تازيازت نهبت البلد ويجب أن ترحل
الأمل الجديد: نبدأ بالأزمة الراهنة للشيوخ مع الحزب الحاكم، إلى أين تتجه هذه الأزمة من وجهة نظرك؟
محمد محمود ولد بكار: نحن أمام أزمة هي الثانية من نوعها في البلد بعد أزمة برلمان 1963 بين المختار ولد داداه والبرلمانيين، وهي الأزمة التي أدت إلى مؤتمر كيهيدي الاستثنائي الذي تم فيه الانقلاب على استقلالية البرلمان، حينها كان البرلمانيون يتألفون من شخصيات كبيرة، وكان المختار أيضا محاطا بفريق كبير أخرجه من الأزمة بعدما وُضع في أقلية خطيرة على محك المصداقية. نحن اليوم أمام أزمة كبيرة بالنسبة للتشريع وللعمل الحكومي، لكن الفارق واضح، حيث أظهر الشيوخ إصرارا مهيبا رد لهم الاعتبار، مع أن نجاحهم سيلقى صدى كبيرا بالنسبة للتجربة الديمقراطية خاصة إذا كان انتصارا للاستقلالية وللمكانة، وقد يشجع على مواقف أفضل حماية للمكاسب. صحيح أن التصدي ليس في وجه عزيز وليس في وجه محاولة قلب الدستور، بل في وجه الحكومة والحزب "الحاكم"، وهذا درس مفيد لهذا النوع من الحكام، ومن أجل رسم الحدود بين السلطات عمليا إذ هي واضحة على الورق. يجب على البرلمان أن يظهر مستوى محددا من الثقة والمصداقية حتى وإن كان ظل غرفة تسجيل، وعلى كل حال إذا تطور هذا الموقف فسوف يكون نجاحا كبيرا للبلد وسيحول الشيوخ بين عزيز مع تعديل الدستور. كم هو رائع أن يلعب الشيوخ لأول مرة دورا تأسيسيا في البلد، وإذا ذهبوا إلى أبعد فسيكون تاريخيا، نحن في الحقيقة بحاجة لنجاحهم.
إن اشتراطاتهم حاليا تتمحور حول اعتذار الحزب الحاكم وإقالة 14 وزيرا أساؤوا إليهم، لكن من الواضح أن عزيز لا يريد التنازل لهم ضمن عقليته التي لا تفهم التنازل بل أرسل إليهم بالتهديد وإلى حد الساعة لم يتمكن من إخضاعهم رغم العرقلة الكبيرة التي كانوا يمارسون بالنسبة لرفض استقبال مشاريع القوانين، بينما استقبل النواب 9 مشاريع قوانين، وما عليه الأمر حالا أن الشيوخ في موقف قوة، وهم وإن لم يستطيعوا جر الغرفة الثانية للتضامن معهم إلا أنهم استطاعوا مقاطعة رئيس الحزب الحاكم باستثناء 9 من ذوي الأرجل السوداء. إذا الأزمة مستمرة فهل يبقى الأمل معقودا على درجة مقاومتهم للضغوط العارمة القبلية والمالية والسياسية التي ينتهجها النظام وهي في هذه الحالة ستكون أضخم، لكن هذه الأزمة أضعفت النظام معنويا، وستجعله يفهم أنه لا يملك دعم الناس بأي ثمن. هذا مهم في بلد موالاته لا تعرف الحدود. أما إذا لم ينجح النظام في إطلاق حوار فسيمثل موقف الشيوخ ضربة مؤلمة وسيتناغم بشكل مثير للتغير مع إعلان عدم ترشح عزيز لمأمورية ثالثة. وإذا تمكن الشيوخ من الصمود في وجه تغيير عزيز للدستور فسيدخلون التاريخ.
الأمل الجديد: التدخلان الأخيران لولد عبد العزيز (خطاب النعمة ومقابلاته مع الصحافة الدولية) أثارا لغطا كبيرا في الساحة السياسية ما هو تقييمك لهما؟
محمد محمود ولد بكار: من الطبيعي أن يثيرا لغطا لأنهما حملا تهجما عنيفا على المعارضة خارجا عن المألوف، ضد وعكس ما كان مرتقبا فالساحة ليست بحاجة إلى مزيد من الاحتقان والتأجيج، وعزيز نفسه بحاجة إلى رأي عام موحد حول أهداف المرحلة القادمة التي سيدخلها وعينه إلى الخلف.
