لم يعرف كثير من المصريين بخبر توقيع اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية سوى من "الهاشتاجات" الغاضبة، التي دشنها كثير من المعارضين المصريين لسياسة الرئيس عبد الفتاح السيسي، والتي انتشرت عبر موقع "تويتر" للتواصل الاجتماعي وكان أبرزها ذلك المعنون #عواد_باع_أرضه ، فقد بدا أن التوقيع على الاتفاقية التي اعترفت فيها مصر بأن جزيرتي صنافير وتيران الواقعتين في البحر الأحمر، هما سعوديتان تم في ظل تكتم شديد.
وجاء التوقيع على الاتفاقية خلال زيارة لمصر تستمر خمسة أيام، يقوم بها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وشهدت توقيع 25 اتفاقية بين البلدين تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات، في وقت يبدو فيه الاقتصاد المصري في أمس الحاجة إلى العملة الصعبة.
وقد انقسم المصريون على وسائل التواصل الاجتماعي بين مؤيدين للخطوة يعتنقون الرواية الرسمية التي تقول بأن الجزيرتين تعودان للسعودية، ويعربون عن تأييدهم على تويتر تحت "هاشتاج" حمل عنوان #السيسي_صاين_ارضه، وآخرين يعارضون الخطوة ويصفونها بالتنازل عن أراض مصرية تحت "هاشتاجات" بعناوين مثل (عواد باع أرضه) و ( لا للترسيم)، ويقدم هؤلاء عبر تلك "الهاشتاجات" ما يؤيد وجهة نظرهم بأن المناهج الدراسية المصرية التي تدرس للطلاب في المدارس تؤكد على أن الجزيرتين مصريتان.
لكن وبعيدا عن الاستقطاب الحاصل بشأن ما إذا كانت الجزيرتان مصريتين أو سعوديتين، فإن هناك نقطة أخرى أثارها بعض المثقفين المصريين تتعلق بطبيعة اتخاذ القرار في مصر خاصة في القضايا الكبرى، ومدى الشفافية التي تبديها الحكومة في تحركاتها فبيان مجلس الوزراء المصري، أكد على أن الاتفاقية جاءت بعد عمل شاق وطويل استمر أكثر من ست سنوات، وأن لجنة مصرية سعودية مشتركة انتهت إلى هذه النتيجة "بعد إحدى عشرة جولة من الاجتماعات لتعيين الحدود البحرية بين البلدين".
ويبدو ما ورد في بيان مجلس الوزراء المصري، متناقضا مع ما شعر به المصريون في أعقاب الإعلان عن توقيع الاتفاقية فقد بدا معظمهم مصدوما تجاه الخطوة، وغير عارف بأية تفاصيل عن الاجتماعات التي عقدت، ولا حتى بما إذا كانت السعودية قد طالبت من قبل بحقها في هاتين الجزيرتين.
يقول حازم حسني استاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن الناس فوجئت وبدا أن القرار أتخذ بليل، ويشير حسني إلى إن التعامل مع كل القضايا في مصر من قبل القيادة السياسية يتم على اعتبار أن القرار عسكري، يصدره القائد الأعلى للقوات المسلحة والذي يعتبر منصبه عسكريا وليس مدنيا، ويتصور أن كل القرارات يجب أن تؤخذ بالسرية التامة ويضيف حسني أن القيادة السياسية في مصر، تنظر إلى الشعب على أنه ليس جزءا من اتخاذ القرار، وأنه غير معني بالأمور ولا يدرك شيئا عن الأمن القومي كما أن الحاكم يعرف أكثر منه.
أما الدكتورة أميره الشنواني أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية ، فتلتمس العذر للنظام الحالي في مصر، فيما يتعلق بعدم الإعلان عن المحادثات بشأن الجزيرتين مع السعودية، وتقول إن اللجنة المصرية السعودية بهذا الشأن بدأت في عام 2010 أي في عهد نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، ومن ثم فإن النظام الحالي ليس مسؤولا مسؤولية كاملة عن ذلك، لأنه جاء للحكم في ظل ظروف صعبة جدا كانت تمر وماتزال تمر بها مصر والمنطقة العربية بأكملها، في ظل مؤامرات وأجندات للتقسيم على حد قولها ومن ثم فإنه وكما تقول الشنواني فإن النظام ربما فضل عدم الحديث عما يجري من محادثات بشأن الجزيرتين، تفاديا لمزيد من البلبلة والانقسام في المجتمع المصري، وآثر الانتظار حتى تصل تلك اللجان إلى قرارها، وترى الدكتورة أميره الشنواني أن تشكيل اللجنة التي تعاملت مع الموضوع، يعطي ثقة كاملة فيما توصلت إليه من قرار لأنها تشكلت من خبراء في القانون الدولي وسفراء وشخصيات عسكرية من القوات المسلحة المصرية.