محمد محمود ولد بكار
الحرمان الشريفان معروفان في العالم بالنسبة لدلالتهما الدينية والقدسية عند المسلمين، وهناك حرم ثالث للمسلمين، البالغ تعدادهم 1،6 مليار، تحتله 18 مليون عبارة عن عصابات تجمعت من العالم على كذبة الميعاد وتريد تشييد " كنيسة الهيكل" على أنقاض ذلك الحرم.
المدينة المنورة ـ أو أرض الله أو البحيرة أو نبلاء أو يندد: 64 إسم باستثناء يثرب التي هي بمعنى ثرب والتي نهى صلى الله عليه وسلم عن تسميتها بها وسماها طابه أو طيبة، -من الطيب ـ لها مكانتها الخاصة وسط مدن العالم وحرمة بين المسلمين. وتمتاز طيبة بأنها هي المدينة الوحيدة التي حدد رسول الله حدودها من الجنوب إلى الشمال على مسافة 15 كلم بين جبلين: جبل ثور خلف جبل أحد، وجبل عير في منطقة عروة في الجهة المقابلة، ومن الشرق إلى الغرب قال صلى الله عليه وسلم: "إني أحرم بين لابتي المدينة، و"اللابة" الأرض التي ألبست الحجارة السوداء، وهما الحرة الشرقية (حرة واقم قديما) والحرة الغربية (حرة الوبرة قديما) وقد عظم رسول الله صلى الله عليه وسلم شأن المدينة فدعا على من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا بأن لعنه الله والملائكة والناس أجمعين ولا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا يوم القيامة، وقال "إنها حرم آمن، إنها حرم آمن" وبارك لها في مدها وصاعها وبشر من صبر على لأوائها وشدتها بأن يكون شفيعه يوم القيامة. الأحاديث الواردة في فضل المدينة والتي ترقب في البقاء فيها كثيرة وكذلك تزجر من هاجر عنها رغبة في غيرها وتتوعد من أرادها بسوء أن أذابه الله في النار كما يذوب الرصاص في النار أو الملح في الماء.
المدينة المنورة هي مركز دولة الإسلام في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، وقد تم توحيد شعبها مع شعوب أخرى في نظام جديد لخلق المجتمع الإسلامي في ما بعد. كما دارت كل الأحداث الكبرى التي أسست لهذا الدين ودولته من، وفي المدينة مثل الغزوات الكبرى: بدر، أحد، الخندق، وتطهير المدينة وبسط نفوذ الإسلام فيها وحده مثل غزوات بني قينقاع وبني النضير. وبعث منها الرسول الكريم الرسائل الشهيرة التي أعلنت عن دولة الإسلام إلى ملوك العالم: كسرى، هيرقل، اليمن، الحبشة، الرسائل التي ترغب وترهب وتنم عن ميلاد قوة جديدة. > تضم المدينة مجموعة من المناطق ذات فضل لسبب من الأسباب: مواقف إيمانية أو أحداث مثل المساجد والمقابر أو لذاتها مثل تراب المدينة وتمرها، كما في الأحاديث (تربة أرضنا بريقة بعضنا ليشفي بها سقيمنا بإذن ربنا"، وعن التمر في قوله صلى الله عليه وسلم: "من أكل سبع تمرات مما بين لابتيها حين يصبح لم يضره سم حتى يمسي"، كما يشهد الرسول المعظم لمن مات فيها. تضم المدينة، إضافة إلى القبة المشرفة والمسجد النبوي، مجموعة من المزارات الواردة في الحديث أو في السنة مثل البقيع، الغردق، مقبرة تلامس ساحة المسجد من الجهة الشرقية دفن فيها 10 آلاف من الصحابة وزوجات النبي وبناته وعدد كبير من التابعين، وكان النبي يستغفر لهم، ومسجد قباء هو أول مسجد بناه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ونزل في شأنه قوله تعالى: "لمسجد أسس على التقوى..". وعن فضله قوله صلى الله عليه وسلم أن "من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان له أجر عمرة"، ثم مسجد القبلتين وهو مسجد في بني سلمة قريبا من واد العقيق صلى فيه النبي ركعتين اتجاه المسجد الأقصى أثناء صلاة الظهر قبل أن يتم تحويل القبلة إلى المسجد الحرام بنزول الآية الكريمة: "فول وجهك شطر المسجد الحرام ....." في الركعتين الأخيرتين من نفس الصلاة. > جبل أحد هو الذي دارت حوله معركة أحد الشهيرة، وقد ورد في فضله الحديث: "إن أحدا جبل يحبنا ونحبه"، وبجانبه جبل الرماة ومقبرة الشهداء السبعين في نفس الغزوة، من بينهم حمزة والتي كان الرسول يزورها.
