يبدو أن “الحمير” هم أسعد الموريتانيين حالاً.. فقد أرادت لهم العناية الإلهية أن يجدوا بلاداً أخرى يحصلون فيها على ما شاءوا من عَلَف و تِبن.. ليتركوا فَضْل أعلافهم لمواطنين آخرين يشدّون على بطونهم حجارة.
ربما سيشكوا حكماء الحمير من نفيهم إجباراً من بلاد بها نيطت عليهم تمائمهم، و تمرغوا في أوديتها و حزونها، و وردوا مناهلها ثم أدبروا و لهم حُصاص.. و لكنهم سيجدون عزاءهم في المعارضين الذين جفتهم بلادهم و قذفت بهم شُقّة النوى مثلي و “أولاد لبلاد” و سيدي عالي ولد بلعمش.. و في طوابير الشباب المرصوص كالبنيان أمام السفارات الأجنبية، باحثا عن “تأشيرة” تبعده عن جحيم بلاده.
قد يكون من حظ الحمير أنهم لم يعانوا من ارتفاع أسعار المحروقات، ففي حوافرهم ما يغنيهم عن اقتناء السيارات أو تأجيرها، كما أنه لا علاقة لأقواتهم بموّرد و لا مصدّر، فهم يأكلون من خشاش الأرض.. غير أنهم سيجدون في الصين غطاءً و وطاءً.. وسيأمنون فلا يُضرَبون بالهراوات على أمهات رؤوسهم كما هي حالهم في موريتانيا..
و هكذا، فقد تراودهم بعد أن ينعموا ببلهنية العيش فكرة أن يقيموا في ساحة تيانانمن نُصباً تذكاريا لتشى غيفارا الحمير: “أحمار اديريك”، الذي تعوّد صاحبه أن يسقيه الماء آسِناً رَنَقاً، و ذات اليوم انعدمت المياه فسقاه عسلاً.. فما كان من الحمار الثوري إلا أن رفض أن يشرب الماء بعده، حتى أماته العطش..
كان مبرره منطقياً: “لماذا يسقيني هذا البشري الأرعن كل يوم ماءً.. ثم يحتكر لنفسه العسل، و هو الذي لا يغني غنائي عند الكريهة.. فأنا من يفلح الأرض و يحمل الأثقال و يرد المناهل.. هذا ـ وجدِّكم ـ الصغار بعينه..!
صبر الحمار الثوري على حرقة الظمأ و غُلّة الصدى، حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، ملقّنَاً الحمير درساً في العزة و الكبرياء.. لم يَلْقَنْه بشر.!
تصورا كم ستتغير الأحوال لو كنا بجسارة “حمار ايديرك” فلم نهز رؤوسنا طولاً لأية سلطة تهوي ببلادنا في مهاوي الردى.. ثم نبيت على الطوى “منتزعين” كريمَ الأكل.
المؤكد أن الحمير لن يجدوا في الصين ديمقراطية و لا حرية نهيق، كما لم يتركوا خلفهم “ديمقراطية” و لا حرية تعبير.. فالديمقراطية هي آخر مطالب الحمير.. و ربما سيكون مصيرهم الذبح بعد أن يسمو النّيُّ على أثباجهم، و يتساوى الغارب بالذروة، تماماً كما كان مصير “سنيم” التي نَمَت و رَبَت مع ارتفاع سعر الحديد لينحرها بعد ذلك تسيير “حمار”.
ما أريد أن أقنع به الجميع، هو أنني حمار فعلا.. حمار لأنني لم أفهم أننا في بلد يحاسب فيه المرء على رأيه و يعاقب على قناعاته، و يجفوه القريب قبل الغريب إن أراد أن يتشبث بمبادئ لا تطعم خبزاً..
حمارٌ لأنني صدّقت بعد الانقلاب على الطائع العاصي أن العسكر سيسلم الحكم لرئيس منتخب..
حمارٌ لأنه كان بإمكاني أن أسكت ككل الصحفيين صفير أمعائي، و أن أرضى من غنيمة الحرية بالغلة و سداد الخلة، فأبيع حبري و دواتي بفتات موائد المترفين، و أبتز و أساوم، و أكون “مخبرا صحفياً” تحركني الدوائر الأمنية كبيدق شطرنج.
لقد كنت حماراً، حين لم أتمسح بحذاء الحاكم، و أركع على أعتابه، و أخفض جناح الذل لقهره و جبروته.. و أرضى منه أن يسرق كسرتي و كسوتي، و أن يدوس على كرامتي بمناسمه.
صدّريني أيتها الحكومة البائسة للصين فإنا حمار فعلاً..
نعم.. أنا حمار..!
نعم أنا حمار..!