تقرأ الصحافة في موريتانيا والمغربفتظن أن الحرب بينهما على أشدها، وتسمع تصريحات الرسميين في البلدين، فيخيل إليك أن علاقاتهما ممتازة وفي أوج قوتها وحيويتها، وبين هذا وذاك يمكن تلمس معالم أزمة صامتة في هذه العلاقات، تجد التعبير عنها في أكثر من مشهد، حسب المحللين وقادة سياسيين في المعارضة.
فبينما تتحدث الصحافة عن توتر في علاقات البلدين ويذهب بعضها إلى الحديث عن حشود عسكرية، ينفي المسؤولون بالبلدين أي توتر في العلاقات، ويقطعون بعدم وجود أي تحركات عسكرية خارج سياقاتها، بعد الحديث عن عملية عسكرية بدأها المغرب في منطقة حدودية حساسة تربطه بالصحراء الغربية وموريتانيا، وصفها بأنها تهدف لطرد المهربين.
ويؤكد وزير الثقافة والصناعة التقليدية الناطق الرسمي باسم الحكومة الموريتانية محمد الأمين ولد الشيخ أنه "لا يوجد توتر في العلاقات بين موريتانيا والمغرب". وأضاف في مؤتمر صحفي في نواكشوط الخميس الماضي أن الوضع طبيعي ولا يوجد ما يلفت الانتباه.
وتتناغم تصريحات ولد الشيخ مع تصريحات ومواقف رسمية عديدة ومن مستويات مختلفة وفي أكثر من مناسبة، قاسمها المشترك الحرص على نفي سوء العلاقات، لكنها تبدو محكومة بالتحفظ، ولا تتجاوز القول بأن العلاقات طبيعية.
مظاهر دبلوماسية
ورغم تلك التصريحات هناك مظاهر كثيرة تشير إلى وجود أزمة صامتة في العلاقات بين البلدين، أبقت ما بينهما في حدود اللياقة الدبلوماسية مقتصرا على تبادل التهاني بمناسبة الأعياد الوطنية، وهي أزمة تجد التعبير عنها في مظاهر عديدة.
ولعل من أبرز المؤشرات على ذلك عدم تعيين موريتانيا سفيرا بالمغرب منذ 2012 واكتفاءها بقائم بالأعمال، وعدد محدود من الموظفين في سفارة كانت حتى سنوات قريبة من أهم سفاراتها في بلدان المنطقة، كما يلاحظ غياب تام لتبادل الزيارات على قيادتي البلدين، وتخفيض المغرب لتمثيلها في القمة العربية التي احتضنتها نواكشوط في يوليو/تموز الماضي، حيث ترأس وفدها وزير الخارجية.
وبالتوازي مع هذا البرود في علاقات البلدين، عرفت العلاقات الموريتانية والجزائرية نوعا من الدفء، عكسه تناغم في مواقف الجزائر ونواكشوط من القضايا الإقليمية والأفريقية.
وفي السياق يرصد الولي ولد سيدي هيبة الإعلامي والمحلل السياسي المتابع لملف العلاقات المغاربية اهتماما موريتانيا أكثر حيوية بقضية الصحراء الغربية، جسده كما قال في مقابلة مع الجزيرة نت استقبال الرئيس الموريتاني أكثر من مبعوث صحراوي، وحضور وفد حكومي رفيع لتشييع جنازة زعيم جبهة البوليساريو الراحل محمد عبد العزيز .
استضافة معارضين
وعلى مستوى المواقف تأخذ نواكشوط على الرباط كما يقول ولد سيدي هيبة فتح المغرب ذراعيه لبعض المعارضين الموريتانيين الناشطين ضد الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، والساعين إلى إضعاف وزلزلة نظامه، من أبرزهم رجل الأعمال القريب منه اجتماعيا محمد ولد بوعماتو، الذي يتخذ من فاس مقرا له.
وتتهم الحكومة الموريتانية ولد بوعماتو بممارسة نشاطات ضدها، واستخدام نفوذه ومقدراته المالية للإضرار بها ورجل الأعمال المصطفى ولد الإمام الشافعي الذي أصدرت موريتانيا مذكرة توقيف دوليه بحقه.
في حين تأخذ الرباط على نواكشوط "مواقفها القريبة من الجزائر وجبهة البوليساريو، وترى في تعيين الاتحاد الأفريقي لمبعوث خاص بقضية الصحراء حين كان الرئيس الموريتاني يرأس الاتحاد خطوة غير ودية"، كما ذكر ولد سيدي هيبة في نهاية مقابلته مع الجزيرة نت.
ورغم حدة التجاذب في الساحة السياسية الموريتانية، ظلت كتلة المعارضة الرئيسية متحفظة في تناول هذا الموضوع حرصا على عدم الإساءة لعلاقات ترى أنها يجب أن تبقى جيدة خدمة للشعبين.
ويعتبر رئيس حزب الاتحاد والتغيير الموريتاني المعارض صالح ولد حننا أن "ما يحدث الآن بين موريتانيا والمغرب لم يصل بعد إلى حد الأزمة"، وهو فتور غير قابل للتصعيد، ولن يسعى أي من الطرفين لتصعيده، حسب تعبيره.
ومع ذلك فإن ولد حننا يقول في حديث للجزيرة نت إن السلطات في البلدين حتى الآن "تنفيان رسميا هذا الفتور، لكنه يبدو واقعا هنا وهناك" وهو برأيه فتور يؤثر سلبا علي البلدين وعلي الشعبين.
ويدعو ولد حننا موريتانيا والمغرب لحوار مباشر وصريح يعمل على تغليب المصلحة والمصالحة، وأضاف أنه من "اليسير تجاوز هذه الحالة إذا غلب الطرفان المصلحة المشتركة علي الحوادث العارضة".
الكاتبة الصحفية / زينب بنت أربيه - انواكسوط نقلا عن موقع الجزيرة نت