حسب بعض الذين يهتمون بحقبة الإستعمار في موريتانيا ؛ يوجد فينا الآن طابور خامس يسبح بحمد فرنسا (المستعمر السابق) ويقدس لها ؛ يتمثل في أحفاد (أملازة ) وهو جمع ورد في مقال طويل عريض مهلهل يخون أرض موريتانيا وسماءها ومابينهما؛ كتبه كاتب كتبت له خطى فمشاها وحروف فخطها تحت عنوان :على خطى أم التونسي؛ ولست أدري من أين استلهم جمع أملاز هذا ؟ كما يضمون أحفاد كوميات وأحفاد العلماء الذين أفتوا بمهادنة فرنسا حينها والخضوع لها والتعاون معها ؛ إلى تلك الشريحة المغضوب عليها من قبلهم هم ! وتطول قائمة طابورهم التخيلي المتآمر على مقدرات الأمة وتاريخها وماضيها وحاضرها ومستقبلها وأخراها ودنياها لتشمل القبائل التروزية الزاوية والعربية مع بعض الاستدراكات المكشوفة؛ في ترجمة غير أنيقة لتسيير اختلاف فقهي غير سياسي وقع منذ مائة سنة.
إذا تكررت الفرضية آلاف المرات تتحول إلى حقيقة في تصور العقول التي تمتنع عن الإستفهام طوعا وكرها.
في موريتانيا لا يوجد رأي مستقلا كان أو مستغلا بمنأى عن الأحكام المعلبة غير الطازجة في الغالب .
أكتب ودون كما تشاء فاسمك العائلي أو انتماؤك العشائري أوالجهوي يتضمن آليا آليات تصنيفك الجاهزة .
لم تكن لدينا مقومات نمطية مقاربة لما كان عليه الحال في الجزائر وفييتنام وليبيا يمكن أن نحكم من خلالها على تاريخنا المعاصر ؛ فقط أرض معمورة بالظلم والفقر والفوضى والتصحر والجفاف ؛ بها بشر قليلو العدة والعتاد تلاقت فيها مطامع خارجية وطموحات داخلية ؛ حيث احتلها غزاة مدججون بأخبارها ويحفونها بجيشهم ورجلهم من كل حدب وصوب ؛ انبرت لوجودهم إرادتان فقهيتان تختلفان في الهواجس والأدوات والمرامي وتتحدان في المصائر والمناهج؛ وتحترمان بعضهما بعضا ؛ اجتهاد يساير الوضع القائم ويبني عليه ؛ واجتهاد يرنو إلى تغييره ورفضه ويبني على ذلك ؛ ضم الأول الشيخ سيديا بابه بل وتزعمه وتزعم الثاني الشيخ ماء العينين رحمهما الله.
نجح الأول في إيقاف المقاتل العظيمة التي كانت تحدث بسبب بئر أو ثأر ؛ ونجح الثاني في التعبير عن قدرة الموريتاني على الرفض.
استمر الأول في بعده الفقهي والاستراتيجي حتى اليوم ؛ وانتهى الثاني عمليا بعد أربع وثلاثين سنة فقط بعد تضافر جهود أجهضته.
ونحن المتأخرون المفترض فينا أننا أتم نظرا يأخذ بعضنا على الرأي الأول نجاحه بصفاقة؛ ويأخذ البعض الآخر على الرأي الثاني فشله بتحامل.
الظاهرة التاريخية في الأساس تقص إنساني لأثر إنساني؛ لكننا إذا تجاوزنا المتخصصين وقطعنا اللحظات على شكل تدوينات مجتزأة ومبتسرة اجتزاء وابتسارا ؛ فإننا نوشك أن ننزع من المنهج العلمي قداسته.
لا أحد من صناع الأحداث وقادة الرأي ادعى العصمة حسب علمي؛ ولم تكن رواية الأحداث كلها خالية من الأساطير والخرافات والتحسين والتنميق والتطريز.
حتى الضباط الفرنسيون الذين كتبوا عن مأمورياتهم في بلادنا وعن أحداث عايشوها وعاشوها سلكوا فجاجا من تضخيم الخصم والأنا في مذكراتهم ؛ ونالت الذاكرة المروية دورها من ذلك .
وبقي الثابت والمتحول في الحالة الموريتانية يترنح بين البداية والمآل ومابينهما.
لا أحد يستطيع أن يطعن في موريتانية وعلم واجتهاد الشيخ ماء العينين وأبناء مايابى مهما بعدت مراقدهم واختلف المتأخرون في تقويم آثارهم ؛ لكن لا نستطيع أن نتنكر لجميل صنع كوميات وإمالزن ولمعلمين ولحراطين والعلماء والأمراء الذين ضحوا بدمائهم وأموالهم وأعراضهم في خضم آلام البدايات .
عبروا عن شجاعتكم ورجولتكم أيها اللاطابور واللارقم؛ فخلدوا كبراء البلد جميعا وعظماء البلد جميعا تماما كما نفعل نحن تلاميذ احمد للديد ولمرابط ولد احمد زيدان وسيدي محمد ولد حبت وعبد الرحمن (الدان) مع رموزنا ؛ أو استمروا في منفاكم الاختياري بين ثنايا التاريخ والجغرافيا والسياسة والتآليف الهزيلة ؛ أو قولوا للناس حسنا وأخبروهم لأي طابور تنتمون؟
أدخلوا فكرة النصب والتماثيل إلى عقيدتنا المتوازنة؛ وغازلوا السلطان واستدروا ما أنتم مستدرون ؛ بالهناء والشفاء لكن لاتزايدوا على من إذا ذكرتموهم اشرأبت أعناقكم وبهتت أقلامكم وخاب مسعاكم ؛ فخلف الشاشات واللوحات وفي الواحات والوديان والجبال والسهول والشواطئ والمقابر والمحاظر الموريتانية شعب يجيد استخدام علامات الترقيم .