ترجمة مآثرية تأبينا لوالدنا المرحوم محمد ولد أحمد ولد المصطفى الملقب السيف:
..السَّيْفُ المُؤَمَّرُ مَدُّهُ ... تَقَاصَرَتِ الْأَقْوَامُ عَنْهُ وَجِدُّهُ
لم تكن مصيبتي بموت والدنا محمد "السيف" أول مصائبي في الآباء، لكنها أشدها وقعا علي، ليس لأنه "بقية آبائي"، وإليه أنصرفت عواطفي لجهة الأبوة كلها منذ 2001، بل لأنه لم يزل أعظم إنسان في عيني منذ ميزت، ومثلي الأعلى في كل شيء، وكل تعبير أعبر به عن ذلك يقصر عن وصفه،
ولم يكن مجرد عم شقيق، وإن كان العم أبا، كما يدل عليه قول الله تعالى: " أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ المَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي، قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ، وَإِلَهَ آبَائِكَ، إِبْرَاهِيمَ وَاسْمَاعِيلَ، وَاسْحَاقَ، إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون"، فإسماعيل عليه السلام عَمُّ يعقوب، وجاء في الآية قبل أبيه إسحاق معدودا في الآباء، وفي طرف من حديث في الصحيحين قول النبي صلى الله عليه وسلم: " عَمُّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ"، وفي حديث آخر، قال عليه الصلاة والسلام في عمه العباس: "رُدُّوا عَلَيَّ أَبِي فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تَفْعَلَ بِهِ قُرَيْشٌ مَا فَعَلَتْ ثَقِيفٌ بِعُرْوَةَ ابن مَسْعُودٍ"/ أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، وأورده كثير من أهل السير...
طَوَى المَوْتُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ <<>> وَلَيْسَ لِمَا تَطْوِي المَنِيَّةُ نَاشِرُ
ولئن عمر بجسمه الطاهر اليوم جدث بالبعلاتية السعدى، فقد خلت منه دار بلكصر، عمرها بالتوحيد والذكر والصلاة والقرآن والصدقة والأبوة والخلق الرفيع زمانا..
لم يزل السيف متأهبا للموت، مستعدا له، في غير رهبة ولا خوف، عاملا لحياته كأنه يعيش أبدا، ولموته كأنه يموت غدا..
مرة كان في أحد المستشفات الخاصة بنواكشوط، للعلاج من وعكة صحية، وأثناء الزيارات، سأله أحدهم عن حاله، فرد عليه، بما تفصيحه: " الموت لا أخافه وإن جلس معي على هذا السرير لأنه لن يأتني إلا عند نهاية الأجل، والحياة أطلبها بهذا العلاج"..
قبل أشهر قليلة، أوصى بكل شيء يهمه، ولما كان قد أنقطع منذ سنوات من أي معاملات دنيوية، فقد ركزت الوصية على ما يفعل به بعد الموت، وشدد على أن لا يجري في عزائه ما تعوده الناس في ذلك، وأنه لا يطلب إلا الدعاء، والمسامحة..
ختم رحلته الطويلة مع الأدب ب "أَطْلَعْ" من لبتيت التام، في الدعاء، مع كاف ينعي فيه نفسه، ويشهر إيمانه، ويطمئن نفسه ومن خلفه، قال فيه:
وَلِّ وَاعَدْ رَبِّ حَشَاهْ <<>> مَا تُوكَفْ لَخْلَاكْ أَعْلِيَّ
مَانِ دَاِيرْ لَشْرِيكْ أَمْعَاهْ <<>> وَمْصَدَّقْ خَاتَمْ لَنْبِيَّ
وهذا من فقهه، وعلمه، ففي موقف الموت يغلب الرجاء على الخوف، وفي مواقف الحياة يغلب الخوف على الرجاء..
وودع من كان من الأبناء هنا، ممن لهم ارتباطات في الخارج، وطلب منهم الالتحاق بأماكن ارتباطاتهم، ولم يقبل منهم تعطيل شؤونهم بالإقامة معه، "ففي من هنا كفاية"..
في ضعفه الذي توفي فيه، أنشغل بقراءة سورتي "يس"، و"الملك"، من حفظه، يتحول بينهما وبين أسماء الله الحسنى، والاستغفار، بصغة "أستغفر الله العظيم"، ثم يلظ باسم الله: "يا عفو"، حتى إن الطبيب حاول كفه عنها لأنه يراها تتعبه، وكان على ذلك إلى أن فاضت روحه..
