلَقُ ؟ قَالَ : " الَّتِي تَحِيضُ مِنْ دُبُرِهَا " ، قالت : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أحيض من دبري وما علم أبواي. انتهى.
والحديث لا يختلف في ضعفه اثنان، وقد ذكره بن عراق الكناني في "تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة" وهو من أشهر المصنفات في الأحاديث الموضوعة. فكيف غاب ذلك عن الدراكة الفهامة؟!
لقد تميزت شخصية ابراهيم بالنزق والعجلة، فكل يوم يُخرج من كيسه رأيا جديدا، وكلما اكتشف فكرة جديدة إلا وتسرع في التصريح بها، وكثيرا ما يكشف عن أفكاره وآرائه قبل نضوجها، وهذا ما جلب عليه الانتقادات المتكاثرة خاصة من قبل شيوخ السلفية الذين استفزهم تجريح ابراهيم لبعض الصحابة، والتعرض للصحابة بالنقد كما سبقت الإشارة "موضة" يتبعها بعض المثقفين ورجال الدين فيركزون على المشاكل والفتن التي حصلت بين صحابة النبي، وينتقدون بعضهم بشراسة بدعوى التحقيق والبحث في التراث، لكن غاية هذا الفعل غير معروفة، وإلا فماذا سيفيدنا نبش القبور ونقد أمة قد خلت؟! لقد رأى ابراهيم أن يخوض في نفس الموضوع بالطريقة ذاتها، لكنه ندم على ذلك، واعتذر أثناء لقائه مع المديفر، وقال إنه لن يعود لموضوع الصحابة من جديد وطلب من الله أن يغفر له ما بدر منه من نقد وتطاول على بعض الصحابة كابن عمر، وذلك كله راجع لنزقه وخفته.
ولعل عزوفه عن الكتابة والتأليف وإيثاره لطريقة الفيديو، عائد إلى انعدام ثقته بنفسه، واضطراب وعدم انتظام أفكاره ومواقفه.
كانت هذه بعض تناقضات وتخاريف الدكتور عدنان ابراهيم، لكن شدة الاعجاب والانبهار والافتنان عند بعض الشباب بهذه الشخصية، تحجب عنهم كل ما ذُكر، ولا يرون في ابراهيم إلا ما يحبون رؤيته، ويغضون عن تناقضاته وتخاريفه التي تنزع عن خطابه العقلانية والعلمية والاتزان، إن عدنانا لا يحمل فكرا عقلانيا كما يظن الناس بل إنه صاحب فكر روحاني مغرق في الغيبية والخرافية، ومع ذلك فقد استحوذ على عقول الشباب بفصاحة لسانه وأسلوبه النقدي، وحركاته المسرحية فوق ركح منبره.
ومن المواقف الطريفة التي حصلت لي مع شاب، أنه أنكر أحاديث الدجال، فلما سألته عن دليله وحجته على أن أحاديث الدجال غير صحيحة وأنه لا دجال ولا مسيح، أجابني بهذه الجملة : هل تعرف عدنان ابراهيم؟ فقد صار هذا الشخص دليلا قاطعا عند معجبيه! يكفيهم مؤونة استعمال عقولهم، وبذل الجهد البحثي لتأييد وجهات نظرهم.
ولأختم بالدعابة، أعْلمكم أني كلما هممت بنقد غريب الأطوار هذا، ينخفض صبيب الانترنت، ما يمنعني من استكشاف ما تزخر به مقاطعه من أوابد، فهل يكون ذلك من كرامات الكبريت الأحمر عدنان ابراهيم؟!
بقلم: خــلـيــل غـــريــب / باحث في الفكر الإسلامي