أخيرا رحل "كاتب السلطة" "صديق الحكام" "صانع الرؤساء" منظر عصر "النور والأضواء" والصور النمطية المختلفة .. كاتب عمود "بصراحة" و "خريف الغضب" و "الشمس تشرق من آسيا" وأبرز المراسلين الميدانيين الذين شهدوا معركة العلمين في الصحراء الليبية قبيل منتصف القرن الماضي.
انطفأ ضوء محمد حسنين هيكل ليلحق بالرئيس عبد الناصر الذي واكبه بقلمه ووجدانه منذ 1952 وتقلد كل وظائفه الرسمية في حقبته القومية الثورية الصاخبة .. مات آخر العمالقة .. رحل الصندوق الأسود للفترة الممتدة من سايس بيكو إلي ما بعد الربيع العربي .. رحل فرعون الكلمة الذي قدم للمكتبة العربية عشرات الكتب والمراجع السياسية أبرزها "خريف الغضب" و"عودة آية الله" والطريق إلى رمضان وأوهام القوة والنصر وأبو الهول والقوميسير، بالإضافة إلي 28 كتاباً باللغة العربية من أهمها مجموعة "حرب الثلاثين سنة" و"المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل" و"ملفات السويس" و"لمصر لا لعبد الناصر" و"العروش والجيوش".
رحل هيكل ككل فراعنة مصر فقد آمن بالحياة الأخرى وأعد هرمه من الكلمات المشحونة ببهارات زمنه وبنى مقبرته الخرافية على غرار توت عنج آمون وسال حبر قلمه رقررقا كما سالت دموع إيزيس الأسطورية مفجرة فيضان النيل.
وكما كانت مصر هبة النيل فقد كان هيكل هبة وموهبة الاعلام وشاهدا على عصور الزمن العربي الموار .. والمأساة أنه انزاح إلي الخلود ولم يستخلف من يواصل المشوار .. رحل في كلكل السنوات العجاف ولم تلح لمصر بعد سوانح عام فيه يغاث أهلها وفيه يعصرون.