يسر الله أمر تجهيزه، وجهز على سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وصلت عليه جموع كثيرة من المسلمين المتوضئين، شهدوا له بالخير، ودفن بالبعلاتية إلى جانب من فرط من الإخوة والأحبة..
فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ الأَسَى يَبْعَثُ الأَسَى <<>> فَدَعْنِي فَهَذَا كُلُّهُ قَبْرُ مَالِكِ
كتب الله لمحمد أن يحيى سعيدا، ويموت حميدا، ويسر له أسباب الخير، وهيأها له، منذ أوجده إلى أن توفاه، ولا أراه إلا هيأ له أسباب السعادة في الحياة الأخرى..
بمكان يسمى: " أَنْطَيْفِيَّاتْ أَعْجُولْ أَهَلْ الْمُصْطَفَى"، 30 كلم شمال غرب بتلميت، عناه أحد شعراء الحسانية المشهورين بقوله في المديح:
بَاتَنَّ بَيْنْ أَنْطَيْفِيَّاتْ <<>> أَمْنَادَمْ بَيْنْ أَنْطَيْفِيَّ
وَنْطَيْفِيَّ بَاتْ أَلَّ بَاتْ <<>> كَاعْ أَفْطَنْ عَنُّ فَالْحَيَّ
في حدود سنة 1923 ولد لأحمد ولد المصطفى وأَمَّاتَ بنت عبد الله ولد أربيه (بَعْد طَافِلَاتْ)، محمد الذي سموه باسم النبي صلى الله عليه وسلم، وولد وهو عزيز على الناس في منطقة بتلميت، فقد كان والده رجلا فاضلا حافظا لكتاب الله، مشاركا في العلم، متعاطيا للشأن العام، رزقه الله مالا وفيرا، وكانت أمه سيدة صالحة محببة إلى الناس بشكل لا يوصف..
تربى محمد في طفولته في حضن والدين يحيطانه بحب شديد، يشاركهم في حبه أهل مدينة بأكملها، وبخاصة العائلات الكريمة النبيلة: ( أهل الشيخ سدي ـ أهل المختار ولد داداه ولد محمد مختار ـ أهل طفى ـ أهل حرمة الله ـ أهل عبد الفتاح ـ أهل أمبيريك ـ أهل محمود ولد سعيد ـ أهل أربيه ـ أهل سديا)، وهي عائلات أرتبطت على مر الزمن بصلات قرابة ورحم ماسة، وبأخوة صادقة مع عائلة أهل المصطفى، وبشكل أخص وغير مسبوق أحبه الشيخ سيد المختار الملقب أبَّاهْ ولد الشيخ سيد محمد ولد الشيخ سيدي الكبير، وقد يكون للقرابة الماسة من جهة الأمهات دور في ذلك، فوالدة "أبَّاه" مريم تغل بنت أربيه، وكان يُسْكِنُه معه، ويجلسه على فراشه، ويطعمه من مائدته، وهي منزلة لم يعطها حتى لأبنائه الكرام، وكان يحدث رحمة الله عليه أنه لم يذق مائدة أشهى من مائدة "أبَّاهْ"...
بدأ محمد دراسة القرآن على ابن عمه حبيب ولد محمد لحبيب، وحفظ علي يده نصف القرآن، ثم ذهب مع ابن عمه الشيخ أحمد شئث ولد محمد خليه ولد المصطفى إلى محظرة أبي ولد حيمود الجكني بضواحي بتلميت الجنوبية الغربية، وفيها حفظ القرآن، ودرس متون المحظرة الموريتانية المعروفة، وعرف عنه منذ البداية النبوغ والذكاء المفرط، ومن ذلك أنه كان يكتب في لوحه ثُمْنَانِ من "ذهابة" القرآن، ويحفظهما بسرعة كبيرة..
في حدود سنة 1938 توفي والده فأضطر لترك المحظرة، للقيام على الأسرة، فجاء إلى بتلميت، وبدأ مباشرة أعباء المسؤولية الأسرية، رغم السن المبكرة..
