بمناسبة الذكرى الـ 56 لعيد الجيش الوطني أقام الفريق الركن محمد ولد الشيخ محمد أحمد رئيس الأركان العامة للجيوش مأدبة عشاء فاخرة مساء الجمعة 25 نوفمبر 2016 بنادي الضباط بالعاصمة حضرها أزيد من 500 مدعو من المدنيين والعسكريين ومعظم الملحقين العسكريين المعتمدين فى موريتانيا.
من حيث الشكل كانت المأدبة منظمة بإحكام فبطاقات الدعوة التي طبعت مع الأسف بلغة المستعمر حددت المكان والزمان والزي وطاولة الجلوس .. وكان هنالك من يتكرم بإرشاد المدعوين التائهين دائما لأماكنهم .. كانت الطاولات عامرة بالمشروبات المباحة وكانت خدمة الطعام مميزة وتلقفها الحضور بشيء من الشراهة لأن الانتظار طال من السابعة والنصف إلى العاشرة والربع.
حتى برمجة الجلوس على الطاولات كانت جيدة لأنها جمعت دائما بين ضباط من مختلف تشكيلات الجيش ومدنيين ومثقفين .. حظي قادني إلى الطاولة رقم 17 وقد حاولت تسريع وتيرة التعارف وإذابة الجليد كي يتم التواصل المباشر وفاجأني أن من بين الجالسين معي وعلى طاولة مجاورة أناس يعتبرون سوريا بلدا شيعيا ويعتبرون العراق بلدا سنيا معتدى عليه وفهمت أنهم عن حسن نية يصنفون هذه الدول حسب انتماءات قادتها المذهبية ولم يكلفني اقناعهم بأن سوريا بلد سني تحكمه أقلية شيعية علوية وأن العراق بلد ترجح كفة شيعته العددية على سنته أي مجهود يذكر فهذه الأمور كما لاحظت تعتبر ترفا فكريا لا يرفع الرتب ولا يؤول ريعيه إلى الجيوب.
مع الأسف كانت معظم الأحاديث من حولي جانبية وأحيانا تافهة وتشكلت حلقات من المعارف ولم تستغل الفرصة التي أتاحها تنوع تموقع المدعوين.
كانت هنالك خيمة خاصة بالنساء وملمحها من بعيد يحيل إلى الكرنفالات الهندية وربما إلى اللوحات السريالية وكانت هنالك منصة للإنعاش ظهرها فنانون وفنانات بالغوا فى اجترار الأغاني المعتدى على ملكيتها الفكرية وكانت البداية مع "ريشة الفن" والنهاية مع "بس أمباره أمباه".
تصورت أن الجيش فى تخليده لذكراه الـ 56 وأمام هذا الجمهور النوعي سيفاجئنا بما هو أفضل وسيستغل السانحة ويقدم مختصرات مفيدة مؤصلة مجمع عليها عن تاريخ الجيش وحصيلة ذوده عن حياض الوطن ومواكبته لمجريات الشأن الوطني وإسهاماته فى جهود تطوير البلاد .. وكنت أتصور أن يصل الأمر حد استشراف آفاق المستقبل كما كنت أتوقع أن يتذكر الجيش مؤسسيه من جيل الرواد وشهدائه الأوفياء الذين ضحوا من أجل الوطن فلولا تضحياتهم ودماؤهم الزكية لما أتيح لنا الاستمتاع بهذا الحفل البهيج .. باختصار كنت أتوقع كحد أدنى أن توزع مطبوعات وتبث أفلام ويتحدث خطباء وأن يقوم قائد الأركان بجولة يحيي خلالها مدعويه ولو عن طريق الإشارة والتلميح.
كل هذا كان سيمكننا أن نعود بفكرة واضحة عن ماضي الجيش وواقعه وآفاق تطويره كجيش جمهوري مهني فى بلد تعددي يدافع عن الحدود ويحمي مؤسسات الجمهورية .. لكنني فى النهاية لم أعد بأي شيء من هذا بل عدت مشبعا بطعام جيد هو قطعا طعام كرماء لكنه أشبع الجوع المادي أما العطش المعنوي فأتمنى أن يعد ما يزيله خلال مأدبة الذكري 57 لتأسيس الجيش التي أرجو الله أن يمنحني ويمنح من حضروا معي فرصة حضورها إنه ولي ذلك والقادر عليه .. فالرحمة والخلود لشهدائنا الأبرار وتهنئة حارة وصادقة لكل أفراد قواتنا المسلحة.
(أحد المدعوين)