هذا من جهة ومن جهة أخرى حمل كلا التدخلين إعلانا جديدا: فقد حمل خطاب النعمة خبر حل مجلس الشيوخ الذي يهدف إلى تفكيك الدستور تحضيرا لاستمرار عزيز في السلطة بشكل مباشر أو من وراء الستار، إذ لم يكن بالإمكان فهم أي شيء آخر من هذا الخبر خاصة أن مجلس الشيوخ لم يكن جزءا من الأزمة ولا معنى لحله في هذ الوقت بالذات. أما جوابه للصحافة الأجنبية فقد حمل إعلان عدم الترشح بصورة تلقائية، بعدما رفض أن يدلي بذلك للصحافة الوطنية التي ظلت تلح في طرح السؤال وكأنها تستجديه للرأي العام الوطني، إضافة إلى أنه جاء في الوقت الضائع بعدما تموقع الجميع إزاء ولد عبد العزيز، وهكذا أصبح هذا الجواب وكأنه حمل نوعا من احتقار الداخل بصفة عامة، كما أنه أضفى على الموضوع مسحة من عدم الجدية وكأنه للاستهلاك الخارجي حتى تنضج الترتيبات الداخلية، حيث يتناقض هذا تماما مع فحوى خطاب النعمة الذي سعى إلى خلق فرصة من خلال حل مجلس الشيوخ إلى إبقاء الحكم في يد نفس الطغمة، أي ما معناه في المحصلة أن الشريك الرئيسي المعني بهذه القضية الذي هو المعارضة ليس هو المقصود بهذا الإعلان، وهكذا لم نلاحظ كبير احتفاء بهذا التصريح الذي كان مطلبا مهما عند الأطراف للتأكد من جدية الحوار، وهذا هو تصور المعارضة، لكن المقربين من عزيز والذين يلتقونه يعتبرون أن هذا جزء من طبيعة عزيز الذي يرفض أن يتنازل مباشرة تحت ضغط أي أحد حتى وإن كان مقتنعا بأهمية الخطوة، ليقوم بها في نهاية المطاف بشكل مغاير لا يخدم الهدف أصلا أو في الوقت الضايع، بصفة عامة. يجب هنا ألا أغفل ما يقوله مناصرو عزيز أو أغلبيته فبالنسبة لهذا الموضوع بالذات يعتبر عزيز أن المعارضة لا تحترمه، وقد أغضبه ذلك كثيرا من جهة أنها تشكك في صدقه في دينه بعد تأديته لليمين مرتين ولهذا تمادى في عدم الجواب، ثم إن موضوع الشيوخ فكرة قديمة عنده ووجد أن هذا الوقت مناسب للإعلان عنها وأنه إنجاز كبير بالنسبة لتقليص النفقات وإنشاء مجالس أقرب لمشاكل الشعب وإن كانوا في الحقيقة لا يعرفون حقيقة ما يفكر فيه عزيز.
الأمل الجديد: ما هو تقييمكم لتصريح الرئيس عزيز بأنه لن يترشح لمأمورية ثالثة؟
محمد محمود ولد بكار: بصفة عامة وخارجا عن كل تلك التصورات السابقة لقد صرح عزيز أمام الملأ بأنه لا ينوي الترشح، ويجب على المعارضة أن تأخذ بأهمية هذا التصريح وتتمسك به وتتصرف انطلاقا منه، فقد حصلت نظريا على 50% من فرض التناوب والبقية تتمثل في فرض شروط انتخابات شفافة تسيرها مؤسسات توافقية، فحرب عزيز على المعارضة ليست إلا بسبب عدم تعاطيها معه على النحو الذي يملأ فراغ الشرعية الذي يشعر به اتجاهها، والذي تحول إلى عناء يغذيه غياب مستشارين سياسيين أكفاء له. العنف ليس هو طريق كل شيء وبالتالي ليس مفيدا الرد على تلك الحرب بقدر جره إلى الوثوق بها. إن سبب تأخر عزيز في هذا الإعلان هو أزمة الثقة التي لم تشأ المعارضة يوما أن تبددها، إنها تقول باستمرار إنه لم يمنحها الفرصة لذلك، وقد كانت كل مناورات عزيز من أجل دفع المعارضة إلى الثقة به، الأمر الذي تعتبره المعارضة عدم جدية، وهذه معضلة حقيقية جعلت عزيز لا يريد أن يضع رأسه في حبل المشنقة ويسلمه لأعدائه الذين يرى أنهم يقفون خلف المعارضة ولن يفعلها، وهذا ما لم تتفهمه المعارضة التي لا تريد أيضا أن تعطي مصداقية لعزيز قبل الشروع في عملية وطنية واضحة النتائج. إذا لا بد أن تقدم المعارضة موثقا لا ريب فيه أو لا بد من بديل عنها يحكم من خارجها مهما كلف الثمن.
