شهر نوفمبر هو بامتياز شهر الأعلام الخضراء .. شهر تغزوا فيه الألوان الوطنية الخضراء والصفراء جنبات الشوارع وتكسوا واجهات المحلات وتمنح فرص عمل لعشرات المصممين والباعة ففي موسم الأعلام الذي يبدأ منتصف أكتوبر ويبلغ ذروته فى 28 نوفمبر ينتج ما يقدر بـ 500 ألف علم من كل الأحجام وتنتج يافطات ولافتات ملونة بألوان العلم تلبي أذواق الصغار والكبار.
موسم هذا العام يكتسي أهمية خاصة فقد أخبرني أحد الباعة بتقاطع (BMD) وسط العاصمة انواكشوط بأن الإقبال على شراء الأعلام كبير هذه الأيام وعندما سألته عن السبب أجابني رجل سبعيني كان يعبث بكومة أعلام وصلت للتو من ورشة التوضيب: ألم تسمع ما يقال؟
يقال إن العلم سيتغير والناس من أمثالي يحاولون اقتناص الفرصة الأخيرة ليقتنوه بشكله الحالي ، فقد لا تتاح فرصة أخرى خلال السنة القادمة..!!
سألت الرجل: وهل تتعلقون به إلى هذه الدرجة؟!!!
أجاب بامتعاض: وهل تنتظر مني ومن أمثالي من المتقاعدين العسكريين غير ذلك؟... لقد خدمت هذا العلم على مدى 50 سنة وضحيت وضحى آخرون لكي يظل خفاقا وبفقده أفقد شيئا من ذاتي.
قلت: هو لن يفقد سيضاف إليه لون أحمر..!!! لم يمهلني الرجل: قبح الله الأحمر يا أخي العلم ليس لعبة تشكيلية يعبث بها المستهترون..!!! .. العلم رمز وهوية ماض وحاضر ومستقبل... على أية حال هذا العلم الأخضر بهلاله الذهبي دخل بيوتنا وقلوبنا وعقولنا إلى غير رجعة وأخاله سيبقى فينا ما كتب لنا البقاء!!!
تركت الرجل العجوز وشأنه وواصلت طوافي بمحلات بيع الأعلام على جنبات شوارع وسط المدينة .. فى نهاية طوافى أدركت أنه لا أحد يريد اللون الأحمر ولا أحد يفهم مغزي تلطيخ علم مشحون بالدلالات الوطنية والدينية .. علم هو الشيء الوحيد مع التوحيد المجمع عليه فى الوقت الحالي.