يرى نابليون بونا بارت بأنه للنصر آباء متعددون لكنه لا يكون حاسما إلا بعد إنقشاع غبار آخر المعارك.
وقد انتصر الموريتانيون قيادة ودولة وشعبا .. موالاة ومعارضة في معركة استضافة القمة العربية العادية الـ 27 التي احتضنت أنواكشوط فعالياتها المختلفة من 20 إلى 26 يوليو 2016.
انتصر الرئيس محمد ولد عبد العزيز لأنه اتخذ القرار الصعب وأدار مجريات القمة بنجاح ، وانتصر الموريتانيون من كل المستويات لأنهم كانوا في الموعد ورفعوا تحديات التحضير في 90 يوما ، وانتصرت لجنة التحضير بقيادة دولة الدكتور مولاي ولد محمد الأغظف لأنها تجاوزت كل الاكراهات وحلت كل الاشكالات ووفرت متطلبات احتضان الأشقاء والقادة والضيوف في أفضل الظروف.
بعابرة أخرى وفقت موريتانيا في تنظيم قمة تاريخية ناجحة لها رمزيتها الخاصة .. مثلت أول حضور عربي شامل وعلى أعلى مستوى تشهده موريتانيا منذ استقلالها في نوفمبر 1960م .. واستطاعت رغم إكراهات الظرف العربي أن تضفي على هذه القمة طابعها الخاص ، فحضور العيس والقوافي ومخيمات الثقافة وحرارة التلاقي وروح الاحتضان ودقة التنظيم ورصانة المخرجات كلها أمور أعطت لهذه القمة التاريخية كل أبعادها القومية وأخرجت موريتانيا بجدارة من طور الدول الهامشية التي لا تستشار إذا حضرت ولا تنتظر إذا غابت.
موريتانيا تبوأت رئاسة العمل العربي المشترك عن جدارة واقتدار وتقود العالم العربي لسنة قادمة وهذا هو التحدي الأكبر الذي يجب أن يستمر فيه تنافس المتنافسين .. فكما أنجحنا القمة يجب أن ننجح الرئاسة الموريتانية للعمل العربي المشترك .. فلم تكن القمة إلا بداية تزاحمت العقول والإرادات كي تكون بداية ناجحة وسليمة تفتح آفاقا لتقييم الموجود عربيا واستشراف الموعود.
فكيف ننجح الرئاسة الموريتانية للعمل العربي المشترك على مدار السنة القادمة؟
وما هي الخطط والبرامج التنفيذية الكفيلة بذالك؟
وما هي الأوليات؟
في البداية يجدر التأسيس على مكاسب تحققت خلال مجريات القمة فعلى الصعيد الداخلي تداعى الطيف السياسي معارضة وموالاة لإنجاح القمة وهذا المكسب يجب أن يتعزز ويشكل إحدى مرتكزات الرئاسة الموريتانية للعمل العربي المشترك مستقبلا.
وعلى الصعيد الخارجي تراكمت جهود ديبلوماسية موفقة بوأت موريتانيا مكانة الدولة المقبولة من كل الأطراف التي تمتلك جسور تواصل سالكة مع الجميع وهذا مكسب قابل للتطوير والتفعيل لتجاوز كل الإكراهات العربية البينية.
وبصورة أكثر عملية فإن الهدف الأول أمام الرئاسة الموريتانية هو تفعيل العمل العربي المشترك من أجل (عالم عربي آمن، مستقر ، نام، مزدهر، عالمي مؤثر).
ولإنجاح الرئاسية الموريتانية وتحقيق هذا الهدف يمكن العمل وفق المحاور التالية:
1 ــ محور إصلاح البيت العربي
2 ــ محور اصلاح العلاقة مع الجوار العربي
3 ــ محور اصلاح العقل العربي
4 ــ محور تطوير الحكامة المؤسسية (إصلاح الجامعة وأدوات العمل المشترك)
5 ــ محور إشراك الرأي العام العربي
6 – آليات التنفيذ
1 - محور إصلاح البيت العربي
أ – سياسيا:
إخماد التوتر والنزاع وإصلاح ذات البين وتحسين المشاركة والمواطنة والأخوة من أجل الأمن والاستقرار من خلال:
ــ دعم المبادرة الكويتية وجهود المبعوث الخاص للأمم المتحدة وكل الجهود الأخوية الهادفة لحل الأزمة اليمنية.
ــ تحيين المبادرات الأخرى الخاصة بالأوضاع في سوريا والعراق وليبيا والعمل بصورة سريعة مع كل الشركاء لحقن دماء الأشقاء وتسهيل حل المشاكل على طاولة المفاوضات بالطرق السلمية ومواكبة ذلك بخطط إعمار رائدة.
ــ تحيين المبادرات العربية والدولية ذات الصلة بالصراع العربي الاسرائيلي والتصدي لكل محاولات الاستيطان والتهويد.
ــ تعزيز الأمن القومي العربي من خلال توحيد القدرات الأمينة الذاتية وتشبيك الجهود وتفعيل التنسيق والتكامل ومتابعة جهود تشكيل القوة العربية المشتركة.
ــ تطوير آليات مشتركة لإدارة الصراعات الداخلية والخارجية بصورة استباقية وعلاجية تشاركية.
ــ وضع آلية لمساعدة الدول العربية الشقيقة في تجاوز خلافاتها البينية.
ــ تفعيل الاستراتيجيات المتعلقة بمكافحة الارهاب وبتجفيف منابع الفكر المأزوم.