هذه الوضعية بصفتها تلك مشكلة حقيقية، لا بد لكي نتجاوزها من ثمن ولا يمكن أن يدفعه طرف واحد، وليس من الضروري أن تتساوى الأطراف في حجم التضحيات فالأطراف ليست متساوية أصلا لا في المواقع ولا في المسؤوليات ولا في الالتزامات ولا في الحرص على البلد. إذا على كل طرف تقبل حصته من الإكراهات ونصيبه من الهزيمة، النجاح مائة بالمائة لا يمكن تصوره في وضعية كهذه.
سوال: ما هي السيناريوهات التي يمكن أن تؤول إليها الأمور بعد تصريح الرئيس بأنه لن يترشح لمأمورية ثالثة؟ هل ترى بأنه سيسلم السلطة في انتخابات نزيهة وشفافة أم سيفرض مرشحه ومن سيكون يا ترى؟ أو هل هناك فرضية أخرى ترشحها؟
محمد محمود ولد بكار: أن تتقدم المعارضة بخطوة اتجاه عزيز، ومن ثم يبدأ التحضير لحوار جدي يطمئن عزيز بنتائج مرضية فيما يخصه، بحيث لا يشعر بأنه كان مذنبا بما يعرضه لأي متابعة في بلده بعد خروجه من السلطة، وهذا هو بيت القصيد خاصة أن عزيز لا يلتزم بأغلبيته ولا يحترمها ويعتبرها معه "مع الكرسي" كما كانت مع أي رئيس سابق، وهي لن تحميه بل ستتخلى عنه في لمح البصر كما فعلت مع الجميع، وهو بالتالي يرى أن حمايته ستظل بيده ما دام ممسكا فقط بالسلطة، ولذلك طالب بحوار مبكر لكي يتأكد من سلامة ترتيبات خروجه من السلطة دون أن يشير إلى ذلك، لكنه ظل يقرأ ذلك من مواقف المعارضة، فإذا فهمت المعارضة هذه الصورة وعملت بمقتضاها بتوازن وواقعية فقد تذهب الأمور في الاتجاه الصحيح من حيث خروج عزيز من السلطة والانتقال إلى التناوب، وإذا رفضت أن تضع لعزيز شروطه لتأمين نفسه فإننا نكون أمام سيناريوهات المسار إلى الهاوية من خلال تصلب عزيز على السلطة أو إفساد المسار والدخول بالبلد في نفق مظلم.