مسجد الإجابة مسجد ببني معاوية مر به النبي فركع فيه ركعتين ودعا فيه طويلا ثم انصرف إلى الصحابة فقال: "سألت ربي ثلاثا فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة أن لا يقتتل المسلميبن بينهم...". وغيرها من المزارات.وكانت المدينة تدخل من 5أبواب باب العنبرية باب الجمعة باب البراري باب مباح باب الشامي.
المسجد النبوي الشريف أو الحرم المدني: يقع الحرم المدني - وهو المسجد الذي أسسه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أرض اختارها الله بواسطة الناقة التي كانت تحمله أثناء مقدمه إلى المدينة والتي حينما أراد الصحابة أن يبركوها ورفضت فقال لهم "دعوها فإنها مأمورة " ليتم تشييده حيث بركت ـ يقع إذن في الجزء الشرقي من المدينة المنورة ويمتاز، بالإضافة إلى أنه أسسه النبي صلى الله عليه وسلم وشارك بعمل يديه الشريفتين في بنائه، بأنه دفن في جوفه ليمنحه ذلك قدسية خالدة. وكان المسجد الذي بني بالطين وجذوع النخل على يد 300 شخص تقريبا هو مكان القرارين الذيْن أسسا لأعظم دولة في التاريخ: مهبط التشريعات والمكان الذي تتخذ فيه القرارات التنظيمية والعسكرية. ومنذ ذلك اليوم والمسجد الشريف قبلة للمسلمين تيمنا وتبركا على مدار الزمن، وقد شهد 10 توسعات تمشيا مع حجم الزائرين بدءا بتوسعة النبي صلى الله عليه وسلم بأن صارت مساحته 50 في 50 وارتفع السقف إلى 3,5 متر، بزيادة 105مترمربع .وتوسعة عمر بن الخطاب 17 هـ حيث فتح بابين السلام والنساء وزاد ارتفاع السقف إلى 5,5 مترم ووسع رواقا في الجنوب 5متر ورواقين في الغرب 10 متر و15 متر في الشمال زيادة1425 متر مربع. وتوسعة عثمان بن عفان 29هـ إذ وسع رواقا في الجنوب 5متر وفي الشمال 5متر وفي الغرب 5متر أي 1100 متر مربع وشارك في البناء. توسعة الوليد الأموي 91هـ وسع رواقين في الغرب 10 متر وثلاثة أروقة في الشرق 15 مترا ووسع في الشمال وبنى المحراب والمنائر الأربعة وفتح 20 بابا زيادة2369 متر مربع . توسعة المهدي 165هـ وسع في الشمال وبنى مقصورة على الصف الأول زيادة 2450 متر مربع. توسعة قايتباي 888هـ وسع 1,12 متر خلف المقصورة الشريفة شرقا وأعاد المسجد إلى سقف 11مترا ارتفاعا، وبنى فوق القبة الشريفة قبتين وركب حولها الشبابيك زيادة 120 متر مربع. وتوسعة عبد المجيد العثماني 1277هـ وسع خلف المقصورة الشريفة شرقا 2,62متر وجعل قبابا من الحجارة عليها ألواح الرصاص زيادة 1293 مترا مربعا. توسعة الملك عبد العزيز 1372هـ وسع 6024متر مربع في الشرق والشمال والغرب شمالي البناء المجيدي وارتفاع السقف 12,55 متر أي زيادة 6024 متر مربع بتكلفة 70 مليون اريال حينها. وجاءت التوسعة التاريخية، توسعة الملك فهد، بل خادم الحرمين الشريفين اللقب الذي اختاره لنفسه وصار سنة لمن بعده من إخوته، وقد جعلت التوسعة المسجد يستوعب 9 أضعاف قدرته الاستيعابية السابقة بتوسعة 82000متر مربع والساحات 235000متر مربع بتكلفة 72,2 مليار اريال. ثم توسعة الملك عبد الله 30500 متر مربع و 250 مظلة قامت على 2174 عمود كلفت إقتلاع 17 طن من الرخام عليها مظلات تغطي 