بـ - اقتصاديا:
ــ تعزيز منعة الاقتصاد عن الاعتماد على أسعار مواد أولية متذبذبة.
ــ إطلاق مشاريع تمكين اقتصادي للشباب.
ــ إعادة إعمار مناطق دمرها الصراع.
ــ البنية التحية المشتركة (الجسور والربط الكهربي),
ــ الاستثمار الزراعي (موريتانيا والسودان).
ــ تشجيع التجارة البينية.
ــ العمل على تطوير وتأمين المسارات السياحية الداخلية والخارجية.
ــ التحرك السريع من أجل صيانة الأمن المائي العربي وتأمين مصادر مياه الوطن العربي.
ج – اجتماعيا:
ــ تخفيف البطالة بالعمالة المتنقلة ومنح أولوية لتشغيل العمالة العربية.
ــ حماية وتنويع الفرص لضحايا النزاعات (تعليم الصومال ، الطفل الفلسطيني ، التعليم في سوريا).
ــ العمل على تخفيف معاناة الشعب الفلسطيني ودعم كافة أوجه صموده البطولي.
ــ الاسهام فى تأطير عودة النازحين من بؤر الصراعات العربية وتطوير جهود الإغاثة والمواكبة الانسانية.
2 ــ محور اصلاح العلاقة مع الجوار العربي
أ - جنوب الصحراء:
ــ مشاريع مشتركة مع الجوار الافريقي.
ــ السور الأخضر والطريق عبر الصحراء.
ــ التعليم العربي لتعزيز الأمن والوئام والسلم.
بـ - التصدي للتغلغل الهادف لإحداث هوة بين العرب وجيرانهم (إسرائيل في إفريقيا) بما يؤمن منابع النيل ويصون أمن مصر والسودان ودول التماس العربي الافريقي.
ج ـ المساهمة في تحضير القمة العربية الافريقية القادمة من أجل جعلها قمة نوعية للتكامل العربي الافريقي.
د ـ الجوار الإيجابي البناء لتخفيف التوتر مع دول مؤثرة في الجوار (تركيا – إيران – إثيوبيا)
3 - محور اصلاح العقل العربي
أ – تعزيز مكانة اللغة العربية وتمكين المصادر المستقاة منها أمام التغلغل الفكري والإغراب (مكانة المحاظر – دور التعليم الأهلي ـ دور الجامعات والبحث العلمي)
بـ - دعم العملية التعليمية والمعرفية في الدول تحت النزاع.
ج ـ تعزيز لغة الفكر الإيجابي لدى الشباب والمشاركة الفاعلة بعيدا عن الطائفية والكراهية والتطرف.
4 - محور تطوير الحكامة المؤسسية (إصلاح الجامعة وأدوات العمل المشترك)
أ – رفع الحكامة في الأمانة العامة للجامعة العربية إلي مستوى الاتحاد الافريقي.
بـ - إصلاح آليات العمل بين لجان واجتماعات ومؤسسات تابعة للجامعة وطريقة التعامل مع الملفات.
ج ـ وضع إسراتيجية للعمل العربي المشترك ذات أهداف محددة قابلة للإنجاز من حيث الزمان والمكان والوسائل.
د ـ تعزيز دور الجامعة العربية على مستوى المنظمات الدولية والاقليمية.
5 - إشراك الرأي العام العربي من خلال:
ــ تحيين وتفعيل استراتيجيات التكامل الاعلامي العربي خاصة تلك المتعلقة منها بمكافحة الغلو والتطرف والإرهاب.
ــ إنزال تلك الاستراتيجيات في برامج تنفيذية لنشر ثقافة الانفتاح والوسطية والتسامح والتفاعل والتكامل الإيجابي داخليا وخارجيا.
ــ التواصل مع الأطراف الخارجية ومع الهيئات المختصة لمواجهة الاسلاموفوبيا والنزعات العنصرية التي تواجه الجاليات العربية في الخارج.
6 – آليات التنفيذ
ــ التنسيق مع الجامعة العربية لوضع خطة عاجلة لترتيب أولويات العمل العربي المشترك ووضع كرونوغرام للخطوات القادمة التي يتفق بشأنها على المديين القريب والمتوسط.
ــ فتح مسارات على أعلى مستوى خاصة ومباشرة بالقادة العرب للتشاور وتجاوز الروتين في معالجة القضايا الحيوية.
ــ توظيف كل مسارات الديبلوماسية البرلمانية والثقافية لتأمين التواصل مع الدول والهيئات المستهدفة على كافة المستويات.
هذه بعض الأفكار وبعض التوجهات القابلة للتعميق والتحيين والتشذيب والتهذيب وحسبها أن تشكل لبنة لإنجاح الرئاسة الموريتانية للعمل العربي على مدار السنة القادمة ، فموريتانيا مؤهلة للنجاح و:
(على قدر أهل العزم تأتي العزائم ** وتأتي على قدر الكرام المكارم)
(وما نيل المطامح بالتمني ** ولكن تؤخذ الدينا غلابا)
(ولم أر في عيوب الناس عيبا ** كنقص القادرين على التمام)
وكما كانت قمة انواكشوط العربية ناجحة وشكلت بداية سليمة فلتكن الرئاسة الموريتانية للعمل العربي المشترك على مدار السنة القامة موفقة وناجحة إن شاء الله.
بقلم: أحمد مصطفى