الأمل الجديد: هل لتعاطي الرئيس ولد عبد العزيز مع المعارضة علاقة بتشددها اتجاهه؟
محمد محمود ولد بكار: نعم فالرئيس عزيز من طراز الجيل الثاني من رؤساء العالم الثالث الذين جاؤوا بانقلابات عسكرية محيرة قبل انفجار حقبة الدمقرطة، حيث الدولة في يد الحاكم يصنع بها ما يريد. وهكذا وزع عزيز الخوف على الناس بين السجن والحرمان المدبر والذي ترعاه الدولة، فقد منع المعارضة من مستحقاتها فترة طويلة وأوقف صرف رواتب عمال المجلس الاقتصادي والاجتماعي ورواتب اللجنة المستقلة للانتخابات. أنا شخصيا لم أسلم من ذلك فقد تم وقف نشاطي بأمر من ولد عبد العزيز مباشرة بسبب مواقفي من نظامه الفاشل. ولد عبد العزيز يطمح لأن يصبح رئيسا لشعب من الأموات، وهذا الأسلوب هو الذي يدفعنا أكثر إلى الإصرار على التخلص منه بأقل خسارة بالنسبة للبلد كما فعلت كل الشعوب. إن هذه الأساليب بطريقتها الفجة لا توائم هذا العصر، هذا ما لا يفهمه عزيز وعليه أن ينظر إلى محاكمة حسين هابري بعد 28 سنة. العالم يتقدم في اتجاه تحصين الشفافية، والتعامل مع المعارضة يجب أن يظل في حدود القانون، وتسيير الشأن العام يجب أن يبتعد عن المشاعر الشخصية فالدولة للجميع. لكن من جهة أخرى يجب على المعارضة ألا تدفع باتجاه التأجيج، لقد نجح أسلوب الثورة في البلدان التي بها نخب حاضرة وقوى عسكرية مثل مصر أو مدنية مثل تونس، أعني بالنجاح عدم الانزلاق إلى الفوضى، لكنها فشلت في المناطق التي تنعدم فيها مثل اليمن وليبيا، والقواسم المشتركة بيننا كثيرة مع شعب اليمن والشعب الليبي مع خصوصيتنا طبعا. في المحصلة على المعارضة أن تنظر إلى الأمام لا إلى الخلف.
الأمل الجديد: التقارب الذي حصل مؤخرا بين مسعود وولد عبد العزيز ما سببه من وجهة نظرك؟ وعلام يراهن عزيز في حواره المرتقب حتى لا يكون مصيره الفشل؟
محمد محمود ولد بكار: لا أدري ما السبب، وكل ما أعرفه هو أني كنت أعتبر أن مسعود ورقة مهمة للبلد، وكنت أسعى بكل جهدي إلى ألا تحترق تلك الورقة، وهناك جهود أقوى مني تدفعها للاحتراق. وفي ما يخص رهان النظام على نجاح حواره المرتقب يتلخص الأمر في تأخير الحوار عن الأجل الذي أعلنه وفي التصريح الجديد بعدم الترشح.
الأمل الجديد: يصف الكثيرون البلد بأنه في حالة إفلاس، ويقتات على استجداء الخارج والضغط الضريبي المستمر؟
محمد محمود ولد بكار: من الناحية الاقتصادية شهد مناخ الأعمال تراجعا كبيرا بسبب الخوف من شبح الضرائب والجمارك، وعدم الشفافية، وسيطرة رجال أعمال من محيط الرئيس ويعملون لصالحه حسب وسط الأعمال. هذا قضى على الانتعاش الاقتصادي الذي عرفه البلد بسبب الصعود الخيالي لأسعار المعادن السنوات الست الماضية، الأموال التي حصلت من تلك الدخول تم تبديدها في مشاريع وصفقات ارتجالية تدعم ثراء جهة خصوصية واحدة وبالتالي لم تعد بالنفع لا على دخول الموظفين ولا على الضمان الاجتماعي ولا على الاقتصاد الوطني، وعندما اختفت تلك الدخول أصبحت الخزينة تواجه صعوبات حقيقية وهكذا اتجهت الدولة إلى سياسة إفقار مزدوجة من جهة، فحصل توقف الإنفاق الحكومي الذي يخلق انتعاشا في سوق الخدمات وتجارة اللوازم، ومن جهة ثانية تم توسيع محفظة الضرائب وزيادة الضغط على المستهلك، والخطير في العملية أن الضغط ركز على المواد الاستهلاكية من الدرجة الأولى: الأرز الذي انتقلت مصاريف جمركته من 9000 أوقية للطن إلى 77000 أوقية، والحليب من 12000 أوقية للطن إلى 80000 أوقية للطن، والمحروقات التي تمثل السبب الأصلي لغلاء لنقل والبضاعة، كما أن دعم الدولة للطبقة الرثة من خلال برنامج أمل انكمش إلى السدس، وحوانيت رمضان لم يتم توسيعها إلى الداخل. الوضع صعب وخطير ولولا كذبة الذهب لكانت الأمور قد أخذت طابعا مختلفا.
