أدخل التقارب اللافت بين موريتانيا وجبهة البوليزاريو، وقبلهما عودة التطبيع إلى العلاقات الجزائرية الموريتانية، العلاقات بين الرباط ونواكشوط، حالة من البرودة باتت تهدد هذه العلاقة المأزومة أصلا، وهو ما يضع سياسة المخزن في عزلة بالمنطقة المغاربية برمتها.
وزاد من حدة هذه البرودة تواتر معلومات غير رسمية عن اعتزام السلطات الموريتانية فتح سفارة للحكومة الصحراوية بنواكشوط، بحسب مصادر إعلامية محلية.
وذلك في أعقاب مشاركة وفد موريتاني سام في المؤتمر الاستثنائي لجبهة البوليزاريو، بالداخلة بالقرب من تندوف.
وضم الوفد الموريتاني سيدي ولد الزين، وهو عضو المكتب التنفيذي لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، والوزير السابق للإسكان وكذا للعدل، ومحمد ولد الشيخ أحمد أبي المعالي، النائب البرلماني عن حزب التحالف الشعبي التقدمي، ومحمد ولد مولود رئيس حزب اتحاد قوى التقدم المعارض، ما يعني وجود إجماع موريتاني على مشروعية مطالب الشعب الصحراوي.
وقبل ذلك، كان الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز قد حمّل وفدا موريتانيا واجب تقديم العزاء في وفاة زعيم جبهة البوليساريو، محمد عبد العزيز، قبل أن يرسل برقية تعزية إلى عائلة الرئيس الصحراوي الراحل، وهي الخطوة التي لم ترُق للسلطات المغربية.
وإن لم يصدر أي تعليق رسمي مغربي بعد على كل هذه الإشارات، إلا أن مشاركة الوفد الموريتاني في مؤتمر البوليزاريو، الذي يعتبر اعترافا ضمنيا بـ "الجبهة" ممثلا وحيدا للشعب الصحراوي، تلقفتها الصحافة المغربية بالكثير من الاستهجان، واعتبرتها "طعنا" في ظهر السلطات المغربية، على حد ما كتبه أحد المواقع الإلكترونية القريبة من نظام المخزن.
وجاء هذا التطور بعيد أيام قليلة من إقدام السلطات الموريتانية على طرد عمال مغاربة يعملون بشركة الاتصالات المحلية "موريتل"، التي تملك شركة الاتصالات المغربية "ماروك تيليكوم" أسهما فيها، الأمر الذي غذى الشكوك حول وجود شيء ما خلف الجدران بين الرباط ونواكشوط.
وما غذى هذه الشكوك هو ما تردد عن تهرب العاهل المغربي، محمد السادس، وتماطله في استقبال وزير الخارجية والتعاون الموريتاني، اسلكو ولد أحمد إزيد بيه، الذي حمله رئيس بلاده دعوة لحضور المغرب قمة الجامعة العربية المرتقبة يومي 25 و26 من الشهر الجاري بموريتانيا، إثر تخلي الرباط عن استضافتها وفق ما كان مبرمجا.
ويربط متابعون ما يحدث للعلاقات الموريتانية المغربية بعودة الدفء للعلاقات الجزائرية الموريتانية بعد نحو أقل من سنة على أزمة تبادل طرد دبلوماسيين في سفارتي البلدين، قبل أن تعود المياه إلى مجاريها بزيارة وزير الشؤون الخارجية الموريتاني إلى الجزائر قبل نحو شهرين، وهي التطورات التي ألقت بظلالها على العلاقات الموريتانية الصحراوية.
ومن شأن هذه المعطيات أن تزيد من حدة الضغط على سياسة المخزن في المنطقة المغاربية، وتزيدها عزلة، في وقت تعيش فيه الرباط على وقع انتقادات حادة من قبل المجموعة الدولية، منذ الربيع المنصرم في أعقاب أزمته مع الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، وما تبع ذلك من قرارات انفرادية ضد موظفي بعثة المينورسو، قوبلت بإدانة دولية كما هو معلوم.
بقلم: رئيس تحرير القسم السياسي بجريدة الشروق اليومي