طيلة سنوات طويلة، اعتاد مشاهد الجزيرة على تقديمها النشرات بوجهها البشوش وصوتها الرخيم، لكنه لم يرها في بيتها بين أبنائها، ولم يسمع ذكرياتها مع كرة القدم أو مع "العشرية السوداء".
وجاءت حلقة (17/12/2015) من برنامج "نحن الجزيرة"، لتعرّف المشاهد عن قرب بمذيعة الجزيرة خديجة بن قنة التي فتحت قلبها وبيتها، هذه المرة لا لتنقل الأخبار، وإنما لتكون هي محور الصورة والخبر.
وفاجأت مذيعة الجزيرة خديجة بن قنة جمهورها بأنها كانت تحب كرة القدم، "فكلما كان هناك من يلعب الكرة أمام البيت، أدخل معهم، إما أن ألعب، أو أن أكسر لهم اللعبة".
وتروي خديجة بأسى ذكرياتها عن "العشرية السوداء" في الجزائر التي عايشتها في سنواتها الأولى في مجال العمل في الإعلام، قبل أن تغادر لاحقا إلى سويسرا، وتلخصها بمقولة زميلها الصحفي الراحل طاهر جاوت "إن تكلمت فأنت ميت وإن لم تتكلم فأنت ميت، إذن تكلم ومت".
لكن دموع خديجة غلبتها حين استحضرت أسماء زملائها الصحفيين الذين اغتيلوا في هذه المرحلة، وتقول إن اغتيال الصحفي إسماعيل يفصح كان بمثابة جرس الإنذار، فنصف غرفة الأخبار اضطر للهجرة بعد ذلك، "وفكرت في الهجرة بعدها لكني تريثت، ثم تواصلت مع منظمة صحفيون بلا حدود وانتقلت إلى سويسرا".
وتتذكر خديجة زملاءها في تلك المرحلة بالكثير من الود والمحبة، وتقول إنهم ساعدوها في التغلب على قساوة الغربة عن الوطن، وعن الأهل وابنها رامي الذي تركته في الجزائر ولم يكن قد تجاوز العامين من عمره.
علاقة تواطؤ
تعرّف خديجة عن نفسها فتقول إنها من "مواليد الجزائر العاصمة، كبرت وترعرعت ودرست في الجزائر، ثم توجهت إلى فرنسا لإكمال الدراسة. ترتيبي الرابع ضمن تسعة من الإخوة والأخوات"، وتقول إن ترتيبها هذا بين إخوتها جعلها لا "مدلعة" كالأوائل ولا "مهملة" كمن يأتي أخيرا.
تبتسم خديجة عندما تتحدث عن أسرتها، وتصف علاقتها مع شقيقاتها الخمس بأنها علاقة تواطئية في كل الأحوال، سواء كان في إنجاز الأمور الجيدة أم غيرها، وتتابع "كنت هادئة ومسالمة ولا أحب المشاكل، لم أدخل في خناقة أبدا، وكانت ميزتي الأساسية هي الخجل".
وتحكي عن والديها فتقول إن والدها كان مسالما جدا إلى درجة الاستسلام، أما والدتها التي لم تلتحق أبدا بأي مدرسة، فكانت فأكثر صلابة "دعكتها الحياة"، وترى أنهما جمعا مدرستين: مدرسة العلم والثقافة، ومدرسة الحياة.
وترعرعت خديجة في بيت يؤمن بالقومية العربية، ففي صالة استقبال الضيوف توجد صورتا جمال عبد الناصروهواري بومدين.
وتعترف بأنها تؤمن بعقدة أوديب، "علاقتي بوالدي كانت أوثق من علاقتي بأمي خصوصا في إحدى مراحل حياتي، فكان هو الرمز والقدوة والمرجع في حياتي كلها، فأقرأ ما يقرأه وأحتفظ ببعض الأشعار التي كتبها بخط يده"، حتى إنها لا زالت تحتفظ لغاية الآن بقصاصات من الشعر كتبها والدها بخط يده.
المعلق الرياضي حفيظ دراجي فيحكي عن ذكرياته مع زميلة الدراسة خديجة في بداية التحاقهما بالجامعة في سبتمبر/أيلول 1988، قائلا إنها كانت "كبيرة" بعقلها ووعيها رغم حداثة سنها، فكانت تعمل بالإذاعة الناطقة بالعربية منذ عامها الجامعي الأول.
محطة الجزيرة
وعن العمل في قناة الجزيرة، تقول خديجة إن فكرة الالتحاق بفضائية في العالم العربي في ذلك الوقت -خاصة لمن عمل في الغرب- أشبه بالمغامرة.
يقول رئيس غرفة أخبار الجزيرة السابق أحمد الشيخ إن خديجة جاءت "ممشوقة القوام، وذات صوت رخيم جميل"، ويؤكد أنها أثبتت جدارتها على الشاشة منذ النشرات الأولى لها.
ويخاطب الشيخ الإعلامية المميزة قائلا "أنت ركن من أركان شاشة الجزيرة، فليكن ذلك الركن متينا على الدوام".
ويشير الشيخ إلى إنه لم يرَ خديجة في أي يوم من الأيام تشتط في عصبيتها، ويصفها دراجي بأنها ليست عصبية، مع أنه كان سيجد لها العذر لو كانت كذلك فهي "في النهاية جزائرية".
ولا تتردد بن قنة في الإجابة عن كل من يسألها -منذ أيامها الأولى في الجزيرة وحتى الآن- إن كان ثمة من يُملي عليها أسئلة بعينها للضيوف، أو يعاتبها لطرح قضية لا تتماشى مع توجه الجزيرة، بأن هذا لم يحدث أبدا، "أجيب هكذا بضمير مرتاح وبصدق".
وتقول خديجة إن أجمل ما حدث معها عند زيارتها للقدس مؤخرا، عندما أعلنت لجمهورها أنها ستجري تغطية من داخل المسجد الأقصى، وهو ما دفع أكثر من ثلاثة ملايين وثمانمئة ألف متابع للتفاعل معها خلال 25 دقيقة فقط.
وعن الإعلامية التي اختارتها مجلة "فوربس" عام 2006 ضمن أقوى خمسين سيدة أعمال عربية، أو من يطلق عليهن "المؤثرات"، ووصفتها بـ"العرّابة"، يقول المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة للاجئين محمد أبو عساكر إن بن قنة قررت أن تخصص جزءا من وقتها لمساعدة اللاجئين، فهي تحب أن تنزل الميدان لتستمع إلى معاناتهم عن قرب وتنقل هذه الرسالة للعالم أجمع.
وبشأن رؤيتها لما يجري، تقول إعلامية الجزيرة "الشعوب تبقى والأنظمة تذهب، أنا مع الشعوب، نفسي مع الشعوب، وأنا متيقنة بأن الشعوب ستنتصر في النهاية".