حين علق السياسي المخضرم مسعود ولد بولخير مشاركته فى مجريات الساعات الأخيرة للحوار الذي اختتم بخطاب رئاسي يؤكد عدم ترشح الرئيس لمأمورية ثالثة وبكرونغرام للإستحقاقات القادمة كما يريدها المتحاورون لم يكن ذلك مجرد مناورة عابرة بل كان على ما بدأ يظهر موقفا سياسيا مؤسسا ومرتكزا على قراءة الرجل لمجريات ومآلات المشهد السياسي الموار.
فمسعود دخل الحوار مدافعا عن حزمة اصلاحات (مجمع عليها) من وجهة نظره تصور أنها تلبى حاجات معلنة وتتجاوب مع هواجس غير معلنة لدى الجميع ، منها تمديد سن الترشح لكي تمنح فسحة وقتية إضافية لأساطنة الفعل السياسي من أمثاله وأمثال ولد داداه ومن سيصبح على شاكلتهم ، وفتح موضوع المأموريات الرئاسية تزلفا لمحمد ولد عبد العزيز وبعض مؤيديه ، وهنالك مواضيع أخرى متعلقة بالحوكمة وبتوزيع الثروة والسلطة وتحقيق حد من التناوب وتأمين قدر من المشاركة والتداول.
وقامت مقاربة مسعود على أنه كلما أفسح المجال لإشراك قوى معتدلة كلما كانت هنالك فرصة لتقليص فعل النزعات الاتنية والفئوية والسياسية المتطرفة من خلال سحب البساط من تحت أقدامها.
والظاهر أن مقاربات مسعود التي تجنب تقديمها فى وثيقة مرجعية لكي لا يلدغ من نفس الجحر الذي لدغ منه حين أنزل مبادراته السابقة فى وثائق لم تنل نصيبها من النقاش بسبب اضمحلال دور فريق التحالف الشعبي المحاور واقتصاره على مجرد الحضور ورفع بعض الشعارات من حين لآخر.
حاول مسعود لمعرفته من أين تؤكل الكتف تمرير افكاره من خلال لقاءات مع الدكتور مولاي ومع الرئيس لكن الرئاسة لم تستجب فى أحيان كثيرة واعتبر هذا المسعى الجانبي مزايدة فى غير وقتها ، وتسارعت مجريات الحوار ليجد مسعود نفسه مضطرا للإعتصام بجبل الممانعة التقليدي متحفظا على مجريات حوار لم يكن فاعلا فى أي من مراحله رغم أنه كان يعتبر نفسه أحد مهندسه الرئيسيين.
واليوم يقف مسعود على مفترق طرق متعاكسة الاتجاهات ، فإما اللحاق بقافلة مخرجات الحوار من بوابات التفافية وهذه البوابات يتحكم الرئيس محمد ولد عبد العزيز فى توقيت وحيز فتحها أو إغلاقها متى شاء ، وإما التأرجح القاتل فى المنطقة المعتمة الوسطى بين المعاهدة والمنتدى ، وإما المجازفة في هروب معارض إلى الأمام ومحاولة تصدر التيارات الرافضة للتعديل الدستوري المرتقب.
وحين يتمكن مسعود من ذلك ويحقق منجزات على هذا الصعيد من خلال تدني نسب المشاركة أو تعادل الرافضين للتعديل مع المصوتين لصالحه تنتقل الأمور إلى مثلث آخر يشكل الرجل إحدى زواياه المستقبلية.
ومهما يكن من أمر فبالنسبة لمسعود وغيره لن يبقى أي شيء كما كان وكل الخيارات مفتوحة وكل السناريوهات محتملة ، والأيام كفيلة بالإفصاح عن فسيفساء مشهد ما بعد حوار خيمة انواكشوط التي تؤرجحها رياح الفصول والهواجس والنزعات فى كل الاتجاهات.
بقلم: محمد عبد الله ولد محمدو [email protected]