كانت بتلميت تعج بالأنشطة التجارية، والأدبية والثقافية، وكانت تشهد ما يسمى بالأعصار، وفيها تفتقت مواهب السيف الأدبية، ومع أترابه ولداته وأبناء زمانه، سليمان ولد الشيخ سيدي، ويعقوب ولد أبو مدين، وشيخاني ولد الشيخ ماء العينين، وموسى ولد محمد ولد الشيخ سيدي، ومحمد ولد سيد أحمد ولد منيه، والمختار ولد أعمر، وأحمدو سالم ولد ألجد، وببكر جاجي، وسيد أعمر ولد العالم، وعبد الله ولد الشيخ ولد جدو، وغيرهم شكل السيف عصر: "الأشراف" الذي أشتهر في بتلميت وفي كثير من مناطق موريتانيا، في ذلك الزمن، وكان هو أمير العصر، وشاعره الأبرز، ولما بايعوه رئيسا للعصر أعطوه اسم "السَّيْفْ"، وخاطبه المرحوم يعقوب ولد أبو مدين ولد الشيخ أحمدو ولد أسليمان مبايعا بأبيات منها:
أَلَا إِنَّمَا السَّيْفُ المُؤَمَّرُ مَدُّهُ <<>> تَقَاصَرَتِ الأَقْوَامُ عَنْهُ وَجِدُّهُ
ومفهوم "العصر" في بتلميت يختلف عن مفهومه في مناطق البلاد الأخرى، فالعصر في بتلميت لا يقتصر على اللدات من أبناء العم والقرابة فقط، بل يشمل قبائل ومناطق عدة، وأعمارا مختلفة، حتى أصبح الناس يقولون "صحبة أهل بتلميت" وإذا تعرفنا على قبائل بعض رجال عصر "الأشراف" تأكدنا من ذلك: ( شيخاني ولد الشيخ ماء العينين/ أهل الشيخ محمد فاضل الشرفاء ـ ببكر جاجي/ من غامبيا فيما أذكر ـ عبد الله ولد الشيخ ولد جدو/ من كنته ـ المختار ولد أعمر/ إداب لحسن ـ أحمدو سالم ولد ألجد/ إداتفاق...)..
وفق ما كان سائدا وقتها سافر السيف مع رفاقه إلى السينغال، وعموم إفريقيا الغربية للتجارة والسياحة، ومارس من الأعمال ما مارسه رفاقه، ورجال عصره، وحَصَّل ما كتب الله له من رزق، وكان منفقا جوادا، موسعا على الأهل، باذلا للمعروف..
بعد الاستقلال أقام بين نواكشوط، وبتلميت، وعمل في المصرف العربي الليبي الموريتاني عند إنشائه، إلى أن تقاعد، بداية التسعينيات، وكان خلال ذلك يغشى النوادي الأدبية والثقافية في نواكشوط، ويحضر مجالس الأكابر، ولما توفي أكثر أصدقائه، وخلانه، وسعه بيته إلى أن توفاه الله..
السيف رحمة الله عليه:
ـ كان وسيما طويلا، جميلا، أنيقا، يحب أن يكون ثوبه حسنا، ونعله حسنة، حبب إليه من الدنيا الطيب، وكان ذوقه فيه رفيعا..
ـ مثقف أديب ينظم الشعر الحساني في جميع البحور والأغراض، إلا غرض الهجاء، سريع البديهة، لا يقول ما يفرق الجماعة، له ديوان شعر حساني كبير، لكنه لم يكن يحب الشهرة، وكان يقرض الشعر الفصيح..
يطفح أدبه بالتوحيد العميق، والدعاء الخالص، والتوبة النصوح، والاستغفار الصادق، وهذ مثال قصير معبر عن ذلك، تجنبا لأكثر من الإطالة:
وَأغْفَرْلِ كَدْ الْكَطْ أُطَيْتْ <<>> مَنْ وَطْيَ يَسْوَ شَنْهِيَّ
وَأغْفَرْلِ زَادْ أَلِّ وَسَّيْتْ <<>> بَيْدِ، وَالْشَافُ عَيْنِيَّ
ـ حافظة: يحفظ أي شيء يسمعه، وسع صدره كثيرا من العلوم والأشعار، والأنساب، وعلى وجه الخصوص ـ مثالا ـ كان يحفظ حماسة أبي تمام كاملة، وإلى وفاته يستحضرها كما لو كان حفظها من يومه، أملى على الشيخ عبد الله ولد بَابَّاهْ رحمة الله عليه، من حفظه جميع نظم أبناء محمد اليدالي، وكان يحفظ مجمل نظم ألب ولد أمين الأجيجبي رحمه الله، وكان يقول إنه لقيه مرة في سفر فسار معه يوما، حتى حفظ منه جميع نظمه، ويحفظ أيضا جميع نظم الشيخ ولد مكي، أما الأنساب وارتباطات الناس بالقرابة خاصة من جهة الأمهات، وأيام الناس، وأخبارهم، فحدث ولا حرج...
