الوعي: مفتاح التنمية المستدامة
لا توجد الحياة إلا في شكل العلاقات، على وجه الخصوص بين كل كائن حي وبيئته. ففي الطبيعة، تنتظم التوازنات على هذا النحو، حيث تضبط سلوكيات وأعداد الأنواع، استنادا إلى الآثار الإيجابية والسلبية لبعضها على البعض وعلى مجموعة الحياة (المدى الجغرافي) الذي تعتمد عليه كلها، بشكل وثيق نسبيا. ويؤسس هذا التسلسل الهرمي للتبعية، وعلى وجه الخصوص، مسؤولية الجنس البشري الذي سخر الله له جميع الأجناس الأخرى.
أنا أعيش، أنا أعمل. فكيف تؤثر أفعالي على حياتي؟ وعلى حياة نوعي؟ والأنواع الأخرى الحيوانية أو النباتية، الساكنة في مداي الجغرافي، المحلي أو العالمي؟ إن مختلف المجتمعات البشرية التي انتمي إليها - القبلية، والقروية، والمدينة، والوطنية والعالمية - يعيشون ويتصرفون ويغيرون كذلك المدى الجغرافي لكل واحد منهم، في كامل تعقيد التفاعلات وردود فعل غير المحددة، والتي ربما لا يمكن تعريفها.
ولكن هذا الاحتمال الذي يضع، بكل تواضع، حدود آمالنا العلمية، لا يمنعنا أن نحاول، على الأقل، أن نقيم، في كل مرحلة من مراحل هذا التعقيد، آثار أفعالنا. فلا بد من مجهود أصبح أمرا محتوما نظر لحالة التدهور المتسارع لظروف حياة كوكب الأرض، الخاضعة لهيمنة الحيل البشرية. لم نعد نستطيع أن ننكر ما هو واضح: من خلال إفلاتنا من قيود الطبيعة التي نفرض واجبات مفرطة من الإنتاجية، فإننا نهدد الحياة. إن هذه الإشكالية تؤثر علينا جميعا وتسألنا فرديا وجماعيا، في كل مستوى من مستويات تنظيمنا الاجتماعي.
هل نستطيع الإجابة عليها؟ يفترض هذا السؤال، أولا وقبل كل شيء، وعيا يدفعنا إلى أن ندرس قبل وبعد أي عمل، أثره البيئي. ومن الواضح أن هناك بونا شاسعا بين ما يقتضيه شراء ماعز يمكن أن تلتهم عددا غير محدد من الشجيرات وحتى بستان الجار، وبناء سد على نهر السنغال، أو إرسال قمر صناعي للاتصالات إلى الفضاء. من البديهي أن دراسات الأثر مختلفة جدا وتعبئ مجموعة متنوعة جدا من الفاعلين والثوابت، حسب تعقيد وحجم الظواهر المعنية بشكل موضوعي.
ولكنها تجتمع كلها في وعي مسؤولياتنا، وهي مسؤوليات ليست مرادفة الشعور بالذنب، كما يتم حشرها في ذلك في كثير من الأحيان وبكل بسهولة، بل تتطلب الديناميكية والتنمية المستدامة، أي المكيفة مع ظروف حياة قابلة للبقاء. هكذا نرى أي روح يتعين التحلي بها لتعليم الأطفال في الندوات الدولية، من خلال إقامة روابط قوية بين المنظمات المدنية، المسيرة عن قرب، والهياكل الإدارية، المنتجة للقواعد والتحكيم، وأخيرا، الشركات الخاصة، الحريصة خاصة على الربحية في أقصر مدى ممكن.
نتكلم عن العقل، وهو أساسي. لكن هذا النهج يتطلب مسبقا المنهج والتقنيات. ويعني ذلك التحديد والتنبؤ وتفسير ونقل المعلومات حول أي مشروع اقتصادي واجتماعي ذي تأثير على الوسط الأحيائي، مع الأخذ في الاعتبار للأرباح والخسائر لجميع السكان المعنيين، من البشر ومن غيرهم. وانطلاقا من هذه الملاحظات والأفكار والمبادلات، يمكن توضيح الحدود التنظيمية والقانونية الكفيلة بجعل الأعمال البشرية إيجابية الآثار على البيئة والتنوع البيولوجي.
إن نتائج هذه الدراسات - أو المذكرات، عندما يتعلق الأمر ببرامج محلية على نطاق أصغر - ستكون أفضل قبولا بقدر ما يتم إنجازها بشكل أقرب من الناس، وبتعاونهم النشط، وبالتشاور الوثيق مع صناع القرارات السياسية والاقتصادية. وأخيرا نكون قد فهمنا، جميعا معا، أن الإنسان ليس هو الذي صنع للقانون بل القانون، على العكس من ذلك، هو الذي وضع لخدمة الإنسان. وإن هذا الوعي، المبسط، سيعيدنا لدينا الخلفاء إلى مسؤوليتنا الكاملة والديناميكية والكريمة كخلفاء لله في الأرض.
إيان منصور دي گرانج