143000متر مربع وكل عمود يظل 800 شخص طول الواحد 14،40 سنتمتر لتصل الساحات المحيطة بالمسجد والمهيأة للصلاة مبلطة ومبردة ويعلو سقف المسجد 10 مآذن هي جملة التوسيعات طول الواحدة منها 104 متر ويعلو كل واحدة منها هلال طوله 6متر ووزنه 4،5 طن وقد أقيمت على السطح أيضا 27 قبة تفتح وتغلق آليا وتزن الواحدة 80 طن ، أبواب المسجد 85 بابا وزن الباب 2،5 طن يغلقه ويفتحه حارس واحد ولا توجد به مسامير .مباني الطهارة والوضوء على أربعة طوابق تحت الأرض بها حوالي 6000حنفية وضوء و2000 دورة مياه ويسع المرآب الممتد على مساحة 29000 متر مربع4200 سيارة في آن واحد وبه 44 سلما كهربائيا و12 مصعدا إضافة إلى السلالم العادية. هذه التوسعات االكبيرة التي أغفلنا الكثير من تفاصيلها الشيقة لا تتوقف، تراقب وتتماشى مع زيادة الزوار والحجيج مع الارتفاع المستمر في عدد الراغبين إلى تأدية المناسك المرتبط بتزايد عدد المسلمين في العالم، ليست إطنابا ولا مفاخرة . لا تقتصر التوسعات على المسجد وحده بل ملحقاته ومحيطه القريب والبعيد: مرآب السيارات، محطات التبريد، والتهوية والكهرباء والطرقات، المطارات، الفنادق، المحطات وغيرها...
لقد جعلت الأسرة المالكة السعودية من خدمة الحرمين شعارها العريض الذي تحمله على رأسها وارتضته ميزة لها بين ملوك الأرض جميعا ، "وما وهنوا وما استكانوا" في لعب ذلك الدور. لقد صار المسجد النبوي قبلة لمليون شخص ونيف دفعة واحدة مرتين في كل سنة لمدة شهر تقريبا في كل مرة تتخللها زيارات خلال ما تبقي من السنة، وهو تجمع كبير في مساحة محدودة خاصة عندما يريدون كلهم زيارة الروضة والحضور للصلوات الخمس أي صلاة الأربعين، مما يعني مسؤوليات كبيرة ومتعددة من الحفاظ على مناخ سليم للعبادة وتوفير الأمان الشخصي والأمن العام: حمايتهم من الخارج وحمايتهم من داخلهم من أي تماس أو تدافع أو فوضى أو سلوك يضر بالسكينة، إضافة إلى الحفاظ على النظام والنظافة، طواقم عديدة وعديدة وعديدة أمنية ومدنية ودينية ومهنية وطبية.. وغيرها، موزعة في إدارات كل حسب تخصصها: إدارة الفرش، إدارة النظافة، إدارة الأبواب، إدارة الصوتيات، إدارة التبريد.. كلها مجندة لهذه المهمة خدمة للزوار، مهام مختلفة تنجز في آن واحد دون أن يصيبهم نصب ولا ملل. المتابعة الشديدة والصارمة والتنسيق الدقيق والجهد الكبير والإمكانيات الهائلة التي تضعها الدولة السعودية طائعة قانعة لهذا الغرض. كل إدارة وكل فرد يعرف مهمته في طاقمه بشكل دقيق لا مواربة فيه ويعلم علم اليقين أن لا تهاون ولا تنازل في أي حرف ولا شبر من تلك المهمة، وأن لا تبديل في الأوامر لكي يظل الوضع كما أراد له الله مقدسا وآمنا صالحا للعبادة في سكينة ووقار لا يوجدان في غيرهما من بقاع الأرض. إنها مهمة ليست بالرخوة ولا بالهينة جند الله لها قوما فانبروا لها وقاموا بها على أكمل وجه، على أـ ك ـ مـ ـ ل وجه، فجزاهم الله خيرا عن الديار المقدسة وعن المسلمين. الأسرة المالكة والشعب السعودي الكريم في الديار المقدسة لا مثيل لهم في الحقيقة . وأثناء المواسم بالذات حدًث ولا حرج.
