توفي منذ أيام بمدينة النخل والجبال والشمس المشرقة إمام المسجد العتيق: العلامة متالي ولد برو، وهو رجل من السلف الصالح، عرف بالورع والأخلاق الحميدة الفاضلة، وينتمي إلى أحد أعرق بيوت العلم والقضاء، رحل عن عالمنا عن عمر يناهز التسعين عاما قضاها وفيا لقيم الفضل والنبل، ومناقب الصالحين.
كان متالي رحمه الله يؤم المصلين في مسجد المدينة الأثرية "كرن الكصبة"، التي تعني بالفصحى "قرن القصبة"، وهو مسجد بناه الأجداد على مقربة من عمارة مدينة "أطار"، وكانت الطريق إليه تشبه الأزقة لضيقها، إذ أنهم بحسب حوار شخصي مع الراحل القاضي المصلح محمد ولد القاضي دداه –رحمهما الله-، كانوا يقيسون تلك الطرقات على حمار على ظهره "أشاكه"، و"أشاكه" عبارة عن وسيلة تقليدية يحملون فيها الأمور على ظهر الحمير، ولم تكن تخطر على بالهم حياة كثرة السيارات، وكافة بيوت الحي المذكور من الطين، ولها أبواب من "السكفة" أثرية، من الطلح، وفيها مفتاح تقليدي، وأداة من حديد للطرق على الباب.
المسجد العتيق بني بناء يشبه مسجد شنقيط التاريخي، ومسجد وادان، وكان مبنيا من الحجارة والطين، ومغطى بجذوع النخل وسعفه، وبمقربة منه محظرة تاريخية، وقد كان عامرا معمورا بالقرآن والحديث والمديح النبوي.
وقامت الدولة بتحديثه، ومن العجيب أنهم بدؤوا بجزء قبل جزء، وكان بعض من لا يزالون على قيد الحياة من الأكابر من المداومين عليه يحرصون على الصلاة بالجزء المتبقي منه على صيغته الأولى، حرصا منهم على تنسم عبق الصالحين الأخيار، وثقة في ما كان، قبل أن يتم بناؤه كله بشكل جديد، وقد أكد بعض الساكنة أن سعف المسجد عند إعادة بنائه كان لا يزال جديدا، برغم مضي مئات السنين عليه مصهورا مع جذوع النخل، والطين، والحجارة، رحم الله السلف الصالح.
وهذه قصيدتنا في رثاء الإمام متالي بن برو رحمه الله، وأسكنه فسيح جناته.
بموتك .. مات العلــم والحلـــم والنــــــدى * ومات زمـــان كان للمجــــــــد موردا
زمـــــــــان به كــــــان التديــــــــــن سيدا * وكنت له يا بن الأكــــــــــــــارم سيدا
تؤم كــــــــــرام القوم وقــــــــت صلاتهم * وترأب صدع الدهــــر إن باغي عدى
ورثت مـــــن الأسلاف مجـــــــــدا مؤثلا * تسامـــــــى على العلياء مجدا وسؤددا
فلله أيــــــــــام سيبقـــــــى جـــــــــــلالها * يجل عن الأوصـــــــاف نهجا ومشهدا
تعلقـــــــت بيت الله غضـــــــا ويافــــــعا * وطفلا صغيــــــــرا فـاقد الخطو أمردا
حفظت كتـــــــــاب الله في عهـــدة الصبا * ومن حفــــــــظ القرآن .. يملؤه الهدى
ولم تتوانــــــــى عن أحـــــــــاديث ماجد * كريم .. فكم تهوى النبي محمــــــــدا !
سقتك غــــــــــوادي المزن يا سيد النهى * وأمهرك الشعـــــــــــر الجميل قصائدا
لو ان بــــــــــلاد الله مادت لغـــــــــــيبة * لهدت ليوم فيــــــــــــــــه غيبك الردى
وقام نعـــــــــــــــاة القوم ينـــدب جمعهم * يقولون: "متالي" إلـــــــى الخلد قد غدا
مضى بسبيـــــــل لا محيص فـــــينزوى * إليه .. إذا مـــــــــــا الموت طارقه بدا
فبشراه بالجنــــــــــــــــات والحور خالدا * هنالك مـــــــــــــــن وافاه عاش مخلدا
فقـــــــد كان سيفا ينصـــــر الحق ناصعا * ولم يك عـــــــــن أهل الضلالة مغمدا
ستبكــــــــي السواري في "العتيق" أليفها * وتبكي سليل المجـــــــــــــد لن تترددا
فطبت مقاما فـــــــي رياض جليلــــــــــة * ثوى المجــــــــد في أحضانها وتوسدا
بهـــــــــا لك صحب طيبـــــــــون أماجد * فأكرم بـــــــــــــهم دينا وخلقا ومحتدا
لإن جمــــــــــــع البيت العتيق صلاحكم * وفرقكم مـــــــــــــــــــوت أتى متعددا
فهـــــــا جمعكم في الروض ملتئم يرى * وصارت لكـــــــم "أولاد ميجة" معبدا
كأنـــــــــــــي بكم تتلون في حلق الهدى * من الآي .. والصــــوت الشجي ترددا
ولابـــــــــــن وهيب رونـــــــــق متدفق * يهب إذا ما فاضـــــــــــــــل قام منشدا
شهدنا لكــــــــــــــم والله أكــــــبر شاهد * بما كنتموه الأمـــــــس جمعا ومفـــردا
لقد ثكلـــــــــــــــت أسنى المعاهد قومها * أفاضلهم .. نفســـــــــــي فداها معاهدا
معاهد شابت في "أطــــــــــــار" مفارقا * لفرط فنــــــــــاء صار يصـرخ مزبدا
ومن فرط ما أعــــــــــلام قومي أبادهم * غدونا نراه حـــــــــــــاقد القلب حاسدا
ولكنه ما رام فـــــــــعل دنيئـــــــــــــــة * وما كان يوما ماضــــــي العزم عاقدا
سوى ليـــــــــزور الصالحون رياضهم * وكي يدخلوا الجنــــــــات طبن روافدا
وأزكى صلاة والســـــــــلام على الذي * عن الدين أوهى الكائــــدين من العدى
كذاك على الأصحــــــــاب والآل كلهم * فلله إذ كانـــــــــوا .. ولله هــــــــم غدا
الشاعر: دداه محمد الأمين الهادي