الإنسان أخيرا مسير مسؤول لمخلوقات الله؟
تنشر هذه المقالات في إطار مشروع ممول من طرف برنامج الاتحاد الأوروبي للمجتمع المدني والثقافة من أجل ترقية وحماية البيئة
ما هو التنوع البيولوجي في الواقع الملموس؟ يقص الشيخ عليون فال على حفيده طفولته المليئة بالغزلان: " لقد لقي والد جدك، جدي، مامادو الكبير، الزرافات في لحصيره، جنوب تگانت! مضيفا أنها كانت تصعد، حتى آدرار وتيجريت... وقد رأيت أنا الفيلة، وعمري حوالي عشر سنوات، قرب العاگر..." في تلك الأيام، لم يكن هناك ثمانمائة ألف نسمة في جميع أنحاء الفضاء الذي سيصبح موريتانيا في عام 1960. ولكن البلاد كان أفضل تغطية بكثير من قبل البشر، وغنيا بتنوع الحياة، حد الحيوانية كما النباتية. كان الناس يعيشون من بيئتهم وفي بيئتهم.
لقد حصل أحمد على دبلوم الدراسات المعمقة في علوم البيئة، في باريس قبل بضع سنوات. ينحدر من بلدة صغيرة في تگانت، وعند عودته إلى البلاد، طلب منه أهل أرضه أن يضع خطة التنمية الريفية، ولكنه، حسب اعترافه، "ليس لدي سوى مفاهيم مبهمة جدا، وموجزة جدا حول الأنواع التي تشكل موطن بيئتي الأم: ولم يعتبر أي أحد أنه من المناسب تعليمي أبسط اهتمام به في المدرسة..." كم من صناع القرار في نواكشوط يجدون أنفسهم أفضل معرفة بالبيئة الأصلية التي كانوا يعيشون فيها؟
هل هذا هو السبب الذي جعلهم يترددون بشكل قوي عن الاستثمار في المناطق القاحلة التي يبدو لهم أن مقدراتها ضعيفة بقدر ما يجهلونها؟ تشكل مواقع فقر قاسية للغاية، وعلاوة على ذلك، يتفاقم فيها تدهور الأراضي، تحت التأثير المشترك للجفاف، والسياسات الرعوية و/ أو الزراعية غير المصممة على أساس المدة والتشاور، وحالات الطوارئ الغذائية، والعجز التعليمي والسياسات غير المناسبة التي وضعت بعيدا عن الناس، وانعدام البنية التحتية والنفاذ إلى الأسواق. وعلى العكس من ذلك للأسف، وضع غير قابل للعلاج؟ قد يكون الأمر مختلفا، لأنه على صعيد أشمل، أي على مستوى كوكبنا المشترك، يقوم أحمد وزملاؤه العلميون في جميع أنحاء العالم بقياس أفضل الآن للنتائج المترتبة على قرنين من التصنيع المفرط: إن تسونامي اليومي من الاحتراق يغرق الأرض تحت غيوم غير مرئية من ثاني أكسيد الكربون، تزيد حرارة المناخ بشكل مأساوي وتستشف من ورائها الكوارث البيئية التي تطورها هذه الوضعية: إعادة نشر التنوع البيولوجي.
التنوع البيولوجي: درع الإنسانية الحقيقي
تؤكد جميع الدراسات أن "البئر" الطبيعية القادرة على امتصاص فائض الكربون الذي ينتجه الإنسان الرجل، "التنوع البيولوجي هو العامل الرئيسي في مقاومة البيئة للضغط (1) أمام التغيرات المناخية". ويا للمفاجأة، ها هي محاربة تدهور الأراضي على رأس أعمال إعادة نشر التنوع البيولوجي! لأن مكافحة تدهور التربة تعني مساعدتها عمليا على إعادة تطوير تنوعا كاملا من أنواع الكائنات الحية، من أبسط الإنزيمات إلى الفقاريات العليا، مرورا بالفطريات والنباتات، فوق أو تحت الأرض، المجهرية منها والعيانية، وباختصار، خلق الله في كامل بهائه متعدد الأشكال. وفي هذه الملية، يكتشف علماؤنا الأعزاء أن "تكاليف إعادة التأهيل، عندما يتم بذلها، تقل دائما عن تكاليف التدهور، مما يدفع أيضا إلى الدفاع عن الاستثمارات في مجال مكافحة التصحر."
لا يفتأ هؤلاء الناس الطيبون يتحركون، منذ أربعين عاما، لإسماع هذه الحقائق التي لا مناص منها، وذلك بنجاحات مختلفة، يكفي أن ننظر حولنا للاقتناع بذلك. لقد قضت اللجنة المشتركة بين الدول لمكافحة الجفاف في منطقة الساحل، التي تأسست في عام 1973، في ذروة الجفاف العظيم عددا من السنوات قبل بدء فهم أن الإشكالية المركزية لا تدخل في نطاق الإنتاجية المباشرة الأراضي، ولكن بالفعل في حياتها والانسجام مع الناس الذين يستغلونها. وبعد ذلك فقط بعشرين سنة، رأينا ظهور مفهوم تسيير الموارد الطبيعية، قبل أن يصبح هذا الأخير المبدأ الأساسي للمجتمع الدولي بأسره.
"تشكل محاربة التصحر معركة دائرة على جبهتين"، تقول اليوم نورة بن رحموني، خبيرة الغابات لدى منظمة الأغذية والزراعة للمناطق القاحلة، "تتمثل الأولى في الوقاية من التصحر من خلال التسيير المستدام للغابات والمراعي والموارد الطبيعية، مع ضمان وسائل العيش المستدامة للمجتمعات المحلية التي تعيش في الأراضي القاحلة في الصحراء والساحل. أما الثانية فهي إصلاح الأضرار التي تم التسبب فيها للغابات والواحات، من جهة، واستئصال ظاهرة غزو الرمال للتربة المتدهورة ثم إعادة غرس الأشجار، من جهة أخرى".