في هذا الزمن بالذات تكون درجة الحرارة في مستوى الخمسين مئوية، ويكون عدد الزوار المليون أو يزيد، ولا تسع جدران المسجد النبوي أكثر من 280 ألف مصلي، وهنا تتجلى أهمية إصلاح الساحات المحيطة بالمسجد التي تتوزعها الأعمدة الخارجية التي تحمل على رؤوسها مظلات تعطي ظلا وارفا يسع كل واحد منها ثمان مائة مصل، وثبتت عليها مروحيات تنفث في شيء من الراحة كما يظهر في حركتها الدؤوبة زخات من البرد كأنها لفتة رحمة لا تنقطع في كل دورة من دوراتها، يتلذذ بها كل داخل إلى المسجد وقد أرفأه وهج شمس المدينة التي تهوي على ما تبقى من برودة الليل اليسيرة وتصهرها لتعطي جوا ساخنا طيلة اليوم في مفارقة غريبة لا يُشعرك بالضجر. يتعاظم الموقف عندما ترى على الجهات الأربع الأفق وقد سودته جماجم البشر وكأن الأرض هي التي تتسلل من تحت الأقدام إلى داخل المسجد في منظر مهيب يحمل على الموعظة والعزة، لحظات يطبعها التآخي والتسامح بين أجناس ولغات وأشكال شتى في سباق إلى مغفرة من ربهم وأجر في انتظام ووقار عظيمين، كل يفسح المجال لصاحبه في صفوف خلفها صفوف خلفها صفوف مرصوصة في وقفة خاشعة إلى بارئها يرجون رحمته ويخافون عذابه، كل يحمل مخاوفه وتفريطه وإسرافه على نفسه وكربته ومأزقه إلى بارئه يناجيه من بجوار نبيه، يخافون يوما عبوسا قمطريرا، لعله يقيهم شر ذلك اليوم، ويفرج عنهم كربتهم وينفس غمهم، اللحى والخدود مخضبة بالدموع والخواطر منكسرة ولا فرق بين ملتح وأمرد وكهل وشاب ورجل وامرأة عندما تغمر الموعظة النفوس وتملأ الصدور ولا تسمع إلا بكاء وزفرة، وهم على أهبة الاستعداد، وبكلمة واحدة من رجل واحد سووا صفوفكم تطأطئ الرؤوس وتصدع لها الملايين بقلوب وجلة ونظرات قاصرة استعدادا لتأدية الفريضة في جو إيماني نظيف ومكان وحشد مختلفين. كل شيء في المسجد مصمم على بعث الراحة والطمأنينة، لا يوجد ما يخدش وقد بسطت المتعة نفوذها فلا ترى ولا تسمع إلا ما ترتضي: قرءان يتلى أو دروس تلقى أو رجال يتنفلون، وبين ذاك وذاك ماء بارد ونسيم وطيب.. المصابيح بالآلاف تشتعل في وقت واحد لتعطي ضواء صافيا أقرب إلى النور، لا وهج لها ولا تؤثر عليك مهما طال بك الجلوس أو القراءة تحتها، المكبرات المدفونة في المبنى تارة والمثبتة أخرى في الأعمدة يملأ صوتها الرخيم الأفق في فخامة لا تتصور وكأنها تنقل لك بكل صدق مشاعر المؤذن الذي يقف على رأس رسول الله وهو يصدح بالنداء يعج برهبة اللحظة وعظمة الموقف في صوت ينفذ إلى طيات خلدك ليدغدغ آخر أحاسيسك ويبعثك مجددا في ثنايا ذلك النداء: الله أكبر، الله أكبر، في عملية مد وإشهار وكأنك تصًعد معها إلى الملأ الأعلى ولن ينتهي النداء إلا وقد شحنك بطاقة روحانية ولهفة إلى الصلاة وبتكبرة واحدة تفوض جوارحك ونفسك وعقلك إلى الإمام وقد اقشعر بدنك مع حلاوة التلاوة على لسان ذلك الإمام الذي خدم القراءة كثيرا وهو ينتقل بين آياته تجويدا وتلوينا ويرتقي سلم الإتقان في الأفعال ليأتي بكل شيء على هيأته أقوالا وأفعالا في خشوع وطمأنينة منقطعي النظير دون أن تشعر إلا بالرضى بتأدية الفريضة على حالتها قولا وعملا وكأنك أتيت بها على حالها للمرة الأولى مهما تعدد ذلك. ويبقي المكان دائما عظيما يعبق براحة النفس وخلو البال ، ويجد الطيب الفواح الذي تبعثه روائح الدهان الطيبة مكانا عميقا في النفس يروق لكل داخل وكأن رائحته صممت لمزاج الجميع تفوح من مصدر مجهول في كامل أرجاء المسجد يتخطفها النسيم المتأتي من التكييف الذي يلطف جو المسجد باستمرار ويحافظ على مناخ معتدل طيلة الوقت. تتكاتف كل تلك العوامل والجهود لتخلق لك ظرفا تحتضنك فيه الطمأنينة وتغشاك فيه راحة البال وتأتيك الراحة من كل جانب حتى لا تمل العبادة أبدا . إنه طعم لن يتذوقه إلا من كتبت له خطوة إلى هناك.
