قبل 36 ساعة فقط من انعقاد القمة العربية في 28 مارس/آذار 2004، طلبت تونس، المضيفة، تأجيلها، وهو ما مثّل صدمة لأوساط عربية، استقبلت البيان الذي تلاه وزير الخارجية التونسي آنذاك حاتم بن سالم بذهول بدى واضحا في صحف اليوم التالي، تلك كانت واقعة هي الأقرب لما حدث اليومين الماضيين بعدما اعتذر المغرب عن استضافة القمة الـ27 العادية على أراضيه.
عقدت جامعة الدول العربية 26 قمة عادية ونحو 9 طارئة، وتعد القمة المقبلة الـ40 في تاريخ الجامعة العربية التي بدأت تنظيم مؤتمراتها على مستوى القادة منذ مايو/آيار 1946 في مدينة إنشاص بمحافظة الشرقية بمصر، بحضور ملوك وأمراء الدول السبع المؤسسة وهي: مصر والسعودية والأردن ولبنان واليمن وسوريا والعراق.
تعليق عضوية 4 دول
كان تعليق عضوية 4 دول في الجامعة العربية، أبرز قرارات مجلس الجامعة، فبعد اغتيال رئيس الجمهورية العربية اليمنية أحمد الغشمي في يونيو/حزيران 1978، قررت 15 دولة عربية اليمن وردّت الجامعة بتعليق عضويتها، وبعد إبرام مصر لاتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، قررت الجامعة في نوفمبر/تشرين الثاني 1979 إعادة اليمن الذي أصبح رعلي عبدالله صالح رئيسه، وتعليق عضوية مصر ونقل مقر الجامعة إلى تونس، وفي أواخر الثمانينيات عادت الجامعة لمقرها الأصلي بالقاهرة.
وفي فبراير/شباط 2011 علّقت الجامعة عضوية ليبيا ردّا على أعمال العنف التي ارتكبها نظام القذافي ضد المواطنين المدنيين، إبان الثورة الليبية، وعادت في أغسطس/آب 2011 بعلم الثورة الجديد الذي رفع للمرة الأولى في تاريخ ليبيا والجامعة، وفي نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام قرر وزراء الخارجية تعليق عضوية سوريا وهو القرار الذي لا يزال ساريا حتى الآن.
عثرات أمام المؤتمرات السنوية
وفي 2001، قررت الجامعة العربية أن تكون قمة العاصمة الأردنية عمّان أول قمة عادية منتظمة تعقد في الـ29 و30 من مارس/آذار كل عام، وهو ما حاولت القمم التالية الالتزام به، وكانت تونس أول عثرة في طريقه بعدما أرجأت انعقادها حتى أبريل/نيسان 2004 لأسباب غير معلنة أثناء انعقاد مؤتمر وزراء الخارجية التحضيري هناك.
في مارس/آذار 2003، كانت الأمة العربية تمر بأخطر فتراتها عقب الغزو الأمريكي للعراق، وكان من المفترض أن تستضيف المنامة القمة العربية العادية، إلا ان الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك دعا لعقد قمة طارئة في شرم الشيخ في النصف الثاني من الشهر وليس آخره، فكانت أول قمة «عادية- طارئة»، رفض فيها القادة ضرب العراق، بينما دعت الإمارات العربية المتحدة الرئيس الراحل صدام حسين للتنحي عن السلطة، وجاء ذلك في رسالة من الرئيس الراحل الشيخ زايد آل نهيان.
كان لبنان ضمن أكبر أزمات القمم العربية الماضية، وهو ما يطرح نفسه مجددا في القمة المقبلة، ففي 2008 جاء دور دمشق لاستضافة القمة، وهو ما رفضته المعارضة اللبنانية باعتبار النظام السوري برئاسة بشار الأسد متورطا في اغتيال الزعيم رفيق الحريري.
على الرغم من مقاطعة بيروت للقمة إلا أن الأمين العام السابق للجامعة عمرو موسى أكد أن الأزمة التي دخل فيها لبنان نوقشت في القمة بحضور رؤساء وزعماء 10 دولة وغياب 10 آخرين، فيما وُصف بغياب من «الوزن الثقيل»، بينما قال رئيس الوزراء فؤاد السنيورة حينها: «إن اللبنانيين يرفضون الذهاب لدمشق دون رئيس، وبسبب السياسات السورية تجاه لبنان، يجب أن يعقد العرب اجتماعا خاصا لوزراء الخارجية العرب، في أقرب وقت ممكن، لمعالجة التأزم في العلاقات السورية-اللبنانية».
تلا السنيورة في القمة خطابا عبر الأثير قال فيها كلماته تلك أمام القادة العرب، وكانت تلك المرة الثانية التي يغيب فيها مسؤول عربي ليقرأ كلمته المصورة على القادة، سبقه الزعيم الراحل ياسر عرفات، الذي قال كلمته من منزله المحاصر برام الله، في قمة تونس 2004.
أزمة المغرب
قررت الرباط فجأة الاعتذار عن استضافة القمة الـ27 التي كان مزمعا عقدها في مراكش في 28 مارس/آذار المقبل، لعدم توفر أسباب نجاحها أو الخروج بقرارات تذكر، وهو ما يذكر بقمة فاس نوفمبر/ تشرين الثاني 1981، التي استمرت فيها القمة 4 ساعات فقط بسبب خلافات عربية حول مبادرة ولي العهد السعودي حينذاك فهد بن عبد العزيز آل سعود للسلام، فدعا المغرب مرة أخرى لـ «جولة ثانية» في فاس عام 1982.