فهل انطلقت المعركة أخيرا على الطريق الصحيح؟
السور الأخضر العظيم: حل أم خط ماجينو وهمي ؟
ليس بالضبط. تستمر جميع أنواع المقاومات. وإن مشروع السور الأخضر العظيم - غرس ملايين الأشجار من أنواع مختلفة من داكار إلى جيبوتي، على طول سبعة آلاف كيلومتر، وعرض خمسة عشر كيلومترا - والذي اعتمد عام 2012، يدل على الكثير من تلك المقاومات. أولا وقبل كل شيء، يعيقه إلى حد كبير عدم الاستقرار السياسي وغيره من انعدام الأمن المستشري. ومع ذلك ينوون "مضاعفة الكثافة الحالية للأشجار عشرين مرة"، يقول الباحث الفرنسي جيل بوتش الذي يتابع عن قرب تطور المشروع، "عن طريق غرس الأنواع النباتية الأصلية فقط، القادرة على الصمود أمام كميات أمطار سنوية منخفضة جدا، وقوية بفائدة اجتماعية معترف بها: هكذا يوفر القتاد الصمغ العربي المستخدم على نطاق واسع في صناعة الحلويات والصيدلة، وتعطي شجرة الهليلج [Balanites aegyptiaca] ثمرة "توگه" وزيتا ثمينا، وكلها صالحة للأكل وللاستخدام الطبي. كما يمكن استعمال جميع الأشجار المغروسة كمادة لبناء المنازل، وصنع الأدوات وعلاج البشر أو الماشية". غير أن السور الأخضر العظيم يطعن فيه العديد من العلماء، مثل مارك بيد- شارتون، مدير مرصد الصحراء والساحل، الذي يرى: "أن الصحراء ليست هي التي تزحف، بل إزالة الغطاء النباتي للتربة. ولذلك تجب حمايته، أينما وجد الإنسان ومساعدته على إنتاج الدبال (2)، لا ببناء حواجز من هذا النوع محكوم عليها بالفشل ".وحسب رأيه، تنوع الحلول بين الزراعة الدائمة والمستدامة، أينما لا تزال ممكنة، وإعادة التحريج في المناطق المناسبة، وربما جمع الطريقتين (الزراعة تحت الغطاء). وتشاطره هذا الرأي إلى حد كبير أيمانويل فودور الأستاذة والباحثة في AgroParisTech: "تجاور الزراعات الحديثة والمكثفة الممارسات التقليدية، وإن خلطها، وهما غالبا متعارضتان، يمكن أن يدمر التربة بشكل لا رجعة فيه". وتتهم، جنبا إلى جنب، "زراعة الأرض المحروقة، [...] والأسمدة والمبيدات التي تؤدي فقط إلى إفقار التربة الزراعية."
لا نزال مضطربين، في الواقع، بسبب التفرع الثنائي الواضح "الضرورة الاقتصادية /الحفاظ على البيئة" والذي سيطر كثيرا على المناقشات خلال ثلاثين سنة على الأقل، تم فيها الفصل التام بين المفهومين. وهي قطيعة لا تزال حساسة في المحاكمات التي لا تنتهي بين أنصار البيئة من منظمة السلام الأخضر والاتحاد العالمي لحماية الطبيعة، من جهة، والشركات متعددة الجنسيات وقوى المال السرية، من جهة أخرى. وتشهد المعارضة تطورات هائلة وخفية جدا حتى الآن، مع المعارك حول الكائنات المعدلة وراثيا أو التحول الإنساني (3). أما المسار الآخر الذي يعتزم تنشيط المقدرات الاقتصادية للتنوع البيولوجي، والتكرير، من خلال استكمال معرفة النطاقات البيئية إلى أقرب موقع ممكنة، في تشاور متزايد مستمر بين جميع الفاعلين - طبقا للمبدأ القديم: "الحذاء المناسب لا تشعر به القدم "- هو خلاف ذلك خصب جدا وبدون مخاطر. ويجدر هنا تذكير أي موريتاني - ومن باب أولى نخب البلاد - أن خيار التسوية، المفضل على المغامرة المعارضة، يشكل نقطة من الإسلام، أحد مفاتيح، إن لم يكن "مفتاح" التطور الإيجابي "لآدميتنا" المشتركة؟ وسنحسن ونجيد إذا ما سلكنا هذا الطريق.
إيان منصور دي گرانج
ملاحظات:
(1) قدرة المقاومة البيئية هي قدرة النظام البيئي، أو النطاق البيئي، أو الموطن أو النوع على استعادة عمل وتطور طبيعي بعد تعرضه لاضطراب كبير.
(2) الدبال هو الطبقة العليا من التربة، التي تحيى، وتولد وتبقى بفضل التحلل الحيوي للمواد العضوية، تحت التأثير المشترك للحيوانات والبكتيريا والفطريات المجهرية الأخرى. ويشكل وجوده إحدى علامات، إن لم يكن "علامة" خصوبة التربة التي تبدو حينئذ أكثر مقاومة للتحات.
(3) مشروع تم تطويره من وادي السيليكون، ويعتزم مكننة الإنسان وأنسنة الآلة (الإنسان الآلي)، وهو مرحلة جديدة من "التطور" صارت ضرورية، حسب أنصار هذا الموقف، بسبب التحولات المجتمعية والبيئية للحداثة المعاصرة.