يحاط المسجد بعناية كبيرة جعلته محط إبداعات واسعة على مستويات عدة يضيق الحديث عنها، أكان ذلك من ناحية العمران أو الفخامة أو الضخامة دون أن يشوب ذلك مهابته ومكانته وعظمته كدار عبادة ومنام للرسول المعظم.. الألوان الغامقة في الفرش وفي البناء منسقة ابتعادا عن البهرجة وخطف أبصار المصلين وابتعادا عن التشويش عليهم ولذلك ظل التداخل بين الجمال والبساطة في أبهى تجلياته. وليس ذلك هو محط العناية وحده، بل الأمن والنظافة والسقاية: عند كل باب يجلس شخصان بالزي المدني مدعومان بعساكر عند المداخل الرئيسية يقفان أوقات الذروة ويجلسان على أريكة أوقات الرخاء يراقبان الداخل إلى المسجد بنظرات فاحصة يقظة لن يفلت منها أحد ولن ينفذ بشيء محرم إلى داخل المسجد، فالدخول بالأغراض الشخصية والأمتعة والأطعمة المطهية ممنوع، فلا يدخل البصل ولا الثوم ولا العصائر ولا الحليب غالبا إلى داخل المسجد، تتم نظافة المسجد مع وجود الزوار بطريقة إبداعية فريدة حيث يتم دفع الناس عن مربع معين يحيطه العمال بحبل رقيق من البلاستيك ملون لكي يلاحظه الناس ويسكبون مواد الغسيل داخل ذلك المربع ويتبعونها بأدوات الخرط والمسح متبوعة بعربات صغيرة للتجفيف والمسح لينتقلوا إلى مساحة أخرى، وفي أقل من ساعة أو ساعة على الأكثر يكون المسجد قد تم تنظيفه على أكمل وجه وهكذا دواليك. كما ينتشر الحرس بلباسهم في المسجد وفي الممرات بشكل غير لافت ولا مزعج ساهرين لا مضايقين ولا متحشدين، ويكون تواجدهم أكثر تركيزا بجوار القبة المشرفة حيث يتم تنظيم الناس الذين يحملهم الشوق وقد قطعوا آلاف الكلومترات لتلك اللحظة، زيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا تتم تلك العملية أيضا في جو بديع رغم الهرج والتدافع الذي يحدثه الزوار.. السعوديون يملكون مفهومهم الخاص للزيارة ولذلك قد أبعدوا القبة المشرفة عن متناول أيدى الناس وأبدانهم وجعلوا ممرات إجبارية ومتارس من الإسمنت ومن الحرس والواعظين الذين يجزرون الناس وينظموها ويرشدوها، طواقم عديدة متفاهمة ومنسقة لنفس المهمة أمنيا وعقديا. هذا الفهم الديني خدم المهمة كثيرا في سلاسة الزيارة والسرعة التي تتم بها رغم الجحافل كما تظل القبة بعيدة عن مرمى أبدان الناس وملابسهم وأغراضهم، وهكذا تمر الناس زمرا من مواجهة القبة وقد استلموها بالسلام والدعاء والزيارة أثناء المشي دون التوقف.
المسجد هو أكثر بناية على وجه الأرض مع المسجد الحرام كثافة واكتظاظا، ولذلك يتطلب بسط الأمن، ليس من أجل الأمن لكن من أجل السكينة، جهدا غير بديهي ولا تلقائي، وهو بذلك يقع تحت 543 كاميرا، تسيره إدارة كاملة، كما يوجد جيش بكل معداته على أهبة الاستعداد يزهو في جو من الكتمان. يستمد المسجد سقايته من بُعد 7 كيلومترات وبطاقة تبريد 819000 متر مكعب للساعة، تسير في نفق الخدمات.