المبادرة السعودية، بمحاولة إيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي، اقتضت في بندها السابع اعترافا ضمنيا بإسرائيل، وهو رفضته سوريا والجزائر وليبيا والعراق ومنظمة التحرير الفلسطينية، وعقدت قمة فاس الطارئة في سبتمبر/أيلول 1982 لإدانة إسرائيل وإقرار المبادرة السعودية في آن واحد.
وفي الأيام الماضية، عقب اعتذار المغرب، اتجهت البوصلة لموريتانيا التي لم تستضف أي قمة سابقة منذ تأسيس الجامعة العربية، وهو ما دعا محللين للتأكيد بأن نواكشوط لا تتوفر لديها مقومات هذا الحدث الكبير ليس فقط من الناحية التنظيمية بل الأمنية أيضا.
قال السفير رخا أحمد حسن مساعد وزير الخارجية المصري السابق، قال إن المغرب يخشى انفجارا في الخلافات العربية-العربية على أراضيه، وهو ما سيذكره التاريخ على حد قوله، مشيرا إلى أن التوتر الشديد بات السمة الواضحة على العلاقات بين مختلف الدول العربية.
أضاف حسن في تصريحاته لـ «الغد» أن الملك محمد السادس رصد توترا كبيرا عقب ساعات من القرار السعودي بوقف المساعد العسكرية للبنان يوم الجمعة الماضية وهو ما دفعه لإعلان القرار في نفس اليوم، موضحا أنه لم يجد أجواء إيجابية للحديث عن قمة عربية تجمع القادة الذين أصبحوا متفرقين حول كافة الملفات أو الأزمات.
وأشار إلى أن القمة الـ27 لن تكون على مستوى عالٍ من التحضير أو الحضور على حد سواء، متابعا: «ما يحدث أثبت أن الخلافات تحت السطح يمكن أن تنفجر فجأة، بالإضافة إلى أن التحضيرات لن تكون على مستوى الحدث، لذا أرجح عدم حضور عدد كبير من الزعماء في قمة موريتانيا المقبلة».
2237 كيلومترا هي حجم الحدود الموريتانية مع مالي التي تشهد حربا دولية ضد الإرهاب ممثلا في تنظيم «القاعدة في المغرب الإسلامي»، وتشهد هذه الحدود تنقلا بين المسلحين بحرية وأعمال عنف وتهريب واسع، بينما فشلت مساعي البلدين في ترسيم حدودهما ناهيك عن السيطرة عليها.
حدود موريتانيا ومالي
وقال المحلل المغربي محمد العوني إن التهديدات الإرهابية التي تتعرض لها موريتانيا بفضل «المفتوحة» مع مالي، تجعل من مسألة تأمين الوفود الدبلوماسية والقادة أمرا غاية الصعوبة، لافتا إلى أن عددا كبيرا من الرؤساء والزعماء سيحجم عن الذهاب.
وأشار إلى أن أسباب اعتذار المغرب تتلخص في أن الملك محمد السادس وجد أنه لا أرضية إيجابية تؤدي لقرارات مؤثرة فمن الواضح أن الواقع الحالي لن يفضي لما أسماه بـ «النجاعة»، متابعا: «واقع الجامعة العربية بعد 2011، بات أقرب للتسويفات وتأجيل القرارات، وعدم السعي لحل، وهو ما حاول المغرب بكل الطرق الخروج منه إلا أنه لم يجد طائلا منه، لذا اعتذر، وأعتقد أم الملك لن يحضر أيضا قمة موريتانيا».
وأضاف العوني في تصريحات لـ «الغد» أن ثلث الدول العربية بات يعاني من أزمات وحروب وصراعات غير مسبوقة لم تمر بها الدول العربية من قبل حتى أيام الاحتلال والاستعمار، قائلا: «في أعقاب تغييرات 2011، تغيرت نظرة العالم للعرب والشباب في المنطقة، إلا أن 5 سنوات بعد هذه الثورات انقلب الموقف لصورة مشينة وتفكك وصراع وطائفية، وقد بذل المغرب جهودا لاتخاذ قرارات مؤثرة لوقف هذه الأزمات، إلا أنها قوبلت بالتجاهل».
تأمين القمة في مورتانيا «تحدٍ»
استقبل موريتانيون قرار بلادهم بقبول استضافة القمة العربية في يوليو/تموز المقبل، بالسخرية، فقال أحدهم عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»: «لا نمتلك قاعة واحدة لإقامة اجتماع جهوي، فكيف نستضيف قمة دولية»، بينما قال آخر: «موريتانيا طلبت تأجيل القمة لموسم الكيطنة»، أي موسم «تذوق التمور» في ولايات النخيل.
وتظل استضافة نواكشوط للقمة العربية تحديا لنظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز، فبحسب معهد كارنيجي لدراسات للسلام الدولي، فإن بلاده تمثل «الحلقة الأضعف في النظام الأمني لمكافحة الإرهاب في المنطقة، فالبلاد تعد هدفاً مفضّلاً لهجمات الجماعات الإرهابية المتمركزة في الصحراء، وهي مهيأة لزعزعة الاستقرار على يد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي».
شهدت الجمعة الماضية، تمكن 40 معتقلا سياسيا من الهرب من سجن «دار النعيم» في العاصمة نواكشوط، وهي واحدة من عمليات هروب مستمرة للسجناء في موريتانيا، إلا أنها الأخطر والأكبر، وفي ديسمبر/كانون الأول 2015، تمكن «السالك ولد الشيخ» القيادي في «القاعدة» المحكوم بالإعدام لاتهامه بمحاولة اغتيال الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في شباط/فبراير 2011 من الهرب من «سجن السلفيين» ذو الحراسة المشددة.
بقلم: سارة نور الدين