كان الأمير سيدي ولد محمد فال ولد سيدي ولد محمد لحبيب "سيدي لشهب" قوي البنية شجاع القلب، يروي العلامة محمد سالم ولد عدود أنه كان إذا سار في أثرالوسيقة كر على أهلها بالهبهبة فيكون وقعها أشد عليهم من وقع الرصاص فما إن يكرر "هب هب هب " بفيه حتى ينجو الهناتيت بأنفسهم ويتركون ما نهبوه وراء ظهورهم، وكان أقوى وأشجع من أخيه الأمير أحمد ولد الديد إلا أن شهرة الأخير كانت أطغى، حارب سيدي الاستعمار وشارك في معركة أكجوجت وجرح في معركة أماطيل دفاعا عن مدينة "أطار" أثناء زحف القوات الفرنسية بقيادة الجنرال العاتي "هنري گورو" سنة 1908، وهاجر سيدي مع غزي لركاب إلى المغرب، وكان قائدا لأحد ألوية المجاهدين التي دخلت مدينة مراكش مع المجاهد الشيخ أحمد الهيبة بن الشيخ ماء العينين 1912، ولم يكن ابنه أحمد سالم إلا شبلا أنجبه ذلك الأسد.
حدّث الصحفي محمد عبد الله بزيد عن الشاعر بدر ولد موسى قال: كنت مع العقيد فياه ولد المعيوف في بلدة يغرف محل إقامته التقليدية بعد تقاعده و كانت معنا مجموعة ضيقة من قبيلته أولاد آكشار، وكان فياه يجيب على أسئلة ذويه المتعلقة بذكرياته عن حرب الصحراء، ويرمي هؤلاء الأشخاص من وراء هذه الأسئلة المتباينة إلى تكوين فكرة عن الضباط القدامى الذي تميزوا ببسالتهم و شجاعتهم أثناء هذه الحرب تحت إمرة فياه عندما كان يقود المنطقة الشمالية، سأل أحد الحاضرين عما كان يتردد لدى العامة من شجاعة العقيد أحمد سالم ولد سيدي رحمه الله، عند ذلك أشرق وجه فيّاه، الذي صمت لبرهة قبل أن يستأنف قائلا: العقيد أحمد سالم ولد سيدي كان ضابطا عديم النظير، كان يتمتع بخصلتين اثنتين: الهدوء التام في جميع المواقف و الشجاعة في وقتها، أتذكَر تنقلا جمعني به في الصحراء الغربية عندما التحق بي في مهمة عسكرية سرية، كانت مهمتي تقتضي القيام على جناح السرعة بجولة تفتيشية للوحدات العسكرية في الصحراء، وافق على مرافقتي و استقل معي سيارة القيادة.. جلس في المقعد الخلفي إلى جانب عنصر الاتصال.. و جلست في المقعد الأمامي إلى جانب السائق، كانت الشمس تميل إلى المغيب و كنا نتحرك على أرضية مستوية تقطعها بين الفينة و الأخرى تعرجات رملية صغيرة، و أتذكر أن أحمد سالم كان يمسك بيده علبة بها بعض حبات من"گرْتَ" الفول السوداني..كان بتلمظ حباتها بهدوء تام مصغيا بأذن واعية إلى تعليقاتي على المخاطر التي نواجهها على هذا الطريق، كان يحدثني أنه يفضل "گرْتَ" على الأطعمة الرديئة التي نقدمها على مستوى جبهة القتال، فجأة لعلع طلق ناري قوي فوق هاماتنا عبر الكثبان الواقعة سمتنا إلى الأمام.. إنه كمين..! أخفى أحمد سالم علبة "گرْتَ" في جيب بزته بكل هدوء و أخذ بندقيته و علبا من الذخيرة الحية و بحركة واحدة قفز أرضا، و ما كادت قدماه تلامسان الأرض حتى كان يتمترس خلف مرتفع صغير من الأرض و يرسل وابلا من الرصاص من فوهة بندقيته، قلت في نفسي إنه يعرض نفسه لخطر كبير لقد كان عملاقا و كان جسمه مكشوفا للناظر من ألف جهة و كان يواجه رماة أفذاذا، كان يرفع إصبعه عن الزناد لمدة ثوان ليأخذ حبات من "گرْتَ" يرميها في فمه قبل أن يتابع إطلاق ناره الشرسة، كان إطلاق النار قويا من الجانب الآخر لدرجة أننا في السيارة كدنا نهلك لولا أن قررنا أن نترجل،
كان يتلمظ حبات "گرْتَ" و يتابع الرمي ببندقيته غير عابئ بالخطر، كنت مشغول البال.. مركزا ناظري على هذا الضابط الذي لا أحب أن أفتقد مثله في البسالة و الشجاعة، لقد استغرقني المشهد لدرجة أنني لم أحرك ساكنا، كانت بندقيتي بيدي، و لكن لا جدوى من إطلاق النار فقد كفاني أحمد سالم مؤونة ذلك، بدأ صوت بنادق المهاجمين يتراجع..يخفُت و يتباعد إلى أن تلاشى،
دامت المراماة حوالي عشر دقائق على الأكثر، نهض أحمد سالم و سار بخطى مطمئنة إلى السيارة، و بنبرة لا تخلو من تهكم خاطبته قائلا: هل قدَرت الخطر الذي عرضت له نفسك بقضمك "گرْتَ" و أنت في ميدان المعركة؟!"
و أجابني بابتسامته البراقة قائلا: " إن لـ "گرْتَ" أيها العقيد, نكهة مثيرة..!
وفي الجمعة الموالية لإعدام أحمد سالم ولد سيدي وقف الإمام الأكبر بداه ولد البصيري رحمه الله على المنبر معزيا في سليل الإمارة وأنشد:
أيا شجر الخابور مالكَ مورقاً:: كأنّك لم تجزع على ابن طريف
فتىً لا يعدُّ الزاد إلا من التقى::ولا المال إلا من قناً وسيوف
كامل الود