الأمل الجديد: كيف تلخصون بإطلالة شاملة وسريعة الوضع االسياسي والاقتصاد ي والاجتماعي للبلد؟
محمد محمود ولد بكار: الحالة بصفة عامة مزرية قبل عشرة أيام مات ثمانية أشخاص في تدافع للمئات أمام مقر رجل أعمال على مبالغ صغيرة من الزكاة، من أجل القوت اليومي لا أكثر، وقبل ذلك ذهبت عشرات الآلاف تبحث عن الذهب، وبعد ذلك العشرات تتدافع أمام صهاريج للحصول على الماء، والطوابير على مكاتب التوظيف إلى الخليج، هذا يكشف عن حجم كبير من الفقر وضعف النفاذ إلى الخدمات وانعدام العمل، علاوة على زيادة الأسعار فها هو السكر زاد ب 40% كما زاد سعر الأرز والحليب والزيت واللحم والسمك والنقل وغيرها، هذا بالإضافة إلى إخفاق سياسات الحكومة وحيادها عن أهداف الألفية، وغياب العدالة الذي يعاني منه المواطنون يوميا، كما شعر الناس بخيبة أمل في شعارات عزيز، وبشكل أكبر في المستقبل، فإذا التقت هذه المشاكل مع الاحتقان السياسي وضعف التخطيط للمستقبل مع أزمة الشيوخ وتبعات خطابات عزيز الجارحة التي صبت في التأجيج ألا ترون أن هذا يجعل المستقبل مظلما أكثر فأكثر.
الأمل الجديد: ما هي نتائج شعارات الإصلاح التي رفعها الرئيس عزيز منذ مقدمه للسلطة؟
محمد محمود ولد بكار: أريد أن ألخص لك الجواب بشكل سريع في ثلاث نقاط: الأولى بالنسبة للدولة الكل يعرف بأن جهاز الدولة الإداري والمالي لا يعمل بصفة مستقلة عن عزيز الذي يلعب دور المسير الفعلي والآمر بالصرف، فهو من يحدد الأولويات ويوجه الإنفاق، وكل الآخرين منزوعي الصلاحيات. المسألة الثانية ظهور طبقة جديدة من رجال الأعمال مرتبطة به شخصيا سيطرت على ميادين عديدة بالنسبة لميكانيزمات التجارة والأعمال والإعلام والعقارات، وهناك ظاهرة مشينة وسابقة في البلد تتمثل في بيع عقارات مملوكة لجهات معنوية منذ أكثر من خمسين سنة مثل المدارس والملعب الأولومبي ومدرسة الشرطة والمطار، وبيع أراضي المواطنين لرجال الأعمال باسم المنطقة الاقتصادية ، والأدهى من كل ذلك أن يؤسس منظمة خيرية رأسمالها 6 مليارات حسب الأوساط الصحفية، ويقال إنها تملك 3 هكتارات على موقع تفضيلي في المنطقة الاقتصادية ب4500 للمتر المربع، فعلى فرض صحة هذه المعلومات من أين له كل هذا وهو الذي كان قبل عشر سنوات من الآن يتقاضى راتبا أقل من 250 ألف أوقية ولم يمارس التجارة، فمن أين هذا المال؟ وكم وزن عزيز المالي الحقيقي وفق ما يثيره هذا الرقم الضخم، وعلى كل حال هذا المسار لم يطمثه إصلاح ولا شفافية لا جدال في ذلك.
وعلي كل حال النتائج الظاهرة من هذا الإصلاح هي أن 415 مواطنا موريتانيا تعيلهم المنظمة العالمية للتعذية مهددين بالخطر خلال سبتمبر القادم إذا لم تحصل على تمويل دولي وأن المديونية وصلت إلى 5 مليارات دولار، إضافة إلى الوضعية السيئة التي عكسها تقرير الأمم المتحدة الاخير عن بلادنا.
