أوقفت إذاعة صحراء ميديا بثها.. فقد وقف حمارها عند العقبة.. انبهرت أنفاسها لأنها ظلت تطارد خيط دخان حرية التعبير .. أدركت أخيراً أنها تقرص حجراً، و أن حجراً يجري لا ينبت عليه العشب.
أوقفت الإذاعة الجادة الوحيدة بثها، رغم أنها حاولت جهدها أن لا تغضب نظاما يطير الذباب فيغضب و يثور.. أوقفته “بيدها لا بيدي عمرو”، لأن أمرا يبرم بليل “العزيزية” لتوقيفها.. رفضت إلا أن تكون غزالا شارداً، خارجاً عن طوع “الحظيرة”.
صحراء ميديا كانت إذاعة جادة.. قد تتعب و لكنها لا تتثاءب.. تمشي ببطئ و لكننها لا تتراجع.. تتحاشى اقتراف الخطأ لأنها تكره الاعتذار.
كانت البداية التي بلغت في نضجها النهاية.. فما سبقها من الإذاعات كان تنعاب غراب في حضرة عندليب.. غير أن العندليب بُحّ صوته لأن في بعض الأسماع وقراً.. و حين يجبرك ضجيج باعة الفول و الفستق على أن ترفع عقيرتك، فلا تكن عندليباً… أو انسحب.!
فانسحبت إذاعة صحراء ميديا.
خرج الأرنب، ناعمُ الإهاب، من أوكار القنافذ..
خرج الناسك، المتبتل، من الماخور…
****
كانت صحراء ميديا ثعبانا أدردَ… فتنهاشته الثعابين.
كانت عيناً.. ففقأتها الأصابع.. و ميلاداً فاغتالته التنانين .
كان عليك أن تعيشي.. أيتها الصحراء الخميلة.. و لكي تعيشي كان على رئتيك أن تتنفس الكربون، و أن تستنشق دواخن غابات الغرقد.. فلا يعيش هنا من يتنفس هواءً نقياً.
كان عليك أن تأكلي من اثداءك، و أن يسْجُد نهداك .. فنحن لا نكره شيئا كرهنا للنهد الكاعب الجامح كالصوافن.
كان عليك أن تشربي رَنَقاً، ءاسناً، عكّرته الدلاء، و حوافر الحمير، لا أن تشترطي زلال الماء و نميره..
ليهنأك العطش ، إذن، أيتها الصحراء.!
****
مهما انقطعتِ إلى صلواتك في محراب المهنية، فلن نرضى عنك.. لأنك لم ترتمي في أحضان الجنرال الأرعن، فتسبحي بحمده، و تصدعي بذكره..
لو شئت لكنت بنذالة صحافتنا، فنجوت من المضايقات، و أمنت مخالب الهابا و براثن وزارة الاتصال..
و لو شئت لجمعت الكُلى و العُجى في شدقيك.. و أخذتك خائنة الأعين.. و أسررت حسواً في رغوة..
و لوشئت لكنت بيضاءَ دمن..
فهكذا يفعلون..!
غير أنك أردتها صحافة و أرادوها سخافة..
أردتِها بيضاء ليلها كنهارها، و أرادوها ليلة من جمادى ذات أندية…
فأوقفي بثك.. فالصحافة عندنا “فن الممكن”..
و على “إذاعتها” جنت براقش.!