ـ مطالع للكتب، في المعارف المختلفة جامعا لها، تعرفت لأول مرة على كتاب "العواصم من القواصم" لأبي بكر ابن العربي في كتبه، مهتما بجمع المخطوطات والنُّقَلِ، وحَصَّلَ منها كما معتبرا، جيد الخط جدا، يعرف عدة لغات..
ـ حج بيت الله الحرام، ولزم في حياته وردا من القرآن العظيم، ومن النوافل، والذكر المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، وداوم على ورده، ولم يكن يمنعه منه إلا المرض الشديد، وكان يخرج صدقتين ثابتتين يوميا، إحداهما في الصباح، والأخرى في المساء، وظل حريصا على أن يخرجهما بنفسه إلى أيام قبل وفاته، فقد كان في الأشهر الأخيرة يُسْنَدُ، ويتناول محفظة نقوده، ويخرج منها مقدار الصدقة، ويجعله في صندوق جمعها لتذهب لمصرفيها بعد ذلك..
ـ له صدقات لم نكن نعلم بها، فهناك رجل من القرابة كان يزوره في المنزل بشكل مستمر، وبعد وفاته أخبرنا أنه كان يكلفه بتوزيع صدقات على بعض الأشخاص، وكان يسأله عن الأسر المحتاجة التي ليس لها معيل، ويرسل معه الصدقات حسب ما يحدثه به، من حاجة تلك الأسر..
ـ كثير الإهداء للمعارف والأصحاب، ولغيرهم، حريصا على مكافأة كل من يهدي إليه، ولو كان ابنه، شخصيا كنت حين أرجع من سفر وأهدي إليه "فرحة" متواضعة يحرص أن يكافئني عليها..
ـ كان مربيا من الدرجة الرفيعة، ربانا أحسن تربية، وبذل لنا النصح الصادق، وسعى في أن نكون جميعا على الحالة التي يجب أن نكون عليها، وسهل لنا طرق التحصيل المعرفي، ووجهنا لذلك، وحرص على أن يورثنا أخلاقه، ومروياته، والحمد لله على أنه في فترته الأخيرة كان يحمد الله على أنه لم يمت حتى رآنا على ما يحب..
لم يكن يضع الحواجز بيننا معه، كان يحدثنا بكل شيء، ويداعبنا بالنثر والنظم، ويسمع منا ما ندعي أنه نظم، ويرد علينا، ويصوب ويصحح..
يقول موجها لأحدنا، وقد تأخر ليلة عن المنزل، ثم تبين في الصباح أن نعله تلوثت بغير طاهر، في طريق رجعته:
وَقْتَكْ مَتْمَشِّ فَلْحَــــارَ <<>> الْمَشْيَ ذِيـكْ الْمَتْعَسَّ
تَمْ أَكْرَدْ لَطْرِيكْ أَطْهَارَ<<>> لَاتَكْرَدْ لَطْرِيكْ أَمْنَسَّ
وربما أنتدب بعضنا للقيام بهذا الدور، مرة ذكر منا أحد أنه سيشتري كبشا، وخرج، وظظناه توجه إلى سوق الحيوان، لكن سفرا قاده إلى بتلميت، فأنتدب من يُذَكِّرُه بذلك، فقال المُنْتَدَبُ:
فِينَ يَامَسْ هَونْ أَرَكَاجْ <<>> أَعْلِيهْ أَتْغَابَ فَلْظَنَّيْتْ
الْمَرْبَطْ هُوَّ وَكَرَاجْ <<>> وَمْشَ وَاعَدْ بُتِلِمِيتْ
ـ لم تعجبه السياسة، مع أن بتلميت مدينة سياسية بامتياز، وهو من أسرة تليد فيها تعاطي الشأن العام، لكن لما رأى تفريقها للناس، وإفسادها للأخوة ترك لها الحبل على الغارب، وجعلها عن جانبه، كما قال المختار ولد حامد رحمة الله عليه، وكثيرا ما استشهد بقوله ذلك فيها، وظل على مسافة واحدة من الجميع..
ـ كان يمسك لسانه عن ما لا يعنيه، لم يزرع كرها بينه، وبين أي أحد، وكما قال كثيرون في تعزيته، كان كافئا لِكِفَّةِ الشر، جاعلا في كِفَّةِ الخير ما أستطاع أن يجعل فيها..