الأمل الجديد: إضراب العمال في شركة تازيازت الحالي كيف تقيمه وكيف ترى هذه الشركة؟
محمد محمود ولد بكار: في الحقيقة تازيازت شركة نهب كبيرة، ومن الواضح أنها تمارس نشاطها بتغطية قوية من النظام، فقد خسرت موريتانيا الجزء الكبير من حصتها في اعتماد محاسبة تازيازت التي رفعت تكاليف الاستخراج بزيادة 250% كما كانت تبالغ في المشتريات، والفساد الداخلي والمحاسبي لدعم أسهمها من جهة من خلال تضخيم رقم أعمالها، ومن جهة من خلال استنزاف المداخيل على حساب نصيب البلد. العمال الموريتانيون يلاقون تمييزا في الرواتب وفي الحصة من الأرباح وفي الدواء وفي النقل ويحصلون على معاملة أقل من العمال الأجانب، كما لا يشغلون المناصب التي يحجزها لهم القانون. الأعمال الحرفية والخدمية يقوم بها الموريتانيون عبر شركات وساطة أجنبية وبمبالغ خيالية للأجانب، الشركة تستورد من الخارج الماء واللحوم والحديد وغيرها من المواد المتوفرة في البلد وتدار من لاس بالماس والعمال الأجانب يحصلون على عقود تفضيلية ومستوى معيشي عال جدا، والتأمين والترفيه والدراسة للأبناء والراحة السنوية في الخارج. الشركة التي حددت في دراستها للجدوائية تكلفة الاستخراج عند سقف 257 دولار لأونصة الذهب عندما كان متوسط سعر الذهب حينها 500 دولار للأونصة، وكانت تعتبر الوضعية مربحة، بينما هاهي اليوم الذي يتجاوز فيه ثمن الأونصة 1200 دولارا تعلن التقشف اتجاه العمال الموريتانيين بصفة خاصة في حين يحتفظ الأجانب بكل عقودهم التفضيلية، والدولة تراقب الوضع لمصلحة الشركة، وهذا ما جعل تازيازت لا تريد تلبية مطالب العمال الشرعية، خاصة وأنها لا تواجه أي صعوبات فلماذا فقط الموريتانيون؟ الشركة تعودت على خداع الموريتانيين فقد حصلت بصفة ملتوية على عقود استخراج "إيمكبدن" و"الدواس" بعدما قدمت دراسة جدوائية غير معقولة وغير مربحة، الأمر الذي جعل الوزير الأسبق يرفض منحهم تلك الرخص، وتقول بعض الأوساط إن ذلك كان سببا في إقالته وإن خلفه حصل على أوامر عليا لمنحهم تلك الرخص. إذا تازيازت تلقى حماية من طرف النظام ولهذا هي تنهب خيرات البلد والدليل البسيط على ذلك أن معدل التنقيب التقليدي 10 كلغ يوميا يغذي بها التنقيب السطحي السوق المحلية، فلو اختلط ذلك مع التنقيب الصناعي الذي تقوم به تازيازت فلن يكون منطقيا الاعتماد على الدراسات القائلة بأنها تحصل على 2.5 غ من الذهب للطن، بل أكثر بالضعف على الأقل وحينها تكون موريتانيا تخسر تلقائيا النصف مع أمور أخرى. تازيازت نهبت البلد ويجب أن ترحل.
الأمل الجديد: الرئيس أعلن عن مجالس جهوية جديدة ماهو تقييمكم لها؟
محمد محمود ولد بكار: جواب بالنسبة للجهويات فهي تجربة غير رائجة في العالم لكنها محببة في الدول التي تكثر فيها مطالب الأقليات التي تسعى للحفاظ على خصوصياتها، ومع أن منطقتنا عرفتها (تونس 1989 والمغرب بعد 2000) إلا أنها ظلت محدودة التأثير، وبالنسبة لموريتانيا قد لا تكون بحاجة لمثل هذه التجربة: فثقافيا هناك نمطان في العالم نمط قائم على الخصوصيات أي لا توجد ثقافة مسيطرة بل لكل جماعة ثقافتها داخل الدولة والدولة ترعى كل جماعة في إطار خصوصيتها الثقافية، وهذا النمط الانكليزي، وهناك النمط الفرنسي الذي يقوم على سيطرة ثقافة معينة تأخذ في الاعتبار التراكم والتنوع وترعاه الدولة في المناهج وفي الإصلاحات بحيث تأخذ تنوعها من ثقافة الأقليات وخصوصياتها ولا تمحوها، وهذا هو الذي تسير عليه الدولة منذ تأسيسها، ويجب أن تنصب كل الجهود حول تحسينه، بدلا من خلق اتجاه مناقض أو مواجه. أنا أعتقد أن هذه الجهويات ستعقد من جهة ثانية دور القطاعات المركزية، وستخلق خلبطة في الصلاحيات، وفي تداخل في السلطات مع الإدارات المحلية (البلديات).
الأمل الجديد: شكرا لك.
محمد محمود ولد بكار: شكرا لكم.