موسم الهجرة إلى الشمال هكذا طاب للبعض أن يسميه ، إنها "حمى" الذهب التي بدأت في كاليفورنيا في يناير 1848 مع اكتشاف جيمس مارشال الذهب في بعض مجاري الأنهار في كاليفورنيا، لكن هذه المرة وصلت إلى موريتانيا.
تماما كما حدث في كاليفورنيا آنذاك، فما أن أُعلن عن اكتشاف شاب في منتصف مارس الماضي لكميات من الذهب قُدرت حينها بما يقارب 2 كلغ من المعدن الثمين في منطقة إنشيىرى شمال موريتانيا، حتى انتشر الخبر على نطاق واسع في الصحافة ووسائط التواصل الاجتماعي وأدى لحدوث فورة في الهجرة إلى هضبة "الدواس" على بعد أكثر من 200 كيلومتر شمال نواكشوط ، حيث استقل آلاف الموريتانيين بمختلف شرائحهم و أعمارهم السيارات العابرة للصحراء ميممين وجوههم شطر الثراء الموعود ومصطحبين معهم أجهزة الكشف الخفيفة عن المعدن طمعا في الحصول على ثروة سريعة.
خديجة شابة موريتانية صادفها موقع CNN بالعربية في سوق الذهب المعروف محليا بسوق " لحموم" وهي تحمل في حقيبتها عدة قطع من المعدن الثمين، ظفر بهم زوجها بعد رحلة بحث شاقة دامت لعشرين يوما، تؤكد في حديثها لنا :
"الأمر كان أشبه ما يكون بالمغامرة، لكن وبعد الحصول على المبتغى – رغم أنه لم يكن بالكمية المأمولة - فإن التجربة تستحق التكرار، سأقوم ببيع هذه القطع و شراء بثمنها أجهزة استكشاف تكون أكثر دقة للحصول على كمية أكبر".
عمر ولد عثمان هو صائغ ذهب وصاحب محل متخصص في بيعه استعرض أمامنا قطعا ذهبية اشتراها اليوم من أحد الظافرين بها أكد لنا بأن قصة الذهب هي قصة حقيقية لا مراء فيها فمعدل الأفراد الذين يقصدون السوق وهم يحملون قطع ذهبية من العيار الأجود لا يقل عن 15 إلي 20 فردا يوميا، ويختلفون باختلاف حظوظهم، ففيهم صاحب الكيلوغرامات، وفيهم صاحب مئات الغرامات وصاحب العشرات، وكل منهم يعرض ما حظي به من عملية التنقيب.
ويتحدث ولد عثمان: "خلال الأيام الأولى وقبل اطلاعنا على حقيقة الأمر، كنا نتخوف من شراءه لظننا أنه مسروق، لكن وبعد تأكدنا من مصدره، أصبحنا نشتريه، دون الخوف أو الحذر منه، سوقنا كان على وشك الكساد، وهذه فرصته لمعاودة الرواج"
أما محمد الأمين، الذي يعمل ناقلًا للبضائع والأشخاص على طريق نواذيبو شمال موريتانيا، فقد أكد لنا مدى الزحمة التي يعيشها قطاع النقل إلى تلك الجهة، إذ ينهي معظمهم رحلته عند منطقة "تازيازت " – المنطقة الغنية بالذهب- هذا في نفس الوقت الذي أكد لنا أن بعض القادمين من هناك لم تكن حقائبهم خالية من المعدن النفيس.
السلطات الحكومية واجهت القضية في بادئ الأمر بحظر التنقيب، مطالبة المنقبين بتسجيل ما لديهم من المعدن النفيس ، لكن في ظل إصرارهم على المواصلة، استجابت لرغبة الشباب فأدلى وزير الطاقة والنفط الموريتاني "محمد سالم ولد البشير" بتصريح قبل أيام أكد فيه إن الحكومة صادقت في أحد اجتماعاتها على إطار ينظم الترخيص للتنقيب السطحي عن الذهب، مشيرا إلى أن الإطار يحدد المنطقة الجغرافية التي يرخص فيها التنقيب، مردفا أن الحكومة ستعاقب المخالفين.
كما أكد أن الترخيص يحق لكل الموريتانيين دون تمييز،على أن يدفع مقابله 100 ألف أوقية أي ما يعدل 260 دولار امريكي تقريبا للخزينة العامة، إضافة إلى التصريح لدى الجهة حكومية المختصة بالكمية التي تم العثور عليها، كما يفرض عليه بيعه للبنك المركزي الموريتاني وفقا للسعر الذى يحدده.
حمى البحث عن الذهب وحسب مصادر CNN بالعربية صاحبها انتعاش تجاري غير مسبوق في المنطقة المستهدفة والتي كانت وحتى الأيام القليلة الماضية لا تتوفر على أبسط مقومات الحياة بما في ذلك المياه الصالحة للشرب أضحت تشهد نشاطل منقطع النظير، وقد عمد البعض إلى العمل كباعة متنقلين لبعض البضائع الأساسية كالمياه المعدنية وبطاقات رصيد الهواتف ، وبعض المواد الغذائية وذالك بأسعار تصل إلى أكثر من الضعفين مقارنة بالأسعار العادية .
كما عمد آخرون إلى تأجير الأفرشة والأغطية و لخيام، فيما جلب البعض الآخر معدات الطبخ من أجل توفير وجبات للباحثين عن الذهب.
انتهت حمى الذهب في كاليفورنيا في عام 1855، وقد مات مكتشف الذهب معدما، لكن استقرار الكثير من رجال الأعمال فيها كان له الفضل في ازدهار الولاية الأمريكية، فهل تتكرر الحادثة من جديد في موريتانيا وينير بريق الذهب ظلام الوضعية الاقتصادية للمواطن الموريتاني؟