ـ كان صادق المؤاخاة، حريصا على الصداقات، يحسب كل من يعرفه أنه خاصته دون الناس الآخرين، وأورثه ذلك حبا عاما في الناس، وأشار الشيخ محمد الحسن ولد الددو في تعزيته فيه، إلى أنه كان يتخير أصحابه، فلم يصاحب إلا فاضلا، كثيرا ما كان يتمثل قول الخليفة المأمون العباسي:
إن أخاك الحق من يسعى معك <<>> ومن يضر نفسه لينفعك
ومن إذا ريب الزمان صدعك <<>> شتت شمل نفسه لينفعك
وقد قال فيه الشيخ محمد عالي ولد عدود رحمة الله عليه، مضمنا قول أبي تمام المشهور، شاهدا له بصدق الحديث:
لو قال غيرك هذا القول قلت تُبِ <<>> فالله يقبل توب العبد إن يتب
جاءت به كتب الأعلام واردة <<>> والسيف أصدق أنباء من الكتب
وفي ترجمته من كتاب "الأخبار" للشيخ القاضي والمؤرخ هارون ولد باب ولد الشيخ سيدي، قال عنه المؤلف: << ..كان من السادات الثقات الكُفاة، أمينا، على ما أسر، عارفا بأحوال دهره، مخالطا للناس المخالطة المناسبة، قائما على بيت أبيه أحسن قيام، معينا لقومه في النوائب، ماهر بالشعر الحساني، ساجل به كل معاصريه، ويقول منه الشيء الحسن، ويحفظ منه الكثير، وخطه جميل... وأحواله مع الناس طيبة...>>.
ومما قيل فيه أبيات قالها الشيخ موسى ولد باب ولد الشيخ سدي، رحمة الله عليه، لم أستحضرها كاملة، في الحين..
وقال فيه أعل ولد محمد ولد أمبخوخه الدماني:
نَكْفَرْلِي حَدْ أَبْشِ نَبْقِيهْ <<>> وَصْلْ أَجْبَرْتُ مَاهُ بَسَّيفْ
مَنْصَابْ أَلِّ يُنَكْفَرْ بِيهْ <<>> إِعُودْ أَمْنَكْفَرْ بِيهْ السَّيْفْ
لم نعتقد يوما أن السيف مخلد، فعقيدتنا التي غرسها فينا، وقرآننا العظيم، يمنعاننا من ذلك، بل كنا نؤمن بأنه ميت، وذو نسب في الميتين عريق، لكن قلوبنا لم تسلمه ولو مرة للموت، فلم نزدد إلا حاجة إليه، لكن أجل الله إذا جاء لا يؤخر..
غَيرْ الْمَوْت ابْلَ مُولْ اُسَيْفْ <<>> فَيْدْ اللهْ اُذَاكْ الْوَسَــاهْ
أمْرُ اللهِ وُنتَ يَ "السّيْــــفْ" <<>>عَبْدَ اللهْ اُجَاكْ امْر اللهْ
جرى عليه حكم الله على الأولين والآخرين، وإنا على فراقه لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإن كان المصاب فيه كما قال القائل، في قيس عاصم المنقري رضي الله عنه:
وَمَا كَانَ قَيْسٌ هُلْكُهُ هُلْكُ وَاحِدٍ <<>> وَلَكِنَّهُ بُنْيَانُ قَوْمٍ تَهَدَّمَا
أتمثل مما قيل فيه رثاء، قول القائل:
السَّيْفْ أَكْلِيلْ، أُشِ كِيفُ <<>> مُصَابُ ذِ النَّوْبَ مُصَابْ
وَمْنَادَمْ بَعْدْ أَمْشَ سَيْفُ <<>> يَبْكَ مَدْكَنْدَزْ مَنْ لَعْكَابْ
أسأل الله العظيم أن يغفر له ويرحمه، ويسكنه فسيح جناته، وأن يجازيه عنا أحسن ما يجازي والدا عن ولده، وأن يعظم لنا الأجر فيه، ويخلفنا خيرا منه، ويخلفه خيرا منا، وأن يغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا، وأن لا يفتننا بعده، وأن لا يفتنه بعدنا، وأن لا يحرمنا أجره..
وَهَوَّنَ حُزْنِي أَنَّ يَوْمَكَ مُدْرِكِي <<>> وَأَنِّي غَدًا مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الضَّرَائِحِ
القاضي: أحمد عبد الله المصطفى