الامبراطوريات تولد بعد مخاض بصورة طبيعية أو قيصرية .. تزدهر .. تتغول .. تتارجح .. تترنح .. ثم يعتريها الوهن .. تنطفئ وتندثر حين تؤول أمورها لانصاف الرجال ...
إذا اراد الله هلاك أمة قيض لها أن تؤمر مترفيها وفساقها وعصاتها فيحق عليها القول فتدمر ويأتي القوي القادر بخلق جديد.
........
الولايات المتحدة الأمريكية إمبراطورية نكرة نمت على هامش العالم .. على أنقاض إمبراطوريات هندية عظيمة سادت ثم بادت .. هذه الإمبراطورية الامريكية بناها مكتشفون .. مهاجرون .. مستوطنون .. مجرمون وأوباش ضاق بهم العالم القديم بما رحب فانبروا يطفحون خارج سياق مقاييس القارة العجوز الغارقة حتى الثمالة فى حروبها وخرافاتها وهواجسها المتراكمة.
......
خلال مائتي سنة انجز الأمريكيون محرقة الهنود وخاضوا حروبهم الداخلية والخارجية وبدل ان يكونوا احد اذرع الحضارة اليهودية المسيحية التي انبتتهم .. انقلبوا عليها أصبحوا هم العالم وهم الأصل فكان مخطط مرشال .. وكانت القنبلة النووية والهيدروجينية .. وكانت الحروب الخارجية الساخنة والباردة .. وكان غزو الفضاء .. وكان مسخ القيم القديمة وتدميرها .. وكانت العولمة .. وكانت الفوضي الخلاقة .. وكان الربيع العربي .. وكان ما كان.
لكن التاريخ لا يسير بخطوط مستقيمة فحين تتسنم قمة المنظومة الكونية لا يبقى امامك إلا التراجع والانكماش أو التبخر والاندثار.
......
تمخضت العبقرية الامريكية فى كلكل الربع الأول من الألف الثالثة للميلاد وتفتقت ديمقراطية العالم الجديد لتنجب دونالد ترامب المسكون بتمزيق الداخل وتخويف الخارج فى لحظة مفصلية كان لها ما قبلها وسيكون لها ما بعدها لا محالة.
......
طبعا لا مراء فى أن المسايسة من منطق رعاة البقر تذيب الفوارق بين المهرج والقديس .. بين الشكل والجوهر .. بين الانسان والشيطان .. ولا مراء ايضا فى ان الكثير من السياسيين يفسدون فى الأرض وقلما يصلحون.
...........
دونالد ترامب الرئيس الـ 45 مايسيترو انتخبه رعاة البقر ولوبيات السلاح وما فيا المال المشبوه للإنتقام من المنظومة المدنية السائدة ومن العالم ..
هو رجل غريب الأطوار عجيب المسار .. حملته أمه كرها ذات مساء فى أتون الحرب العالمية الثانية نهاية 1945 والقت به كرها إلى العالم فى 14 يونيو 1946 فى غمرة احتدام الحرب الباردة ليتخرج من جامعة بنسلفينيا 1968 مع إرهاصات عصر التعايش السلمي الوهمي وليصبح رقما من ارقام شركة والده الملياردير قبل ان يتبوأ رئاستها ويغير اسماءها ومقارباتها التجارية.
.........
دونالد ترامب بهلوان مبدع أدرك بغريزته الجشعة أن ابتكار الخدمات الناعمة اقصر طرق الثراء وأن أفضل سبل النجاح هي تلك الإلتفافية المؤدية للجيب .. فالمبادئ لا تبيض ذهبا بينما المليارات تصنع المعجزات .. وفى محراب عبادة الدراهم والدنانير تشكل العذيطة وسيلة ويشكل التهريج الاعلامي اسلوبا لإغتصاب القلوب والجيوب وجذب الأضواء التي تخرجك من عتمة الافلاس الاخلاقي والانحسار والانكسار الوجداني وترسخ صورتك النمطية كملياردير ماجن حرق مراحل الاثارة والشهرة والنجاح فترنح ثملا باحثا عن موطئ قدم تحت شمس البيت الأبيض حيث تلتقي دهاليز التجارة والامارة.
.......
طبعا لا مبادئ للرجل فــ"الآخر" بالنسبة له لا يمثل اكثر من عائق وخصم .. ولم تمثل "الأخري" اكثر من مشروع متعة تنهش مقابل دولارات.
فهيلاري منافسته نعتها فى اتون الحملة "بالمرأة الباردة التي عجزت عن إرضاء زوجها المسكين بيل" وتندر بان: "إيفانكا" لو لم تكن ابنته لكان واعدها" وغرد مرة ممازحا مؤيديه "صوتوا ثم موتوا" فالغاية تبرر الوسيلة حتى لو كانت تلك الوسيلة بناء جدار عازل على الحدود المشتركة مع المكسيك.
أما الخلائجة والجرمان وابناء الأصفر فعليهم أن يسددوا نقدا فواتير أمنهم وإلا تركوا لبطش قوى الشر..
والمسلمون مسؤولون من وجهة نظره عن احداث 11 سبتمبر ..
والزنوج والمخنثون عليهم ان يعودوا من حيث اتوا ..
فمشروع الرئيس الـ 45 هو تحويل الولايات المتحدة إلى شركة محمية .. إلى قلعة مسورة يديرها "شريف" غريب الأطوار لا يرى أبعد من نزواته.
........
ياللهول نثرت الديمقراطية الأمريكية كنانتها فرمت العالم باكثرها تهورا وغموضا وغرابة؟
فهل يؤذن ذلك بنهاية التاريخ؟
هل يعني انكفاء الامبراطورية الامريكية على ذاتها؟
هل يعني إعادة هيكلتها لادوارها فى عالم متعدد الأقطاب؟
أم يعني زوالها من الوجود لتلحق بمتتاليات الامبراطوريات التي سادت ثم بادت؟
.........
طبعا ايا كانت السيناريوهات فستشرق شمس اليوم الموالي من جديد على هذا العالم الموار الذي لن تكون إطلالة ترامب بالنسبة لمساره العام إلا سحابة مزعجة وغير ممطرة .. وستستمر الدنيا بهمومها ومتناقضاتها التي لا تتوقف.
إعادة نشر بمناسبة التنصيب دونالد ترامب.